نصيب التعليم العالي من تعهدات وثيقة " السياسة العامة للحكومة " 

لقد أشار معالي الوزير الأول أثناء استعراضه لمضامين وثيقة الإعلان عن السياسة العامة للحكومة ( يوليو 2023م )  إلى مجموعة من التعهدات التي تتطلع الحكومة إلى انجازها خلال الفترة المتبقية من مأمورية " الرئيس ، ويقع على رأس هذه التعهدات مواصلة الجهود الرامية إلى إصلاح التعليم العالي عموما وقطاع البحث العلمي على وجه الخصوص . ويبدو أن الإشارة الواضحة إلى ضرورة إصلاح هذا القطاع لا تعكس إدراك السلطات العليا لأهمية قطاع البحث العلمي ودوره  في الدفع بعجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية بقدر ما تعكس هذه الإشارة اعترافا ضمنيا بالتحديات الفعلية التي تواجه هذا القطاع الحيوي من نظام  التعليم العالي في بلادنا  . فمما لا شك فيه أن البحث العلمي يٌعَدٌ محركًا أساسيا للنمو الاقتصادي والاجتماعي ، ومقياسا لمستوى التنمية والقدرة التنافسية الاقتصادية للمجتمع، هذا فضلا عن كونه  ، بجميع أشكاله ، مصدرًا للابتكار والاكتشاف ، وعنصرا أساسيا للتنمية والقدرة التنافسية.غير أن الوضع الحالي للبحث العلمي في بلادنا يتسم  بضبابية الرؤية وتشتت جهود المؤسسات البحثية سواء تلك التابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي أو تلك التابعة للوزارات الأخرى. هذا التجزؤ يَحٌدٌ من وضوح وتنسيق الأنشطة البحثية ، وبالتالي يعيق التطور العلمي والابتكار. ولمعالجة هذا الوضع ، لا بد من إقامة تنسيق فعال بين مؤسسات البحث القطاعية وتأهيل الباحثين ، وتعزيز البنى التحتية للبحث العلمي وتجميع الموارد البشرية والمادية والمالية الضرورية لتعزيز الأنشطة المعرفة والعلمية للمؤسسات البحثية المختلفة. كما أنه من الضروري إقامة تنسيق فعال من أجل تعزيز تبادل الخبرات وضمان الاستخدام الأمثل للموارد البشرية والمادية والمالية المتاحة.وعلى الرغم من أن الإستراتيجيةالقطاعية للتعليم العالي بحلول عام 2030 لم تؤتي أكلها بعد ، فإن إلقاء نظرة خاطفة على استراتيجيات إدارة البحث وسياسات حوكمة البحث العلمي في مؤسساتنا التعليمية تكشف بوضوح عن عوائق جدية أمام ترقية البحث العلمي ، عوائق ذات صلة  بتنظيم البحث (Son Organisation ) وتوجيهه المٌؤَسَسِي( Son Pilotage institutionnel ) وإدارته ( La Gestion de La Recherche ) . نذكر من بين هذه العوائق على سبيل المثال لا الحصر :

- عدم وجود سياسة علمية واضحة على المستوى الوطني تحدد أولويات البحث والإستراتيجيات المتبعة ووسائل تنفيذها ، إلخ.

- ضعف التخصيصات المالية العامة المخصصة للبحث وعدم ملائمة و كفاءة الآليات الحالية لتمويل البحث العلمي . 

- لا توجد هياكل أو آليات لتعزيز البحث ، مع غياب ثقافة التقييم وهشاشة آلياته خاصة فيما يتعلق بالوحدات البحثية

- التفاعلات غير الكافية بين الوحدات البحثية وغياب التنسيق الهادف والفعال بين الباحثين ووحدات البحث والمبادرات البحثية

ونظرا لكون عوائق البحث العلمي كثيرة ومتنوعة على مستوى التنظيم والتوجيه والإدارة فإن إرساء أسس حَكَامَة رشيدة  تفتح المجال أمام الوفاء بتعهدات السياسة الحكومية في مجال  البحث العلمي تتطلب اتخاذ تدابير عديدة لعل من أهمها :

أولا : تحسين الإطار المؤسسي بحيث تكون هناك سياسة بحث علمي ذات مهام واضحة ، مع إدارة إستراتيجية للبحوث واعتماد استراتيجيات متطورة وتنسيق يخلق التآزر الضروري بين مختلف مؤسسات البحث العلمي .

ثانيا : وضع خطة بحث إستراتيجية ، وتحديد مجالات البحث ذات الأولوية ، والأهداف الإستراتيجية المطلوب تحقيقها ، وأدوار ومسؤوليات مختلف الجهات البحثية على المستوى الوطني ، والأنشطة ذات الأولوية التي يتعين تنفيذها ، واستراتيجيات التدخل ، ومؤشرات قياس تحقيق النتائج ، والشركاء والموارد المراد حشدها ، ودَوْرِيَّةٌ ( périodicité ) تنفيذ الإجراءات المحتفظ بهافي الخطة ، وما إلى ذلك.

ثالثا : خلق إستراتيجية للاتصال مع صانعي القرار والفاعلين الاقتصاديين وأعضاء منظمات المجتمع المدني للتعريف بنتائج البحوث العلمية بشكل أفضل ولتوعية صناع القرار والمٌشَغِلين وتحفيزهم على بذل مساهمات مالية أكبر لتعزيز البحث العلمي ، هذا فضلا عن تحسين ظروف عمل الباحثين من خلال تزويد المدرسين والباحثين ووحدات البحث بالأدوات التربوية  وأجهزة الكمبيوتر وتسهيل اتصالهم بالإنترنت . 

إن حصاد البحث العلمي ليس مثل حصاد العمل السياسي الذي قد يٌثْمِرٌ بين عَشِيَةٍ وضٌحَاهَا ولذلك فإن تضافر جهود الباحثين في مجال التأليف والنشر وأنشطة الوحدات البحثية مع جهود المؤسسات الوطنية الراعية للبحث العلمي ( إدارة البحث العلمي ، سلطة الجودة ، الوكالة الوطنية للبحث العلمي والابتكار ، الجامعات ، المعاهد والمدارس العليا ..إلخ ) سيكون من أهم عوامل تجاوز العوائق وتنفيذ حكامة رشيدة تَكْفٌل التقدم شيئا فشيئا في مختلف مجالات وأبعاد  البحث العلمي .  

الدكتور سيدي محمد ولد يب أحمد معلوم 

خبير في إدارة عمليات الاكتتاب والمسابقات

اثنين, 31/07/2023 - 21:18