بيان حول الأحزاب السياسية المؤسسة بصفة شرعية وفقا لنظام التصريح

كانت وزارة الداخلية واللامركزية قد أعلنت، قبل الانتخابات المحلية الأخيرة، عن نيتها تنظيم ورشات للتشاور حول الأحزاب السياسية التي تنتظر الاعتراف، غير أن هذه الورشات لم تُعقد إلا أيام 9، 10 و 11 مارس دون الإقرار بأنها هي الورشات التي كانت منتظرة سابقا. وقد نُظمت هذه الجلسات في سياق استعجالي وعلى إثر محاولات لتوقيع ميثاق سياسي غير واضح المضمون والمعالم بين الحكومة وحزبين سياسيين من المعارضة التاريخية بينت النتائج التي حصلا عليها في الانتخابات المحلية الأخيرة عجزهما عن حمل اهتمامات وتطلعات جيل جديد من الناخبين. وقد أظهر الخلاف المفتوح الذي وقع بين قائدين سياسيين خلال اجتماع في مباني البنك المركزي بحضور وفد من صندوق النقد الدولي درجة الاستياء والعبثية داخل المشهد السياسي.
وأكثر من ذلك، فقد بررت السلطات التوقيت الذي تم اختياره بإكراهات الجدول الانتخابي، وبشيء من الغموض بالانتخابات الرئاسية على الرغم من ضعف صلتها بالأحزاب السياسية، حيث أن الانتخابات الرئاسية تتعلق بشكل أساسي ب "لقاء بين رجل وشعب".
لقد لاحظنا من دون صعوبة، نحن الأحزاب السياسية المؤسسة بصفة شرعية لكن غير المعترف بها من طرف وزارة الداخلية واللامركزية، مدى تلهف الوزارة لتطبيق القانون بشكل غير دستوري عندما يتعلق الأمر بانتقاء بعض الاحزاب السياسية والاعتراف بها أو بحل بعضها الآخر، وتلكؤها ولجوئها للممارسة المتعجرفة لسلطة تقديرية مزعومة، حتى لا تسلم أغلب أوصال الاعتراف كما ينص على ذلك القانون الذي يعتمد نظام التصريح.
عندما يتعلق الأمر بتطبيق نفس القانون، يجب ألا يكون هناك اختلاف في التطبيق، لكن واقع الممارسة يكشف عن انتقائية تعتمد معايير غير معلنة في التعامل مع ملفات مكتملة ومتشابهة لتأسيس الأحزاب.
تعتبر الوزارة، أن عدد مشاريع الأحزاب المقدمة لنيل الاعتراف، تجاوز الحد، وذلك ما قد يجد تفسيره في حصول عملية انتقال بين الأجيال، أفرزت جيلا لم يعد يرضى بالانخراط في الأحزاب القائمة، وأيضا في مراكمة ملفات طلبات الأحزاب منذ 2014، وعدم السماح بالترشح المستقل في الانتخابات النيابية والمحلية رغم كون مستواها أقل من الانتخابات الرئاسية. هذا إضافة إلى كون عدد الأحزاب المعترف بها في بعض البلدان التي لديها مستوى ممارسة ديمقراطية أرفع بالمقارنة معنا، أكثر من عدد الأحزاب المعترف بها لدينا.
فإذا كان من المهم فعلا التمسك بالطابع التقني الصارم للعمليات الانتخابية بغية ضمان نزاهة الاقتراع، وتطوير آليات تمويل شفاف وعادل للأحزاب السياسية، فإنه من المهم أيضا توضيح ما إذا كانت السياسة في بلادنا ما تزال شأنا سلطويا محضا، أم أنها بدأت أخيرا تسلك الطريق الطويل لتصبح وسيلة لنقاش أنشطة تخدم العيش المشترك المستقر، على أن يتم تحسين ظروف حياتنا وفقا لقوانين تتلاءم مع واقعنا وتأخذ شرعيتها من الشعب عبر ممثليه بدء بالبلدية وغيرها من مستويات التجمعات الجهوية لغاية المستوى الوطني الذي هو البرلمان. لقد تشكل عدد معتبر من الأحزاب غير المعترف بها، من جيل من المواطنين يمتلك بشكل أو بآخر مؤهلات عالية، من ذوي التعليم العالي، من أطر مستقيمين وشخصيات عمومية رفيعة المستوى، لم يكونوا في الأصل مرشحين لممارسة السياسة. وبإمكانكم الاطمئنان إلى أن الكثيرين من بيننا ليسوا بحاجة إلى اتخاذ السياسة مهنة، فيما سبق لبعضنا أن تحمل مسؤولياته التاريخية في عملية البناء الوطني، خلال فترة الانتقال الديمقراطي من 2005 إلى 2007، وفيما بعد من أجل مواجهة الانقلاب العسكري لسنة 2008 والعودة إلى النظام الدستوري التي أصبحت ممكنة من خلال اتفاق دكار. لسنا بالضرورة مصطفين أو غير مصطفين خلف الارادات السياسية المعبر أو المسكوت عنها للدولة العميقة، غير أنه من المهم أن يكون الرأي العام مطلعا على أننا تعرضنا للظلم، ليس بسبب عدم تطبيق القانون المنظم للأحزاب السياسية، فحسب، وإنما أيضا نتيجة تأويل موجه عن سبق إصرار من طرف من يسعون إلى نقص عدد الأحزاب ويصرون على فرض مبتغاهم. وهكذا فإن القانون لم يطبق فقط بأثر رجعي عبر المادة 20 من القانون المراجع بتاريخ 18 يوليو 2018 المعدل للقانون المنظم للأحزاب السياسية لسنة 2012، بل إن الطموح الظرفي قضى بإقصاء عدد من الأحزاب من المشهد السياسي من خلال حل إطارهم المؤسسي الذي هو الحزب السياسي المرخص، وذلك تحت ذريعة زائفة تتمثل في زعم مشاركتهم في انتخابين متتاليين من دون الحصول على أكثر من 1٪ من الأصوات في البلديات، وهو ما لم يكن صحيحا بالنسبة للجميع، حيث أن بعضهم لم يشارك سوى في استحقاق انتخابي واحد، هو استحقاق 2018، وقاطع الانتخابات السابقة لذلك.
والواقع أن قضية محاكمة العشرية قد أعطتهم بطريقة ما الحق، وأن المحكمة العليا حكمت لصالحهم، غير ان وزارتي الداخلية والعدل، تمكنتا في نهاية المطاف من فرض رأيهما الضيق.
ولأننا اليوم أمام مشاورات سياسية، فإننا نطالب بإعادة دمج الأحزاب السياسية الموجودة في هذه الوضعية ضمن لائحة الأحزاب المعترف بها بنفس الطريقة التي تمت بها العودة للنظام الدستوري بعد الانقلاب العسكري الأخير في بلادنا بعد اتفاق دكار الذي سمح لانقلابي بالترشح للرئاسة.
وهكذا وعلى نفس المنوال أيضا، يمكن لوزارة الداخلية عبر اتفاق سياسي منبثق عن الأيام الوطنية للتشاور، أن تتحرر من عدم تطبيقها لمبدأ عدم الاعتراف ب 98 حزبا سياسيا على الأقل بحسب نظام التصريح. وذلك بالرغم من أن 12 من بينهم شاركوا، عبر تحالفات مع أحزاب مرخصة، في الانتخابات المحلية الأخيرة، وأن أكثر من نصفهم حصلوا على منتخبين أكثر مما حصلت عليه أحزاب تاريخية. لذلك فإن الأمانة تقتضي عدم تطبيق نتائج هذه المشاورات المتعلقة بتعديل محتمل للقانون المنظم للأحزاب السياسية، إلا بعد الاعتراف بمن يحوزون أوصال تقديم ملفات مكتملة وبالأحزاب التي تم حلها بطريقة مخالفة للدستور.
إننا نحن الأحزاب السياسية المؤسسة قانونا وغير المعترف بها من طرف وزارة الداخلية واللامركزية، نمثل جيلا سياسيا انتقاليا ونتحمل ما يترتب على ذلك من مسؤوليات، وهو جيل تعتبر بلادنا في أمس الحاجة إليه وخصوصا في الأوقات الراهنة التي تتسم بالغموض.
 
عبد الرحمن حمودي

من أجل موريتانيا موحدة وقوية  

   ​أتوما سوماري    
    ​​ طلائع قوي التغيير الديموقراطي

جمعة, 15/03/2024 - 23:32