رفع الحصانة البرلمانية: ضرها أكثر من نفعها

في ظل الأحداث الأخيرة، تعود إلى الواجهة مرة أخرى قضية رفع الحصانة. لقد أثارت مداخلة النائب محمد بويه ضجة كبيرة وتسببت في رفع الحصانة عنه لمواجهة المسائلة القضائية.
يجب أن لا ننسى أن حرية التعبير ليست تذكرة للقذف أو الإساءة أو التشهير أو الإخلال بالكرامة الشخصية، خصوصاً عندما يكون الأمر يتعلق برئيس الجمهورية. يتعين علينا الاعتراف بأن الاحترام المطلق للرئاسة يجب أن يكون في قلب كل ديمقراطية متينة. تمثل الرئاسة الدولة والشعب، وكل اعتداء عليها يعتبر اعتداءً على الدولة بأكملها. من هذا المنطلق، يجب أن نتفق على أن حماية كرامة الرئيس في رأس الأولويات، فهو رمز للوطن ويمثل سيادة الدولة ووحدتها.

من هذا المنطق، فإن معارضة مداخلة النائب هي دفاع عن كرامة البلد ككل. 

ولكن هذا لا يعني أن الرئيس فوق النقد. إذا كانت الانتقادات موجهة بطريقة مهذبة ومحترمة وتتعلق بأداء الرئيس، فهذا يجب أن يكون جزءًا من النقاش 
العام.
لذا، في حالة الانتهاكات الحقيقية للقانون وفي حالة المساس البيّن بالكرامة، قد يكون من الضروري رفع الحصانة. ولكن، يجب أن يتم ذلك بعد التأكد من أن الاتهامات مُبررة وأن الإجراءات قد تمت بناءً على الدستور وليست استخدامًا للدوافع السياسية كأداة للتلاعب بالقانون وتصفية الحسابات.

إن التصريحات التي أدلى بها النائب، والتي بدا على السطح أنها تستهدف الرئيس الحالي، بدت وكأنها زلة لسان وتقصير كبير في التعبير. رغم أن النائب أكد مراراً وتكراراً أنه لم يقصد الرئيس الحالي.

. فالنائب قد يستخدم مثالاً تعبيرياً للتوضيح أو لتقديم وجهة نظر، ولا يشير بالضرورة إلى الحالة الراهنة. فالمثال الذي استخدمه النائب كان حسب قوله يتعلق برئيسٍ ما، وليس بالرئيس الحالي 
بالذات.
علينا أن نتصرف بحذر، وندرك أن هناك قوة هائلة في الكلمات، ولكن هناك أيضا قوة أكبر في فهمها بشكل صحيح.
بالإضافة إلى أن هناك أولئك الذين سيستغلون هذا الأمر للإضرار بالنائب المذكور، والتقرب من الرئيس من أجل تحقيق مصالحهم الشخصية، دون أن يهتموا بالعواقب السلبية التي قد تحدث على البلاد ككل نتيجة ذلك.  
.
في الحقية كان على النائب المذكور، بعد توضيحه بأنه لم يقصد الرئيس الحالي،  أن يعتذر لسيادته عن أي فهم خاطئ لتصريحه. وبذلك قد ينتهي الجدل تماما حول هذا الموضوع ولن يبقى هناك أي سبب لملاحقته.

السياسة بطبيعتها قد تكون معقدة وشائكة، وأحياناً ما تكون مشحونة بالتوتر والاختلاف. وعلى هذا الأساس فإنه وإن لم  يقدم اعتذارا عن إساءة الفهم فإنه يتوجب علينا تقدير الضرر الذي قد يسببه رفع الحصانة عنه خاصة وأن الإساءة المذكورة لم تكن صريحة.

إن الحرص على رفع الحصانة عن هذا النائب ومعاقبته قد يعتبر تجاوزاً في رأي الكثيرين و له عواقب خطيرة. المعارضة في بلادنا اعتادت على الابتزاز والمعاملة السيئة سواء كانوا نواباً أو رجال أعمال أو مواطنين، ولم يكن هناك هامش حرية لهم. وقد يعتبر البعض أن معاقبة هذا النائب ليست سوى تأكيداً لهذه العادة، في الوقت الذي كان الجميع يتوقع فيه أن تخطو بلادنا نحو الأفضل في عهد الرئيس الحالي وأن تكون شاهدة على تعزيزه لممارسة الديمقراطية.

إن الظروف الصعبة التي نعيشها في بلادنا والاضطرابات المحيطة بنا، تتطلب منا جهدًا متواصلًا وتضحيات جسيمة لتعزيز استقرارنا السياسي، الذي بالطبع، لن يستفيد من تصعيد المشكلات التي يمكن تجاوزها بسهولة دون أي محاسبة، خصوصًا وأن الرئيس الذي يشهد له الجميع بالأخلاق الحميدة، لن يضره ذلك.
الأمر قد يكون أكثر إلحاحاً بما أننا على أعتاب انتخابات رئاسية والخوف من التداعيات السلبية على شعبية الرئيس. لذا، يجب الإحترافية والحذر في اتخاذ أي قرار قد يعتبر مجازفة.

توفير بيئة سياسية حيث يتم الترحيب بالنقاش البناء وحيث يتم حماية حرية التعبير للجميع، سواء كانوا في المعارضة أو في السلطة، هو السبيل الوحيد لضمان الديمقراطية الصحيحة والشاملة واستقرار البلد.

 المهندس الحاج سيدي ابراهيم سيدي يحي
انواكشوط 30/7/2023

أحد, 30/07/2023 - 16:21