تعقيب على تعقيب الدكتور المبجل إشيب ولد اباتي

قرأت تعقيب الدكتور الفاضل إشيب ولد اباتي على فقرات كتبتها تعقيبا على تعقيبه الأول وأغتنم هذه الفرصة لأوضح أو أحاول رفع اللبس فيما يتعلق ببعض النقاط الواردة في مقال الدكتور إشيب وفقني اللـه وإياه، وقبل ذلك أود أن أنبه إلى بعض الملاحظات العامة:

-       ترددت كثيرا في الرد على مقال الدكتور بل إني صرفت النظر، في مرحلة معينة، عن التعقيب حرصا على عدم إزعاج الدكتور وحتى لا يتكلف في تأويل ما أكتبه ويقرأ نياتي على نحو لم أقصده، لكن بعد أكثر من قراءة لمقال الدكتور ارتأيت التعليق لأن المقال تضمن من الاتهامات والأحكام ما استوجب التوضيح على الأقل من باب (كان مالك يعتذر عن نفسه).

-       لاحظت إجمالا أن الدكتور إشيب حفظه اللـه أول مجمل كلامي بصفة سلبية أو نسب إلي ما لم أقل حتى إن قلت كلمة طيبة أولها بضدها وكان الأشرف له والأفضل لي أن يختار منهج " وعين الرضا عن كل عيب كليلة" ولكنى أخشى – وأقول أخشى أنه اختار – ربما عن غير قصد- منهج "ولكن عين السخط تبدي المساويا".

-       أني فهمت من بعض كلام الدكتور أن هذا العبد الضعيف جزء من مؤامرة كبرى على الأمة فهو من الطابور الخامس ومن مؤيدي الامبريالية وأمريكا ومخططاتها ومستفيد ماليا من تبعيته لجهات معينة وهذا العبد المسكين أضعف وأقل من نصرة الأمة أحرى التآمر عليها..

-       فهمت من كلام الدكتور وفقه اللـه أني أمثل تيارا معينا معاديا له وكانت هذه فرصته لتسجيل بعض النقاط وإظهار ما يراه في ذلك التيار ، ومرة أخرى أقولها وأكررها ليس تقية ولا تورية، فهذا العبد الضعيف لا يمثل إلا نفسه وليس منتميا لتيار سياسي ولا فكري محدد ، إنما يتألم لآلام الأمة ويعطي لنفسه مثل أي شخص حق انتقاد ما يراه من أخطاء سواء صدرت من قادة أو جماعات أو فرق بغض النظر عن المشارب الفكرية أو الانتماءات السياسية ، مع الاجتهاد في مراعاة الرفق واللين في الأسلوب.

-       الانتماء الحقيقي لهذا العبد الضعيف هو محاولة الجمع والتقريب بين تيارات الأمة وطوائفها واحترام لذي كل رأي رأيه دون وصاية فكرية أو احتكار للصواب..

-       لم أعلق على كل النقاط الواردة في مقال الدكتور لتشعبها أولا ومخافة الإطالة ثانيا.

 

والآن أشرع في تقديم ملاحظاتي على بعض النقاط الواردة في مقال الدكتور حفظه اللـه:

 

لماذا الشكر؟

يقول الدكتور أشيب: (لو بحث أحدكم في مضمون مقال الكاتب المحترم الهادي بن محمد المختار النحوي، لعرف معي، لماذا شكرني للتعقيب على مقاله في المقال الذي كتبته في ذكرى ثورة ٢٣ من يوليو.. ويبقى السؤال المطروح للبحث عن ما هو مضمون مقاله الذي عنونه كاتبه بشكر ي؟ وهل ذلك لإعطاء انطباع عن اتساع صدره للتوجيه، او المناقشة الموضوعية، او لشيء آخر؟

ولماذا ورد في مقاله الأسبق الذي كان هدفه واضحا لمن قرأه بعين مجردة، وحتى من وضع بلورة نظارته للحاجة الماسة اليها، او "للبذخ" الذي  تكرر في قاموس الكاتب في مقاله، اما للوصف المعنوي، وهو خارج السلوك، ولربطه بالفساد المصاحب للبذخ، ولعل الوصفين، اريد بواحد منها الشكر في محل الذم، والثاني الترابط بين السلوك، وأثره..!

فلك من الذكاء ما هو أكثر من ذلك، كالتهرب من قصدك بالكتابة عن القادة القوميين قبيل ذكرى ٢٣ من يوليو، وعرفت على اسئلة النهضة السابقة عليهم للتدليل على الوعي بالمشروع النهضوي،، لكن تغافلت عن أشياء عديدة،،عن حقائق عديدة، ومريرة كدور الامبريالية في إجهاض مشاريع النهضة العربية هنا وهناك...) انتهى الاقتباس من كلام الدكتور في الفقرات الأولى من مقاله.

ما كنت أظن أن الكلمة الطيبة يتعين، في البحث العلمي، سلخها والبحث لها عن ضدها لإفراغها من محتواها. ما الضير في اتساع الصدر أو النقاش الموضوعي؟ أما "لشيء آخر"، كما ذكر الدكتور، فذلك الشيء الآخر لا يعرفه إلا الدكتور أنعم اللـه عليه.

هذا العبد الضعيف لا يدعي علما ولا معرفة ولا قدرات بحثية وإن كان له أن يدعي أمرا إنما محاولته اتباع أهل الفضل في تطبيق قوله تعالى (وقولوا للناس حسنا) وقول النبي صلى اللـه عليه وسلم ( الكلمة الطيبة صدقة) والنصوص في هذا الباب كثيرة كما يعرف الدكتور، 

فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم** إن التشبه بالكرام فلاح

أحب الصالحين ولست منهم** لعلي أن أنال بهم شفاعة

فلماذا يريد الدكتور عفا اللـه عنا وعنه أن يصادر مني محاولتي التشبه بالصالحين، أو ليس الأولى حسن الظن وتقدير الكلمة الطيبة بدل البحث لها عن المخارج السيئة؟

عموما الدكتور أستاذ جامعي وباحث وبرنامجه مشحون وتخصيصه لبعض وقته رغم ازدحام جدوله لقراءة تلك الفقرات يستحق الشكر والتقدير.

أما فيما يتعلق بالبذخ فيبدو، وقد أكون مخطئا، أن الدكتور عنده ملكة أو شغف بالتأويل والتأويل البعيد خاصة فمن أين له أن المقصود المدح على سبيل الذم؟ فما قصدته بالباذخ، وقد شرحت ذلك وقتها، هو أن مقال الدكتور جاء مفصلا وغنيا بالمعلومات ولم يخطر ببالي لا صفات معنوية تتعلق بالكاتب إلا إذا كان يريد أن يقول إن الكلمة تعبر عن صفات معينة في هذا العبد الضعيف ولعل ذلك اتضح من عبارة " الترابط بين السلوك وأثره"؟ فمن أين جاء الدكتور بالفساد وربطه بالبذخ؟ أعترف بأنني عجزت عن الفهم.

أشار الدكتور إلى أني تهربت من قصدي من الكتابة عن القادة القوميين في ذكرى 23 يوليو وأقول للدكتور مرة أخرى أنني لم أتهرب بل أنفي نفيا قاطعا أنني نشرت تلك الفقرات مستهدفا ذكرى 23 يوليو أو 17 أو 30 يوليو، فلم يخطر لي الأمر على بال ولو كنت أقصد ذلك لقلتها صراحة، فما الذي يمنعني من ذلك؟

 

لست وكيلا

ورد في مقال الدكتور :(فضلا عن الانحرافات التي لاتحصى، كما في السودان منذ حكم جعفر النميري الذي تحول من قائد قومي إلى مورد ل" افلاشة"، على طريق الارتداد  الساداتي.. وحكم البشير الإسلامي...) انتهى الاقتباس.

أنبه الدكتور هنا إلى أن هذا العبد الضعيف ليس محاميا ولا وكيلا عن السادات ولا النميري ولا عن حكم البشير فله أن يقول فيهم ما شاء..

الاهتمام بالحرب على الأوكرانيين

ورد في مقال الدكتور وفقه اللـه: ( بينما نجد الهادي يهتم بالحرب على الأوكرانيين، و لا يهتم بما في ليبيا، ، والصومال، واليمن، والحلف المشبوه مع الغرب الذي قام به قادة دول الساحل،  ولا شك انه  مقدمات للحروب الاهلية،  متى نقلت امريكا" الدواعش" في طائراتها للمنطقة.. ) انتهى الاقتباس

ومن قال للدكتور أنني لم أكتب عن ليبيا أو عن الصومال؟ ثم هل قرأ ما كتبت عن الحرب الروسية الأوكرانية حتى يفهم قصدي منه.؟

وأقدم هنا عنوان الفقرات التي كتبت عن الحرب الأوكرانية الروسية: "بين الحرب الروسية الأكرانية والغزو الآمريكي للعراق"

وهذه خلاصة تلك الفقرات: 

"وهكذا اعترف مهندسو العدوان على العراق بكذبهم وفضحوا أنفسهم مع أن الأمر كان واضحا منذ البداية فقد قرر بوش وبلير العراق تدمير العراق واختلقوا أسبابا واهية واعترف بوش بأنه كان سيدخل العراق على أية حال. دمروا العراق وأعدموا رئيسه وكبار مسؤوليه وقتلوا مئات الآلاف من أبنا الرافدين وتذهب بعض الإحصائيات على أكثر من مليون وأحدثوا فيه فتنة طائفية ليستمر القتل والتدمير بعد رحيلهم إن كانوا رحلوا..

وإذا عدنا إلى المقارنة بين الحالتين الأوكرانية والعراقية فسنجد الفرق شاسعا، فرئيس العراق كان على قائمة المطلوبين للمحتلين واعتقل وشنق أما رئيس أوكرانيا فمرحب به في الغرب وفي غيره، وجيش أوكرانيا تصله الأسلحة المتطورة على مدارة الساعة أما جيش العراق فلا يصله من الأسلحة سوى ما يباد به .

وفي أوكرانيا يتحدث الغرب عن جرائم الحرب التي تستحق يستحق مرتكبوها المحاكمة وكان بيان محكمة العدل في لاهي من الخطوات الجادة في هذا الاتجاه أما في العراق فبدل محاكمة الغزاة المحتلين فكانت المحاكمات من نصيب أبناء البلد الضحية. فأمر غزاة العراق لا يعني محكمة العدل الدولية ولا المحكمة الجنائية الدولية على ما يبدو.

وهكذا نجد أن الغرب استخدم كل الوسائل لمعاقبة روسيا ونصرة أو كرانيا أما أمريكا وبريطانيا ومن تبعهما من الكومبارس فلا نسمع عن أحد في الغرب طالب بمحاكمة المسؤولين عن الغزو وعن جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم التعذيب كما حدث في سجن بوغريب ، ولم نسمع مسؤولا غربيا واحدا وصف لوش بأنه مجرم حرب.

ولم نسمع عن دولة دعت لمقاطعة أمريكا أو بريطانيا أو طردت بعض دبلوماسيي دول العدوان.

ولذلك فإذا رأيتم أمريكيا أو بريطانيا يتباكى على الجرائم في أوكرانيا فقولوا له وماذا عن دماء العراقيين الذين دمرتم دولتهم بالحصار أولا ثم بحرب إبادة شاملة مع ترصد وسبق إصرار..

إنه الغرب وقوانين الكيل بمكيالين أو أكثر..

ومن النكت "الظريفة" في موضوع ازمة أوكرانيا كلمة وزير خارجية إسرائيل حيث كتب: "لا يمكن تجاهل الصور المروعة لمدينة بوتشا الأوكرانية، وإيذاء المدنيين جريمة حرب ندينها بشدة". فلعله نسي أن تلك الصور أقرب منها صور ما ارتكبته إسرائيل من تدمير وقتل  وتهجير وحصار في غزة وجنين وفي كل فلسطين منذ أكثر من 70 سنة.

ليس الهدف من هذه المقارنة تسويغ ما تقوم به روسيا في أوكرانيا أو تجاهل مأساة الأوكرانيين إنما الهدف هو إظهار نفاق الغرب وكيله بأكثر من مكيال ومحاولة توضيح كيف تعامل الغرب مع الحرب في أوكرانيا بصورة مختلفة مع الغزو الأمريكي البريطاني للعراق".

 

عن التبعية للغرب

ورد في مقال الدكتور وفقه اللـه: (في هذا الظرف يدبج الهادي مقالاته ليؤكد المؤكد عنده، وفريقه في أن التبعية للغرب، ستوصل "الأمة العربية، والاسلامية والجمع ارجح" - على حد تعبيره -  إلى "النموذجين" الياباني، والكوري،، وأن الذي حال دون التقدم، هم القادة القوميون، وحروبهم مع الكيان الصهيوني، وهزائمهم  في " هزيمة ٦٧ ام النكبات" ولعله  عنوانا سابقا للكاتب  الهادي، و لازال المقال منشورا في أرشيف موقع" اقلام".) انتهى الاقتباس.

يتهمني الدكتور بارك اللـه فيه بأني أدبج المقالات لأوكد "أنا وفريقي" أن التبعية للغرب  ستوصل الأمة العربية والإسلامية والجمع أرجح" إلى النموذجين الياباني والكوري.

وهنا أسأل الدكتور بارك اللـه فيه أن يثبت من النص الذي كتبت أنني دعوت إلى تبعية الغرب، والنص موجود وبإمكان القراء الكرام الاطلاع عليه.

أما أن الجمع أولى من الترجيح فنعم فذلك مذهبي واتمسك به.

نسب إلي الدكتور وفقه اللـه أني قلت أن القيادات القومية العربية هي التي حالت دون التقدم، فإليكم الفقرة التي ربما قصدها الدكتور: "ويمكن أن نقول إجمالا إن تجربة الأمة خلال ما بعد الاستعمار كانت إما فشلا ذريعا أو هدما وترديا على جميع المستويات سواء تولى الأمر القوميون أو الإسلاميون أو اليساريون أو الليبراليون مع الحاجة إلى بعض التفصيل حسب كل حالة، هذا على الأقل بالنسبة للمنطقة العربية. ولا ننكر نجاح دول في مجالات معينة مثل ماليزيا وتركيا وباكستان وأندونوسيا."

كما ذكرت في فقرة أخرى أن "الاستبداد ونظم الأحكام الجمهورية الفردية التي أشبعت الناس شعارات وادعاء للثورة دون ثمار حقيقية وآل بها الأمر إلى توريث السلطة للأبناء."

نعم قدم بعض قادة القومية العربية إنجازات ملموسة للأمة، لا يمكن إنكارها، ولكن العبرة بالخواتيم والمآلات، فهل ترك هؤلاء القادة دول مؤسسات وحرية وقانون وعدل وبناء تنمويا مستديما؟ وهل انتصروا في الحروب التي خاضوها، كنت سأفرح لو أن ذلك حصل ولكن الشواهد لا توحي بذلك. اختار بعض القادة الثوار منهج التوريث وحولوا الجمهوريات إلى عروش تورث للأبناء فكيف نصنف ذلك المنهج؟.

كتبت عن أخطاء بعض القادة وخاصة عبد الناصر وذكرت ما رأيته ورآه غيري حتى من المؤيدين له من كوارث دفعت الأمة ثمنها وما زالت ولكنني ذكرت في المقابل أيضا ما له من إنجازات وحسنات ضمن سلسلة مقالات منشورة.

 

عن الحكماء والعقلاء

ورد في مقال الدكتور: (وإذا كان من  المطلوب الحديث عن المقال الذي عنوانه الشكر لي، ثم  ما يناقض ذلك نظرا  لاستثنائه لي نظرا لعدم تبصر ي، وبالتالي عدم استحقاقي لقب الحكماء والعقلاء في كلا التيارين، من الذين كان يمكنهم أن يبحثوا عن المشتركات بدلا من" تنميط" المختلف فيه  بين تيار ي الكاتب اللذين أشار لهما، ولم يذكرهما بالإسم فيما ناب عن واحد منهما في تبنيه لمواقفه ضد الأخر، وتجاهل حتى ذكر اسم الأخر لعدم اعترافه  به فكريا،،، ولعله كان من المدعوين  للاحتفال البهيج الذي أقامه الناصريون في دار الشباب يوم ٢٣ من يوليو تخليدا  لذكرى الثورة والاشادة بالبطل..) انتهى الاقتباس.

استنتج الدكتور بارك اللـه فيه أنني استثنيته من "الحكماء والعقلاء" لعدم تبصره"، أما عدم التبصر فتلك عبارة من عند الدكتور وأما إخراجه من الحكماء والعقلاء، فإني لم أخرج أحدا من صفة حكمة ولا تعقل وذلك أمر يرجع إلى الدكتور ليحدد هو إن كان منهم أم لا ، أما العبد الضعيف فمنهجه الذي يدعي هو حسن الظن بالجميع بمن فيهم الدكتور إشيب ، ولكن بعد ما مر علينا من أمثلة منهج التأويل البعيد عند الدكتور فلم أعد استغرب صرف كلامي إلى غير ما أردت.

أما تجاهل الأسماء فلم أفهمه وعلى كل حال وحتى تكون الصورة واضحة فلست طرفا في الصراع بين القوميين والإسلاميين وأحترمهم جميعهم راجيا ألا يكون ذلك من المدح الذي يشبه الذم.

 

عن الاستشهاد بكلام برهان غليون

ورد في مقال الدكتور: (وماذا يضر  الاتجاه القومي الناصري، أن يعترف به هذا الرهط من الكتاب الذين يشيرون له ب"برهان الخلف"، وهو واحد من البراهين العقلية والثقافية في الفكر العربي منذ  الكندي، فيلسوف العرب..!). انتهى الاقتباس.

نقلت كلاما للكاتب برهان غليون من كتابه اغتيال العقل العربي بينت فيه وجهة نظره حول ما اسماه انهيار النظام القومي العربي بعد هزيمة 67 ، ولم انقل كلام برهان تزكية له ولا بالضرورة تبنيا كاملا له وإنما بصفته أحد الكتاب العرب الذين عاصروا تلك الفترة وقدموا وجهة نظرهم حولها. ولنفترض أنه "برهان الخلف" أو أنه عميل كما يرى الدكتور إشيب، أفلا ينبغي أن نفرق بين الفكرة وصاحبها؟ 

فهذا سيدنا أبوهريرة استفاد من الشيطان عليه لعنة اللـه الذي وردت قصته معه في حديث طويل : ( ... فرصدْتُهُ الثَّالِثَةَ. فَجاءَ يحْثُو مِنَ الطَّعام، فَأَخَذْتهُ، فقلتُ: لأَرْفَعنَّك إِلى رسولِ اللَّهِ ﷺ، وهذا آخِرُ ثَلاثٍ مَرَّاتٍ أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّكَ لاَ تَعُودُ، ثُمَّ تَعُودُ، فَقَالَ: دعْني فَإِنِّي أُعلِّمُكَ كَلِماتٍ ينْفَعُكَ اللَّه بهَا، قلتُ: مَا هُنَّ؟ قَالَ: إِذا أَويْتَ إِلى فِراشِكَ فَاقْرأْ آيةَ الْكُرسِيِّ، فَإِنَّهُ لَن يزَالَ عليْكَ مِنَ اللَّهِ حافِظٌ، وَلاَ يقْربُكَ شيْطَانٌ حتَّى تُصْبِحِ، فَخَلَّيْتُ سبِيلَهُ فَأَصْبحْتُ، فقَالَ لي رسُولُ اللَّهِ ﷺ: ما فَعلَ أَسِيرُكَ الْبارِحةَ؟ فقُلتُ: يَا رَسُول اللَّهِ زَعم أَنَّهُ يُعلِّمُني كَلِماتٍ ينْفَعُني اللَّه بهَا، فَخَلَّيْتُ سبِيلَه. قَالَ: مَا هِيَ؟ قُلْتُ: قَالَ لي: إِذا أَويْتَ إِلى فِراشِكَ فَاقرَأْ آيةَ الْكُرْسيِّ مِنْ أَوَّلها حَتَّى تَخْتِمَ الآيةَ: اللَّه لاَ إِلهَ إِلاَّ هُو الحيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] وقال لِي: لاَ يَزَال علَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلَنْ يقْربَكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَمَا إِنَّه قَدْ صَدقكَ وَهُو كَذوبٌ، تَعْلَم مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذ ثَلاثٍ يَا أَبا هُريْرَة؟   قُلْتُ: لاَ، قَالَ: ذَاكَ شَيْطَانٌ) (1) 

التبعية للأموال

ورد في مقال الدكتور وفقه اللـه:(لعلي انتظرت- انتظر - الهجوم الظاهر والمبطن من أعداء القومية العربية في وطني بمختلف مشاربهم  من " طابور خامس" رفع- و يرفع-  أصحابه عقيرتهم ضد كل ما قومي، وترتفع علينا  " أمويتهم" - نسبة إلى عواذ أنثى الذئاب -  سواء أكانوا من  القبليين، والجهويين، واتباع الانظمة السياسية التابعة للغرب، أم اخونجيين من  التابعين للمال القطري، والماليزي، والأردوغاني المتحالف  مع اتباع الظواهري،  والدواعش). انتهى الاقتباس.

مرة أخرى يصر الدكتور وفقه اللـه على إدراجي ضمن أعداء القومية العربية ويتوسع في صفات من قبيل الطابور الخامس ثم يطور الأمر إلى ما يشبه الهجاء ، ثم يعرج الدكتور على القبليين والجهويين وأتباع الأنظمة السياسية التابعة للغرب ويكمل بالتبعية للمال القطري والماليزي والأردوغاني .. 

تكاثرت الظباء على خراش ** فما يدري خراش ما يصيد

أقف مرة أخرى حائرا وعاجزا عن فهم ما يريد الدكتور أن يصل إليه، فما علاقة القبليين والجهويين مثلا بالموضوع ؟ لكن الذي اريده من الدكتور بارك اللـه فيه أن يثبت تبعية هذا العبد الضعيف للمال القطري أو للاموال الأخرى التي ذكرها أو لغيرها ضمن هذه القائمة الطويلة من الأوصاف القدحية..

 

المؤسسات وغسل الأدمغة

ورد في مقال الدكتور وفقه اللـه: (..خلافا  للايديولوجي الخاضع للرهانات، والمصالح الشخصية الضيقة، كتوظيف افراد الشيبية العربية في المؤسسات، لغسل ادمغتها، واستلاب وعيها من القومي، الى العامل في سفارات القومية العربية في عاصمتنا، إلى المعادي للقومية العربية، وقادتها، واكثر من ذلك التحري  لاستحضار مناسبتها الخالدة، للظهور في صف الأعداء للأمة...) انتهى الاقتباس.

أوضحت للدكتور في رسالة على الخاص طبيعة المؤسسة التي أعمل فيها ولولا واجب التحفظ المهني لجليت الأمر أكثر. وعلى أية حال فمن باب الإشارة فقط دون التفصيل، هذه المؤسسة تساهم فيها كل الدول العربية وفي مقدمتها الدول العربية التي تولى قيادتها قادة القومية العربية وثاني أكبر دولة عربية مساهمة فيها هي دولة قادها لسنوات طويلة أحد أكبر زعماء القومية العربية المشهورين ..

أما "الظهور في صف أعداء الأمة " فلا أرى ذلك إلا من إصرار الدكتور بارك اللـه على تصنيفي عدوا لدودا ولعله لم يدرك أنه يخوض معركة بلا عدو او لعله أخطأ العنوان..

 

"تلميع النفس"

ورد في مقال الدكتور وفقه اللـه: (اما أن يكون المقال مناسبة لكتابة السيرة الذاتية للكتاب، فهذا أمر يخصه، وأن  يحاول أن يلمع نفسه بمواقع العمل سابقا،  لا حاضرا، بما فيها الانتماء في مرحلة ما من عمره لخلية سياسية للقوميين،  ولم يستدرك،  أن يلمع نفسه بموقعه الحالي، كاطار في المؤسسات المالية، لأن ذلك لا يشفع له في تنظيف سيرته المقدمة للقراء، والا كان فعل)... انتهى الاقتباس.

أما عن "تلميع النفس" حسب وصف الدكتور فلا أزيد على أن أقول (ما خالق يكون الخير)، أما أني لم ألمع نفسي بموقع عملي الحالي فأظن أني أوضحت جانبا من المسألة في الفقرة السابقة وكذلك أوضحته في رسالة على الخاص للدكتور وفقه اللـه. وعلى أية حال ليس في عملي بفضل ما أخجل منه حتى أخفيه..

 

التراث والشعر

 ورد في مقال الدكتور سلمه اللـه: (ومن السيرة الذاتية، إظهار الكاتب اطلاعه على التراث في الشعر، وذلك ليزعم انه يصحح لي، وأن عجز البيت الشعري، كان بقصد أن يخطئني في تقديري، انه من أمثال العرب، وفات  الهادي الشاعر، او الراوية،، أن الشاعر صاحب البيت، او رد المثل العربي المذكور للتضمين،، ومن يرجع إلى الكتب في  أمثال العرب، سيجد أن  التضمين، لا ينفي نسبة عجز البيت المذكون للأمثال ..!) انتهى الاقتباس.

كما أوضحت للدكتور وفقه اللـه فقد ذكرت بقصة المثل ليس لأصحح للدكتور وإنما لأبين أنه أورد المثل في غير سياقه حسب تصوري، وأوضحت له أيضا أنني لست مؤهلا لتصحيح الشعر فلست شاعرا ولست راويا ولا أقول هذا تواضعا وإنما أصف الواقع كما هو.

وليس يحتاج لهضم النفس ** غير الأكابر لأمن اللبس

 

 تصحيح المعلومات

 ورد في مقال الدكتور حفظه اللـه: (وإذا كان  الهادي ليس هو الشخص الذي ذكرت، فلن يكون الا  هو ذاته الهادي الذي قرأت مقالا تهجم فيه على الناصرية، بوثائق لقادة عسكريين صهاينة،  نشروها غسيلهم في الرابط"جوجل"لتشكيل وعي الشبيبة العربية، وكان عنوان مقاله"  هزيمة ٦٧ ام النكبات"، وحصل اني كتبت للرد عليه،  وتصحيح معلوماته  في مقال حينئذ،). انتهى الاقتباس.

ذكر الدكتور هنا أني تهجمت على الناصرية بوثائق لقادة عسكريين صهاينة.

وتعليقي هنا أن ما أسماه هو تهجما على الناصرية إنما كان نقولات لمسؤولين عسكريين وسياسيين مصريين منهم الموالي لعبد الناصر ومنهم من عمل معه ومنهم من عارضه ونقلت كذلك كلاما لصهاينة، ولكن متى كان نقل كلام الأعداء يعد منقصة ، أليس على من يريد أن يدركه صورته أن يستمع إلى أعدائه دون التسليم، طبعا، بكل أقوالهم لكن رأيهم مهم جدا للبناء عليه لاتقاء شرهم. ولكن المهم هنا ليس نقل كلام الأعداء أو الأصدقاء وإنما المهم هو إثبات عدم صحة الكلام الذي نقلت، عندها سأكون على أتم الاستعداد للتراجع عنه والاعتراف بأني أخطأت.

أما قول الدكتور أنه صحح لي المعلومات فاستأذنه في استبدال عبارة "تصحيح معلومات" بعبارة أخرى أكثر موضوعية من قبيل: بينت وجهة نظري ... مثلا. 

 

 عن المصرفية الإسلامية

فتح الدكتور قوسا للتحدث عن الموضوع وأقدر له – راجيا ألا يخرج ذلك التقدير عن سياقه – ما تفضل به من نصائح بشأن التوعية فيما يتعلق بهذا الموضوع، ولولا مخافة أن اتهم ب"تلميع النفس" لتوسعت قليلا وبينت موقفي، وعموما فقد بينت جانبا من وجهة نظري للدكتور على الخاص.. 

 

أشياخ الناتو وشراء المنازل في الغرب: 

ورد في مقال الدكتور :( ثم  إن الهادي  اذا لم يكن على علم سابق، فليعلم مني بخدعة  جواز  الفتيا الصادرة عن اشياخ"الناتو" في شراء المنازل، وبيعها في بريطانيا، ودول الاتحاد الأوروبي،  وتشجيع الاقدام على الحرام لصالح المتربحين ربويا، الأمر الذي لا يدع مجالا لوضع خيط فاصل بين المصارف الاسلامية عن غيرها،  إلا بعناوينها، وهي موحدة، وجمعة على الكسب، التربح "من المال بالمال"...! انتهى الاقتباس

كون المشايخ أو الفقهاء أو العلماء الذين أصدروا هذه الفتوى يوصفون بأشياخ الناتو فذلك حكم انطباعي وهذه العبارة راجت بعد ما عرف عند قوم بالربيع العربي وعرف عند آخرين بتوصيفات أخرى، فالفتوى صدرت سنة 1999.

والفتوى أشارت إلى جواز شراء المنزل بغرض السكن بشروط محددة ولم تتضمن الفتوى الإشارة إلى البيع.

أما وصف الفتوى بالخدعة وبأنها تشجيع على الإقدام على الحرام فكان الأولى عندي أن يناقش الدكتور هذه الفتوى مناقشة علمية ولا يتهم جماعة من علماء المسلمين بالخداع والتشجيع على الحرام.

ولتقريب الصورة فقد أرفقت نص الفتوى مع هذه الفقرات ليطلع عليها من لم يطلع عليها ولعل الدكتور يناقشها مناقشة علمية نستفيد منها. (2)

 

عن القادة التاريخيين

 ورد في مقال الدكتور وفقه اللـه: (فوجدت في أرشيف موقع "اقلام" الافتراضي،أن  الهادي، كتب مقالا ، رد  فيه على مقالي السابق، وكان مقالا رائعا،  لولا انه جمع فيه بين "ابي مسلم الخراساني"، و"الغزالي"،والقائد العظيم "صلاح الدين الايوبي" رحمهم الله تعالى، و أضاف اليهم "مهاتير محمد"، ومساويا بين الجميع في البطولات التاريخية، والنبوغ الفكري...

فنعيت عليه، باعتباره واحدا من أحفاد المرابطين، تجاهله لقادة التاريخيين لمجتمعنا: عبد الله بن ياسين، ويوسف بن تاشفين، وابنه علي رحمهم الله تعالى جميعا..

وأنه - الهادي-  في تقديري الشخصي، كان أولى به أن يذكر البطل المقاوم "ولد امسيكة"، واتخاذه قدوة، بدلا من البحث حاضرا  في "ارخبيل" ما ليزيا، للبحث عن قدوة، لم تقاتل الفرنسيين في بلادنا، ولا في بلادها، ولم تسجن في فصل الخريف، ليهلكها البعوض في مدن النهر، ولم تغدر بها الخونة من أبناء مجتمعنا، على عكس "ولد امسيكة" رحمه الله تعالى الذي سيعرف قدره فيما بعد،  وينصب له تمثالا لتخليده، وذلك يوم تهتم أجيال مجتمعنا بذاكرتها الوطنية، وبابطال الوطن الذين قاموا المحتل الفرنسي...) انتهى الاقتباس.

أقدر للدكتور وفقه اللـه قراءته واستحسانه لبعض ما يكتب هذا العبد الضعيف، أما عن المساواة بين هؤلاء القادة وبين مهاتير محمد، فما هو مفهوم المساواة عند الدكتور؟، فالقادة والعلماء مثل صلاح الدين لأيوبي وأبو مسلم الخرساني والغزالي- ولم أفهم وضع اسمه بين معكوفتين- كل واحد منهم قدم عملا معتبرا في ميدان معين وفي ظرف تاريخي معين وكذلك مهاتير محمد باني نهضة ماليزيا الحديثة.. أما عدم ذكر القادة التاريخيين لأسلافنا المرابطين فاعترف بأنني أخطأت في ذلك ولكن الدكتور سد ذلك النقص بذكره لهم (ال ما اجبرناه يجبروه أخوتنا).

أما عن البحث عن قدوة في أرخبيل ماليزيا، فالقاعدة تقول إن معرفة الأسباب معينة على التأويل.

والحمد للـه أن الدكتور ذكرنا مشكورا بالمقاوم الشجاع ولد امسيكة ولكنني لم أفهم ما قاله بشأن عدم مقاومة الماليزيين للفرنسيين وماليزيا استعمرها الانجليز، ولم يكن السياق متعلقا بمقاومة الفرنسيين..  

وأخيرا أقول إن مقال الدكتور تضمن مواضيع واسعة وذلك ينم عن تعدد معارف الدكتور وسعة اطلاعه، إذ تكلم عن القومية وقادتها والامبريالية ومؤامراتها والتبعية لأموال دول بعينها ولم ينس أن يضرب بسهم للقبيلة والجهوية والنفايات وتجكجة وأعداء القومية العربية، ثم عرج على الشعر والتمويل الإسلامي والتاريخ.. وأخشى، أقول أخشى- أن الدكتور وهو الضليع في علم المنطق قد ترك جانبا أهم ركن في المنطق وهو تحديد القضية أو المحمول، ولكن الدكتور استخدم، حسب تصوري أساليب أخرى تحدث عنها المناطقة تهدف للتغلب على الخصم بحجج قد لا تنهض مثل التركيز على صاحب الفكرة وقراءة أفكاره وترك الفكرة، واللجوء إلى المنحدر الزلق عند حديثه مثلا عن القبلية والجهوية.. فما علاقة القبلية والجهوية بما كنا فيه.. كما استخدم الدكتور الأسلوب المعروف بالتوسل بالجهل الذي يقتضي أنه على "الخصم" أن يثبت براءته – عكس القاعدة المعروفة(الأصل البراءة)- فوفقا لهذا الأسلوب على هذا العبد الضعيف أن يثبت أنه ليس تابعا ولا متعاونا مع الامبريالية ولا تابعا لمال دولة معينة، مع أن الدكتور حسم الأمر ولم ينتظر مني إثبات براءتي وصنفني بالطريقة التي رآها وإن كان تصوره ليس في محله، فالحكم الصحيح لا يكون إلا عن تصور صحيح.

وأقول حقيقة إن الدكتور حيرني وأعياني فهمه، وما أبرئ نفسي من سوء وعسر الفهم، فإن شكرته أول الشكر بالمدح الذي يشبه الذم وإن استخدمت مصطلحا عاديا اقصد منه ظاهر الكلام تجاوز في تأوليه الحقيقة والمجاز ليبحث لذلك المصطلح عن معنى سلبي قدحي... وإن حاولت أن أوضح له أن تصنيفه لي ليس في محله قال إن ذلك من باب "تلميع النفس". ولعل حالتي مع الدكتور وفقه اللـه تشبه حالة الشيخ عبد الرحمن بن بطة الحافظ مع أهل زمانه – آملا أن لا يقول لي إن هذا من باب القياس مع الفارق-  إذ حكي عن نقسه فقال : (( عجبت من حالي في سفري وحضري مع الأقربين مني ، والأبعدين ، والعارفين ، والمنكرين ، فإني وجدت بمكة ، وخرا سـان ، وغيرهما من الأماكن أكثر من لقيت بها موافقاً أو مخالفاً ، دعاني إلى متابعته على ما يقوله ، وتصديق قوله والشهادة له فإن كنت صدقته فيما يقول وأجزت له ذلك - كما يفعل أهل هذا الزمان - سماني موافقاً

وإن وقفت في حرف من قوله أو في شيء من فعله - سماني مخالفاً .

وإن ذكرت في واحد منها أن الكتاب والسنة بخلاف ذلك وارد ، سماني خارجياً .
وإن قرأت عليه حديثاً في التوحيد سماني مشبهاً .
وإن كان في الرؤية سماني سالمياً .
وإن كان في الإيمان سماني مرجئياً .
وإن كان في الأعمال ، سماني قدرياً .
وإن كان في المعرفة سماني كرامياً .
وإن كان في فضائل أبي بكر وعمر ، سماني ناصبياً .
وإن كان في فضائل أهل البيت ، سماني رافضياً .
وإن سكتُ عن تفسير آية أو حديث فلم أجب فيهما إلا بهما ، سماني ظاهرياً .
وإن أجبت بغيرهما ، سماني باطنياً .
وإن أجبت بتأويل ، سماني أ شعرياً .
وإن جحدتهما ، سماني معتزلياً .
وإن كان في السنن مثل القراءة ، سماني شافعياً .
وإن كان في القنوت ، سماني حنفياً .
وإن كان في القرآن ، سماني حنبلياً .
وإن ذكرت رجحان ما ذهب كل واحد إليه من الأخيار -إذ-ليس في الحكم والحديث محاباة-قالوا:طعن في تزكيتهم).

ورد في الأثر: (حبك الشيء يعمي ويصم) وأخشى أنه بتطبيق مفهوم المخالفة فسنجد أيضا : بغضك الشيء يعمي ويصم.

والذي فهمت من منهج الدكتور واسلوبه أنه يريد أن يحدد لي ما أكتب وما أقول وهذا يذكرني بكاركاتير اطلعت عليه في الثمانينات مفاده أن رئيس وزراء لبنان سئل إن كان يريد قهوة أو شايا فقال لهم إنه سيحدد خياره بعد الاتصال بدمشق.

ومع كل هذا فأنا أنصف الدكتور إشيب اباتي فهو أكاديمي وباحث متمكن ومن عادة الأكاديميين استخدام اللغة المباشرة في مناقشاتهم لأن الذي يهمهم إيصال أفكارهم العلمية بغض النظر عن اعتبارات أخرى.

والدكتور حسب تصوري ، مستصحبا قاعدة (الأصل الطاهرة) باحث مثقف ومفكر مقتدر يحرص على مصلحة الأمة العربية ولن أصنفه عدوا بل أخا عزيزا محترما يستحق التقدير والاحترام حتى وإن اختلفت معه في بعض الآراء والأفكار، ويمكن أن نختلف دون أن يفسد ذلك للود قضية. 

أما هذا العبد الضعيف فلا يدعي معرفة ولا علما وسلاحه الأساسي هو استخدام الكلمة الطيبة وحسن الظن ومراعاة خواطر المتلقي في محاولة للتشبه بالصالحين وأهل الفضل وإن كان ليس منهم، مستحضرا العبارة الجميلة للإمام رويم بن احمد البغدادي رحمه الله في بعض وصاياه (يا بنى: اجعل علمك ملحا وأدبك دقيقا).

 

الهادي بن محمد المختار النحوي

 

والصلاة والسلام على الحبيب الشفيع.

 

الهوامش

(1) رواه البخاري.

(2) شراء بيت بقرض ربوي في بلاد الغرب

 أفتى المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث بجواز شراء بيت في الغرب بقرض ربوي إذا لم يكن بوسع المسلم شراءه بمال حلال، أي أن أي شخص لا يمكنه شراء بيت بوسعه أن يستفيد من هذه الفتوى حتى لو كان يمكنه الاستئجار، فالفتوى جاءت لتنقل المسلم من الاستئجار إلى التملك. جاء في فتاوى مجلس الإفتاء الأوربي في بيانه الختامي لدورته العادية الرابعة، المنعقدة في الفترة 18-22رجب 1420هـ الموافق 31أكتوبر1999م 

وهذا نص البيان: نظر المجلس في القضية التي عمت بها البلوى في أوربا وفي بلاد الغرب كلها، وهي قضية المنازل التي تشترى بقرض ربوي بواسطة البنوك التقليدية. وقد قدمت إلى المجلس عدة أوراق في الموضوع ما بين مؤيد ومعارض، قرئت على المجلس، ثم ناقشها جميع الأعضاء مناقشة مستفيضة، انتهى بعدها المجلس بأغلبية أعضائه إلى ما يلي:

 1ـ يؤكد المجلس على ما أجمعت عليه الأمة من حرمة الربا، وأنه من السبع الموبقات، ومن الكبائر التي تؤذن بحرب من الله ورسوله، ويؤكد ما قررته المجامع الفقهية الإسلامية من أن فوائد البنوك هي الربا الحرام. 

2ـ يناشد المجلس أبناء المسلمين في الغرب أن يجتهدوا في إيجاد البدائل الشرعية، التي لا شبهة فيها، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، مثل (بيع المرابحة) الذي تستخدمه البنوك الإسلامية، ومثل تأسيس شركات إسلامية تنشئ مثل هذه البيوت بشروط ميسرة مقدورة لجمهور المسلمين، وغير ذلك.

 3ـ كما يدعو التجمعات الإسلامية في أوربا أن تفاوض البنوك الأوربية التقليدية، لتحويل هذه المعاملة إلى صيغة مقبولة شرعا، مثل (بيع التقسيط) الذي يزاد فيه الثمن مقابل الزيادة في الأجل، فإن هذا سيجلب لهم عددا من المسلمين يتعامل معهم على أساس هذه الطريقة، وهو ما يجري به العمل في بعض الأقطار الأوربية، وقد رأينا عددا من البنوك الغربية الكبرى تفتح فروعا لها في بلادنا العربية تتعامل وفق الشريعة الإسلامية، كما في البحرين وغيرها. ويمكن للمجلس أن يساعد في ذلك بإرسال نداء إلى هذه البنوك، لتعديل سلوكها مع المسلمين.

 4ـ وإذا لم يكن هذا ولا ذاك ميسرا في الوقت الحاضر، فإن المجلس في ضوء الأدلة والقواعد والاعتبارت الشرعية، لا يرى بأسا من اللجوء إلى هذه الوسيلة، وهي القرض الربوي لشراء بيت يحتاج إليه المسلم لسكناه هو وأسرته، بشرط ألا يكون لديه بيت آخر يغنيه، وأن يكون هو مسكنه الأساسي، وألا يكون عنده من فائض المال ما يمكنه من شرائه بغير هذه الوسيلة، وقد اعتمد المجلس في فتواه على مرتكزين أساسيين: المرتكز الأول: قاعدة “الضرورات تبيح المحظورات” وهي قاعدة متفق عليها، مأخوذة من نصوص القرآن في خمسة مواضع، منها قوله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه) الآية:119 سورة الأنعام، ومنها قوله تعالى في نفس السورة بعد ذكر محرمات الأطعمة: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم) الآية:145، ومما قرره الفقهاء هنا أن الحاجة قد تنزل منزلة الضرورة، خاصة كانت أو عامة. والحاجة هي التي إذا لم تتحقق يكون المسلم في حرج وإن كان يستطيع أن يعيش، بخلاف الضرورة التي لا يستطيع أن يعيش بدونها، والله تعالى رفع الحرج عن هذه الأمة بنصوص القرآن كما في قوله تعالى في سورة الحج: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) الآية:78، وفي سورة المائدة: (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج) الآية:6. 

والمسكن هو الذي يدفع عن المسلم الحرج هو المسكن المناسب له في موقعه وفي مرافقه، بحيث يكون سكنا حقا. وإذا كان المجلس قد اعتمد على قاعدة الضرورة أو الحاجة التي تنزل منزلة الضرورة، فإنه لم ينس القاعدة الأخرى الضابطة والمكملة لها، وهي أن “ما يباح للضرورة يُقَدَّر بَقَدْرِها”، فلم يجز تملك البيوت للتجارة ونحوها. والمسكن ولا شك ضرورة للفرد المسلم وللأسرة المسلمة، وقد امتن الله بذلك على عباده حين قال: (والله جعل لكم من بيوتكم سكنا) النحل:80، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم السكن الواسع عنصرا من عناصر السعادة الأربعة أو الثلاثة، والمسكن المستأجر لا يلبي كل حاجة المسلم، ولا يشعره بالأمان، وإن كان يكلف المسلم كثيرا بما يدفعه لغير المسلم، ويظل سنوات وسنوات يدفع أجرته ولا يملك منه حجرا واحدا، ومع هذا يظل المسلم عرضة للطرد من هذا المسكن إذا كثر عياله أو كثر ضيوفه، كما أنه إذا كبرت سنه أو قل دخله أو انقطع يصبح عرضة لأن يرمى به في الطريق.

 وتملك المسكن يكفي المسلم هذا الهم، كما أنه يمكنه أن يختار المسكن قريبا من المسجد والمركز الإسلامي، والمدرسة الإسلامية، ويهيئ فرصة للمجموعة المسلمة أن تتقارب في مساكنها عسى أن تنشئ لها مجتمعا إسلاميا صغيرا داخل المجتمع الكبير، فيتعارف فيه أبناؤهم، وتقوى روابطهم، ويتعاونون على العيش في ظل مفاهيم الإسلام وقيمه العليا. كما أن هذا يمكن المسلم من إعداد بيته وترتيبه بما يلبي حاجته الدينية والاجتماعية، ما دام مملوكا له. 

وهناك إلى جانب هذه الحاجة الفردية لكل مسلم، الحاجة العامة لجماعة المسلمين الذين يعيشون أقلية خارج دار الإسلام، وهي تتمثل في تحسين أحوالهم المعيشية، حتى يرتفع مستواهم، ويكونوا أهلا للانتماء إلى خير أمة أخرجت للناس، ويغدوا صورة مشرقة للإسلام أمام غير المسلمين، كما تتمثل في أن يتحرروا من الضغوط الاقتصادية عليهم، ليقوموا بواجب الدعوة ويساهموا في بناء المجتمع العام، وهذا يقتضي ألا يظل المسلم يكد طول عمره من أجل دفع قيمة إيجار بيته ونفقات عيشه، ولا يجد فرصة لخدمة مجتمعه، أو نشر دعوته.

 المرتكز الثاني: (وهو مكمل للمرتكز الأول الأساسي) هو ما ذهب إليه أبو حنيفة وصاحبه محمد بن الحسن الشيباني ـ وهو المفتى به في المذهب الحنفي ـ وكذلك سفيان الثوري وإبراهيم النخعي، وهو رواية عن أحمد بن حنبل، ورجحها ابن تيمية ـ فيما ذكره بعض الحنابلة ـ من جواز التعامل بالربا ـ وغيره من العقود الفاسدة ـ بين المسلمين وغيرهم في غير دار الإسلام. ويرجح الأخذ بهذا المذهب هنا عدة اعتبارات، منها:

 1ـ أن المسلم غير مكلف شرعا أن يقيم أحكام الشرع المدنية والمالية والسياسية ونحوها مما يتعلق بالنظام العام في مجتمع لا يؤمن بالإسلام، لأن هذا ليس في وسعه، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وتحريم الربا هو من هذه الأحكام التي تتعلق بهوية المجتمع، وفلسفة الدولة، واتجاهها الاجتماعي والاقتصادي. وإنما يطالب المسلم بإقامة الأحكام التي تخصه فردا، مثل أحكام العبادات، وأحكام المطعومات والمشروبات والملبوسات وما يتعلق بالزواج والطلاق والرجعة والعدة والميراث وغيرها من الأحوال الشخصية، بحيث لو ضيق عليه في هذه الأمور، ولم يستطع بحال إقامة دينه فيها لوجب عليه أن يهاجر إلى أرض الله الواسعة ما وجد إلى ذلك سبيلا.

 2ـ أن المسلم إذا لم يتعامل بهذه العقود الفاسدة ـ ومنها عقد الربا ـ في دار القوم، سيؤدي ذلك بالمسلم إلى أن يكون التزامه بالإسلام سببا لضعفه اقتصاديا، وخسارته ماليا، والمفروض أن الإسلام يقوي المسلم ولا يضعفه، ويزيده ولا ينقصه، وينفعه ولا يضره، وقد احتج بعض علماء السلف على جواز توريث المسلم من غير المسلم بحديث: ” الإسلام يزيد ولا ينقص ” أي يزيد المسلم ولا ينقصه، ومثله ” حديث ” الإسلام يعلو ولا يعلى “، وهو إذا لم يتعامل بهذه العقود التي يتراضونها بينهم، سيضطر إلى أن يعطي ما يطلب منه، ولا يأخذ مقابله، فهو ينفذ هذه القوانين والعقود فيما يكون عليه من مغارم، ولا ينفذها فيما يكون له من مغانم، فعليه الغرم دائما وليس له الغنم، وبهذا يظل المسلم أبدا مظلوما ماليا، بسبب التزامه بالإسلام، والإسلام لا يقصد أبدا إلى أن يظلم المسلم بالتزامه به، وأن يتركه ـ في غير دار الإسلام ـ لغير المسلم، يمتصه ويستفيد منه، في حين يحرم على المسلم أن ينتفع من معاملة غير المسلم في المقابل في ضوء العقود السائدة، والمعترف بها عندهم.

 وما يقال من أن مذهب الحنفية إنما يجيز التعامل بالربا في حالة الأخذ لا الإعطاء، لأنه لا فائدة للمسلم في الإعطاء، وهم لا يجيزون التعامل بالعقود الفاسدة إلا بشرطين: الأول: أن يكون فيها منفعة للمسلم، والثاني: ألا يكون فيها غدر ولا خيانة لغير المسلم، وهنا لم تتحقق المنفعة للمسلم. فالجواب: أن هذا غير مسلَّم، كما يدل عليه قول محمد بن الحسن الشيباني في السير الكبير، وإطلاق المتقدمين من علماء المذهب، كما أن المسلم وإن كان يعطي الفائدة هنا فهو المستفيد، إذ به يتملك المنزل في النهاية.

 وقد أكد المسلمون الذين يعيشون في هذه الديار بالسماع المباشر منهم وبالمراسلة: أن الأقساط التي يدفعونها للبنك بقدر الأجرة التي يدفعونها للمالك، بل أحيانا تكون أقل، ومعنى هذا أننا إذا حرمنا التعامل هنا بالفائدة مع البنك حرمنا المسلم من امتلاك مسكن له ولأسرته، وهو من الحاجات الأصلية للإنسان كما يعبر الفقهاء، وربما يظل عشرين أو ثلاثين سنة أو أكثر، يدفع إيجارا شهريا أو سنويا، ولا يملك شيئا، علـى حين كان يمكنه في خلال عشـرين سـنة ـ وربما أقل ـ أن يملك البيت.

 فلو لم يكن هذا التعامل جائزا على مذهب أبي حنيفة ومن وافقه، لكان جائزا عند الجميع للحاجة التي تنزل أحيانا منزلة الضرورة، في إباحة المحظور بها. 

ولا سيما أن المسلم هنا، إنما يؤكل الربا ولا يأكله، أي هو يعطي الفائدة ولا يأخذها، والأصل في التحريم منصب على (أكل الربا) كما نطقت به آيات القرآن. وإنما حرم الإيكال سدا للذريعة، كما حرمت الكتابة له والشهادة عليه، فهو من باب تحريم الوسائل لا تحريم المقاصد. 

ومن المعلوم أن أكل الربا المحرم لا يجوز بحال، أما إيكاله ـ بمعنى إعطاء الفائدة ـ فيجوز للحاجة، وقد نص على ذلك الفقهاء، وأجازوا الاستقراض بالربا للحاجة إذا سدت في وجهه أبواب الحلال.

 ومن القواعد الشهيرة هنا: أن ما حرم لذاته لا يباح إلا للضرورة، وما حرم لسد الذريعة يباح للحاجة

أربعاء, 31/08/2022 - 23:18