موريتانيا: التأثيرات البيئية لتسرب الغاز في مشروع "السلحفاة"

بالرغم من إطلاق موريتانيا قبل سنوات لمبادرة دولية للشفافية في مجال الصيد البحري FiTI، ومصادقتها على دراسة للأثر البيئي والاجتماعي لمشروع “السلحفاة الكبرى آحميم"، الا ان الظروف التي اكتنفت الإعلان عن الحادث الأخير تعكس بجلاء ضعف الحكامة في أحد المجالات الحساسة، وتنذر بمخاطر جسيمة لا قبل لنا بها.

لقد توقعت الدراسة البيئية للمشروع، التي تضم آلاف الصفحات، احتمال وقوع 3 حوادث كبيرة من ضمنها حادث تسرب هيدروكربوني واعتبرته من الأضرار المتوقعة وقدرت حجم التسرب ب 227,000 متر مكعب من المكثفات خلال فترة 60 يومًا. 

بشكل عام، تعتبر شركة BP ملزمة باتخاذ إجراءات صارمة للحد من مخاطر تسرب الهيدروكربونات والتي تشمل تنفيذ استراتيجيات وقائية شاملة، مثل تطبيق معايير هندسية متقدمة في تصميم الآبار، واستخدام تقنيات متطورة لمراقبة وإغلاق الآبار في حالات الطوارئ. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر BP ملزمة باتخاذ خطوات فعالة تتضمن نشر فرق تدخل متخصصة وقادرة على احتواء التلوث والحد من تأثيراته على البيئة البحرية والسواحل، كما تعتبر الشركة ملزمة بتحسين أنظمة الاحتواء والتعاون مع كافة الجهات لتعزيز إجراءات السلامة والاستجابة السريعة لحادث التسرب.

لقد فشلت الشركة حتى الآن في الإعلان المبادر والشفاف عن الحادث وعن تطوره، كما فشلت مرة اخري في عدم توفير رأس اغلاق للبئر واضاعت أسبوعا ثمينا في استجلابه بالرغم من ان الحادث كان متوقعا حسب الدراسة البيئية. 

 

 

طبيعة النظام البيئي في المنطقة

 

 

منطقة استخراج الغاز في بلادنا غنية بالتنوع البيولوجي، بفضل التيارات المائية الصاعدة ومياه نهر السنغال التي توفر المغذيات للعوالق النباتية، إضافةً إلى وجود "غابة كثيفة" من الشعاب المرجانية في الأعماق، والتي توفر ملاذًا وحماية للكائنات البحرية. تعدّ هذه المنطقة مصدرًا لثروة مستدامة لا تقدر بثمن، لكن السياسات الفاشلة وسوء التدبير تسببا في جرف الشعاب المرجانية بواسطة الشباك الساحبة للأساطيل الأجنبية.

واليوم، تواجه المنطقة خطرًا جديدًا يتمثل في حوادث تسرب الغاز، مما قد يؤدي إلى تدهور وفناء الحياة البحرية. إن منح تراخيص لاستغلال الغاز في مثل هذه البيئات الحساسة يُعدّ خطيئة كبرى، خاصة وأن دراسة تقييم الأثر البيئي لم تكن بالمستوى المطلوب، وقد اعترض عليها العديد من الباحثين المرموقين.

 

 

التأثيرات البيئية المحتملة للتسرب

 

 

أ. على الكائنات البحرية

 

 

• تسمم الأحياء البحرية: بعض مكونات الغاز المتسرب، مثل الهيدروكربونات والمكثفات الغازية، قد تكون سامة للكائنات البحرية، خاصة الأسماك والقشريات

• اضطراب سلوك الكائنات البحرية: العديد من الدراسات أظهرت أن التعرض لمستويات معينة من الميثان والهيدروكربونات يمكن أن يسبب اضطرابات في سلوك وتكاثر الكائنات البحرية وبشكل خاص الثدييات البحرية. 

• مخاطر على الشعاب المرجانية العميقة: رغم أن هذه الشعاب لا تعتمد على البناء الضوئي، إلا أن أي تغيير في التركيب الكيميائي للمياه أو زيادة الملوثات قد يؤدي إلى تدميرها أو تقليل كفاءتها البيئية.

 

 

ب. على التوازن البيئي

 

 

• انخفاض الأكسجين في المياه: تسرب كميات كبيرة من الغاز، وخاصة الميثان، قد يؤدي إلى زيادة استهلاك الأكسجين في المياه بسبب التحلل البيولوجي لهذه المركبات، مما يؤدي إلى خلق مناطق بحرية منخفضة الأكسجين

• اضطراب السلسلة الغذائية: أي ضرر يلحق بالكائنات الدقيقة والعوالق البحرية سيؤثر على الأسماك التي تعتمد عليها، مما قد يؤدي إلى انخفاض أعداد الكائنات البحرية الأخرى على المدى الطويل.

 

 

مقارنة بحوادث تسرب مشابهة

 

 

تسرب الغاز في بحر الشمال (2012)

• في عام 2012، حدث تسرب غازي كبير من منصة "إلجين" في بحر الشمال، مما أدى إلى إطلاق كميات ضخمة من غاز الميثان في الجو والمياه.

• الآثار البيئية:

o زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة

o تهديد للحياة البحرية بسبب انخفاض الأكسجين في المياه

o اضطرابات في سلوك الأسماك والحيوانات البحرية بسبب التعرض للغازات المتسربة

 

حادثة التسرب في روسيا (2021)

• تسرب كبير للغاز في بحر كارا أدى إلى مخاوف بيئية كبيرة بسبب عدم وجود رقابة كافية وغياب الشفافية في تقارير الأضرار البيئية.

• التأثيرات البيئية:

o تلوث المياه العميقة

o اضطرابات في الأنظمة البيئية الحساسة

o انخفاض أعداد الأسماك في المنطقة

 

 

ماذا يمكن أن نتوقع من حادثة "السلحفاة الكبرى آحميم"؟

 

 

• رغم أن BP تصف التسرب الحالي بأنه "ضئيل"، إلا أن تأثيره قد يكون أكبر مما تعترف به الشركة، خاصة مع غياب تقارير بيئية مستقلة

• التأثيرات قد لا تظهر فورًا، لكنها قد تؤثر على النظام البيئي على المدى الطويل، مما قد يؤدي إلى تراجع الثروة السمكية وتدهور الشعاب المرجانية العميقة

• خطر فقدان السيطرة على التسرب: في حالة استمرار التسرب لفترة طويلة أو تفاقمه، فقد يتحول إلى كارثة بيئية أكبر، مما قد يتطلب عمليات احتواء معقدة ومكلفة

 

 

الحلول المطلوبة لمواجهة الكارثة المحتملة

 

• اجراء تحقيق مستقل يشرك هيئات بيئية مستقلة لمراقبة الأثر الحقيقي للتسرب

• المراقبة المستمرة بواسطة تقنيات الاستشعار عن بعد وتحليل جودة المياه لضمان عدم انتشار الملوثات

• تقييم الاضرار المختلفة وإصلاح ما يمكن إصلاحه والتعويض عن بقية الاضرار

حادثة التسرب الحالية قد تبدو "تحت السيطرة" وفقًا لتصريحات BP ووزارة البيئة، لكنها قد تحمل مخاطر كبيرة على البيئة البحرية، المقارنة مع الحوادث السابقة تثبت أن التأثيرات البيئية قد تكون طويلة الأمد، إن تعامل الجهات المعنية والإعلام وأصحاب الرأي مع هذا الحادث اتسم بشكل عام باللامبالاةوالاستهتار بموارد وطنية ثمنيه ،ومن الغريب حقا بان الحكومات المتعاقبة، ما فتئت تقلل من مزيا هذا الاستغلال وانعكاساتها على اقتصاد البلد، يبقي السؤال الجوهري: لماذا رخصتم لإقامة هذا المشروع ما دامت مخاطره البيئة عالية، وفوائده الاقتصادية قليلة؟

 

 

المهندس الهيبة سيد الخير

جمعة, 28/02/2025 - 15:24