لَبرَلةُ السوق.. وحق الحياة

"لكلِّ فرد الحقُّ في الحياة والحرِّية وفي الأمان على شخصه." 
(الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، المادة ٣)

إن الحق في الحياة من أبرز حقوق الإنسان التي تضافرت النصوص السماوية على مكانتها وحمايتها، وراعت شريعتنا السمحاء قدسيته، ووصلت البشرية حديثا بعد طول عناء وويلات اقتتال إلى تلك المسلمة المطلقة. وبيد أن ذاك الحق يحرُم انتزاعه دون ممكّن شرعي، ومكانتُه تؤصل لما ينجر عنه من حقوق؛ كان لزاما أن تفكر الأمم والشعوب في حمايته من خلال وضع الاستراتيجيات التنموية، وتبنّي الخطط الريادية المذللة لصعوبات الحياة المعيشية، والحادّة من مخاطر الطبيعة والأوبئة. 

تلك الاستيراتيجيات والخطط في حيز تأثيرها؛ تنطلق مراعِية  لواقع معين، وتستهدف بنية محددة، سعيا لتحسين ظرف أو تفاديه أو علاج تبعاته، وكنا وطنيا وما زلنا نشهد أداءً في المجال يسعى للتغيير للأفضل وتمكين الإنسان المواطن والمقيم من حقه في الحياة الكريمة، رغم العقبات والتحديات الجمة، تلك التحديات التي لا شك أن أزمة فوضى المواصلات في البلاد تشكل حجر الزاوية فيها، وحاجزا حقيقيا أمام تمتع  الإنسان الموريتاني بحقه في الحياة، ممثلةً بذلك تحديا للجهات الوصية طال أمد انتظار وضع حد لتبعات  علاجه بالمسكنات اللحظية.
فعاما بعد عام تتعزز المشكلة، وتتعاظم نتائج الفوضى المتلفة  لأرواح الموطنين، وتُبين ذلك آخر إحصائية لعدد ضحايا حوادث السير في البلاد، والتي تعد هي الأحسن منذ عدة سنوات، حيث  أعلنت وزارة الداخلية واللامركزية  عن تسجيل 123 حالة وفاة جراء حوادث السير في العام 2020 الماضي، ينضاف لها ما لم ترصده الوزارة من حالات الوفاة التبعية الناتجة عن حوادث  السير. 

ويزداد الأمر سوءا بالعودة لما قبل ٢٠٢٠ وما بعدها،  حيث  يظهر بجلاء مستوى الخطر وحجم النتائج الكارثية، ولنطالع  معا  كمثال ما ورد في بيان صادر عن "مبادرة معا للحدّ من حوادث السير" عام ٢٠١٧  حيث نقلت   عن إحصائيات رسمية أن "22 حادث سير يقع يوميا، أي بمعدل حادث سير كل ساعة وست دقائق. ويصاب 8 أشخاص بجروح كل يوم، أي بمعدل جريح كل ثلاث ساعات. ويموت شخص كل 42 ساعة، وهو المعدل اليومي للخسائر التي تسببها حوادث السير أو ما يمكن أن يطلق عليه "حرب الشوارع".

وعند إمعان النظر  في أسباب هذه الآفة قوية التأثير ودائمة  الحصد لأرواح المواطنين؛ نجد عديد العوامل المسهمة في النشأة والاستمرار، لكنها  متمحورة   بالأساس حول  معضلة حرية السوق الوطني الفجة، وانعدام القدرة على ضبطه بشكل تام وحازم. والسوق المعنى هنا؛ سوق وسائل النقل، العامل في نطاقه: مقدم خدمة النقل/مالك الشركة أو السيارة،  والموظف السائق، والميكانيكي المسؤول عن الصيانة.. فحالة انفلات هذا السوق من قبضة الجهات الوصية؛ تسهم في اختلال كثير من القواعد وضياع عديد فرص رصد الأخطاء قبل وقوع الكوارث المنهية لحياة إنسان بريء، ائتمن وطنه على روحه.. فضاعت بين إهمال الباحثين عن الربح المادي،  وتفريط الجهاز الرقابي  أو عجزه عن أداء وظائفه. 

بمعنى أنه وإن نصت المادة ٢٣ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على  أن "لكلِّ شخص حقُّ العمل، وفي حرِّية اختيار عمله، وفي شروط عمل عادلة ومُرضية، وفي الحماية من البطالة."؛ فإن الحرية في ممارسة  ذاك الحق؛ لا معنى لبسطها  حد سلب الآخرين حقهم في الحياة، إذْ هو  الحق المقدس والأسمى والأهم. قال الشيخ سيدي عبد الله بن الحاج ابراهيم رحمه الله في المراقي:

دينٌ فنفسٌ ثم عقلٌ نسبُ * مالٌ؛ إلى ضرورةٍ تنتسبُ

ورتِّبنْ، ولتعطفنْ مُساويا * عِرْضا على المال، تكُنْ مُوافيا

فحفظها حَتْمٌ على الإنسان * في كل شِرْعَةٍ من الأديانِ

خميس, 09/12/2021 - 11:25