النيجر.. انقلابنا لم يبلغ سن اليأس

نحن أصحاب وصفة شرعنة الانقلابات، لنا بكل انقلاب في إفريقيا إثم لا ينقص ذلك من آثام منفذيه شيئا.

• إن الانقلاب هو الفساد الكلي الذي يستهدف الدماغ ليجد عبر أعصاب الإدارة منفذاإلى كامل جسم الدولة.

• نحن ضحية للسرقة والجريمة والفساد الإداري والانقلابات لأننا فشلنا في البناءالأخلاقي الذي يفرق بين الحق والمستطاع.

• كان قائد انقلاب النيجر كقائد انقلابنا يحمي الرئاسة، يحميها فريسته.

 

في الفترة الأخيرة فرضت الانقلابات نفسها ظاهرة للتحليل، لتلاحقها في منطقتنا ولأننا للأسف الشديد أصحاب وصفة شرعنة الانقلابات -شرعنة حكومة الأمر الواقع- بشقيها التعامل مع المعارضة الداخلية والعزلة الخارجية وصولا إلى اكتمال “المِي” انسلاخ قائد الانقلاب من بدلته العسكرية إلى ثوبه المدني. فبنجاحنا في شرعنة انقلاب على رئيس مدني منتخب في بداية عهدته الأولى، كرسنا القناعة بين ضباط إفريقيا والعالم أن الحائل الوحيد بينهم والسلطة هو قدرتهم على اغتصابها، كل ما سيأتي بعد ذلك لا يبعث على القلق، فقد فصلت الوصفة الموريتانية آلية التعامل معه بنجاح.

إن الانقلابات قبل كل شيء ظاهرة تشوه أخلاقي، فهي تعكس حجم مسامية العازل القيمي الذي ينسجه مجتمع معين بين المستطاع والحق. فكلما ترسخت القناعة بأن ما ليس حق لا سبيل إليه وإن تعبدت سبيله،تراجعت الانقلابات لأن منبتها أخلاقي، يستند إلى مستوى تقبلنا كمجتمع أن المستطاع حق. وإن مجتمعات لا مأمن فيها للمالين العام والخاص من “رازيا” المسيرين، لا فطام لها عن المحاولات الانقلابية،لأن الرئاسة زيادة على عبق السلطة أوسع المنافذ إلى المالين العام والخاص. إن الانقلاب هو الفساد الكلي الذي يستهدف الدماغ ليجد عبر أعصاب الإدارة منفذا إلى كامل جسم الدولة. من الناحية الأخلاقية، لا يوجد فرق في الطبيعة بين الانقلاب وبين أن يدخل مجرم مسلح على أسرة فيأمر ويتحكم، الفرق في الأبعاد، ففي الحالة الثانية الضحية أسرة مسكينة وفي الحالة الأولى الضحية أمة كاملة مغلوبة على أمرها. نحن ضحية للسرقة والجريمة والفساد الإداري والانقلابات لأننا فشلنا في البناء الأخلاقي الذي يفرق بين الحق والمستطاع. إن للسرقة والجريمة والفساد الإداري والانقلابات طبيعة واحدة، منبع مشترك، لا أخلاقية تستخدم في كل حالة المتاح من وسائل.

جاء انقلاب 2008 لمحاربة المفسدين والانحياز للفقراء، فجمع قائده -من حلال حتى يتبين العكس!-الأموال التي أصبحنا نعلم حجم جزء منها، وجاء انقلاب بركينافاسو الأول متذرعا بالحالة الأمنية فكانت أشهره الثمانية كفيلة بأن تفقد الدولة السيطرة على أربعين في المائة من مساحة البلاد. ويبدو أن الإقالة أو خشيتها هي الدافع المشرك لانقلاب النيجر وانقلاب 2008. كان قائد انقلاب النيجر كقائد انقلابنا يحمي الرئاسة، يحميها فريسته.

إن أمة يكفي أن يسيطر رجل بعناصره على أقل من واحد كيلومتر مربع من أراضيها -هي مساحة القصر الرئاسي- ليتأمر على الناس لن تخلق تنمية ولا تستحقها. وما معنى الشرعية وسلطة الشعب إذا كانت لا تستحق التضحية؟ ولماذا الانتخابات إذا كانت السيطرة على القصر الرئاسي تكفي ليصبح صاحبها رئيسا؟ طورت البشرية منذ قرون عدة أنظمة سياسية أحسن من أنظمتنا، لا يبدو أننا قادرين على الاستفادة من تجارب البشرية، لعلنا ببساطة نستحق واقعنا.

وفق الله وأعان 

د. م. شماد ولد مليل نافع

سبت, 29/07/2023 - 16:51