انتبذت مكانا قصيا على شاطئ الأطلسي أصيلالا ، فكنت أسائله عن وطني ، و عن حشرجة ضاق بها صدري ، فيجيبني بنسيم عليل يبعث في النفس دعة تنسي حرارة هضاب لعصابة و ظمأ أيامها ؛ إذ لا بحر يحمل الهم هناك و لا حوت يبلع الغم ..
على الشاطئ رأيت شباكا و شراكا ، و صيادا جلدا جسورا ، شدت من عزيمته أم كادحة تختبئ القناعة كلها في تجاعيد وجهها و يتطهر الحياء من عرق جبينها .
فاتخذت من المشهد خيطا يربطني بالمستقبل، وأركب موج العاطفة الهائج دون أن أحسن التقدير، ليسحقني في قفار تناغمت إيجابا مع أمواج القحط الزاحف نحو الحياة و الناسف لكل وعد تشدق به أهل السياسة و التنجيم ، فأكتشف في ساعة متأخرة أن الأمل ليس إلا بالونة تنفخ بالمظاهر الخداعة و العبارات الرنانة، و تعلق على مشاريع زائفة تفضحها من حين لآخر صفقات التراضي الموغلة في الفساد.
فأحاول التلهي عن هذا الواقع المر ببعض أشعار العرب، فلا أستحضر غير بكاء حمامات في أرض يباب ، على أطلال تكاد تندرس .. إلا أن مغازلة الريح للأمواج و ملاطفة النسيم للإحساس دغدغت مشاعري قليلا ، لتشدني ترانيم البوح نحو التحرر من قيود النرجسية و تضخم الأنا ، و لكن أبت أوتار القلب أن تجود بلحن يتناغم و نبل المسعى ؛ فقد ضاقت ليالينا عن مسامرة أهل الحسن و الأنس..
و ضن العقل علي إلا بأفكار مشوهة تعيب الإستقامة و الشفافية ، و تتفهم المحسوبية و الزبونية و تمجد القبلية و العنصرية .
و رغم ذلك سأظل أطوف بالعقل احتراما لعبقرية الإنسان المنتج هنالك وراء البحار . و أحاجج السياسي هنا أمام محكمة الضمير ؛ فقد جعل من الرغبات غاية لا تحترم الحدود ؛ فكان الشطط في القول و في الفعل .
و سأبقى أفتش في كل مرآة عن سر غياب الوطن ، و أسباب التقهقر و التشظي ، فقد كنت أتطلع إلى بنية متينة له و سحنة بهية أفاخر بهما بين الأمم .
و حين ابتعدت عن الشاطئ وجدتني على عتبة الصيف أتنفس دخان وعود أشعلتها ألسن الخطباء من أهل السياسة و البلاء ، و أسمع خوار بقرات توشك أن تنفق قبل أن تجد الأعلاف .
وأرى شعبا عظيما شغلوه بالتسجيل على لوائح المعدمين .. و قالوا له اقعد و انتظر ! فحدثوه حديثا طويلا عن الوقاية و الأعراض، و عن الصيام و القيام، و أطنبوا في الحديث عن الخلفية الدينية و الاجتماعية للرئيس و الوزير في زمن العسرة و الوباء !
و الشعب ينظر و ينتظر !!
إنه شعب بات كصبية تخدعهم أمهم كل ليلة بقدر تملؤها بماء و تقول : انتظروا سينضج الطعام عما قريب !
الحسن محمد الشيخ