الشيخ يوسف القرضاوي، هَرَمُ مِصْرَ الحقيقي

عالم سني متبحر، خطيب لغوي متمكن، باحث إنساني مدقق، مؤلف متمرس مبدع و شيخ أزهري عن جدارة و استحقاق.

كان الشيخ يوسف قويا في قول الحق قوة الأهرامات، صلبا ثابتا على المواقف صلابتها و ثباتها، شامخا شموخها دفاعا عن عزة الأمة و كرامتها.

تربى فقيدنا في زمن مصر الجميل و واكب أهم أيامه إبداعا و تألقا و عاصر أعظم عظمائه في شتى أنواع الفنون و المعرفة.

عاش جريحا بين السجن و المطاردة في وطنه الذي كان لابد من مغادرته له ففارق الأهل و الأحبة على مضض.

ظل الشيخ يوسف القرضاوي دائم الترحال لا يأبه بالغربة و وحشتها و لا بالسفر و مشقته فحول المطارات في رحلاته إلى قاعات للدرس و جعل من السهول ساحات لبذر مبادئ الحرية و الكرامة و من البحار ينابيع لسقايتها و من الجبال منارات للدفاع عنها بإظهار الحق و اتباعه و كشف الباطل و الإبتعاد عنه فتحولت كل المدن التي زارها أو سمعت عنه في أنحاء العالم إلى خلايا نحل دائمة البذل و العطاء في نصرة الأمة و دينها.

ظن الشيخ أنه وضع عصى ترحاله في جزيرة تلاطمت عليه بحورها الهائجة فاتخذ من علمه و كتبه و مؤلفاته ذات ألواح و دسر ظلت تحميه على ظهرها فلم تستطع أمواجها أن تبلل منه إلا أعضاء وضوئه و لم يغترف منها إلا غرفة تطهره من أدران الزيغ و أهله و تعينه على نصرة الحق و إظهاره، لكن ظنه سرعان ما اصطدم بالحقيقة فتعرض للمؤامرة تلو الأخرى و الخيانة تلو صاحبتها ولولا إحساس الشاعر أبو الحسن التهامي المرهف لقلت إن الشيخ يوسف هو من أنشد:

لله در النائبات فإنها @ صدأ اللئام و صيقل الأحرار

تلاطمت أمواج جزيرة يوسف من جديد بشكل لا يقبل البقاء هذه المرة فكان لابد له من الرحيل مجددا.

إستقبل الأتراك بكل شجاعة هذا الشيخ الجليل و قد كان أحوج إليهم من العطشان إلى الماء البارد و مع ذلك لم يستطيعوا أن يستلوه من عروبته الراسخة في أعماق كنانته و كأني به قد أنشد قول المتنبي حنما وطئت قدمه عاصمة الدولة العثمانية:

رماني الدهر بالأرزاء حتى @ فؤادي في غشاء من نبال

فصرت إذا أصابتني سهام @ تكسرت النصال على النصال

حاربه القريب قبل الغريب فظل صامدا كأهرام مصر رغم شدة الطعنات و حاول الغرب أن يحجب عنه مآذن القدس بقبته الحديدية و تهمة الإرهاب الجاهزة لأي مخالف قد يحدث تغييرا لكن صوته الجهوري العذب الصادع بالحق الذي لا مراء فيه قد إخترق كل ما أعدوه له و جعله دكا كأن لم يكن فظلت كلماته تساقط على أرض فلسطين و أرجائها غيثا بعد أن قنطوا و ثباتا و تثبيتا بعد أن أرغبوا و أرهبوا و سكينة و رحمة بعد أن خوفوا و عذبوا.

أراد أهل الغلو و التطرف أن يتبنوه لكن و سطيته و ميوله إلى التيسير في الدين حال دون ذلك كما أراد الغرب أن يستهويه و يتعامل معه لكن صدوعه بالحق و موقفه من فلسطين و أهلها و من الإسلام و مقدساته حال دون ذلك.

رغم أنه كان من أعلم علماء عصره، لم يقبل يوما أنه وصل مرحلة الإجتهاد لشدة تواضعه و اكتفى بأنه حصل من العلم على ما يُمَكِّنُه من تبني الأيسر من الأقوال عند الإختلاف و الرجوع إلى السنة عند الإبتداع.

خالفه كثير من العلماء و أصحاب الرأي لكن أحدا منهم لم يتجرأ على مواجهته حيا بمناظرته عبر الفضائيات أو ميتا بالرد على مؤلفاته الثرية الكثيرة.

إحترق الكثير من رفاقه و تساقطوا تحت رونق السلطة و أظلمت عليهم قصور أهلها في سبيل دنياهم لكن يوسف ظل واقفا سعيدا يستظل بظلال القرآن مستنيرا بضياء السنة الغراء في سبيل آخرته.

رحم الله العالم الجليل الشيخ يوسف القرضاوي و أبدل سيئاته حسنات و أسكنه فسيح جناته و إنا لله وإنا إليه راجعون.

طابت أوقاتكم...

باب ولد الشيخ سيديا

 

أربعاء, 05/10/2022 - 13:12