الترجمة القضائية

تتطلب الترجمة القضائية وخاصة ترجمة المرافعات تمكنا من التعابير والمصطلحات القانونية التي تستعصي على اللغوي العام، فمهما بلغت كفاءة الترجمان فإن ثمة مصطلحات قانونية يستعصي عليه، في الغالب، استيعابها، بدرجة تتيح له نقلها من لغة إلى أخرى. وحتى إن استوعبها فقد لا تتيسر له المصطلحات المناسبة للتعبير عنها. لذلك يعتبر المحامون، مزدوجو اللغة، أفضل من يترجم المرافعات.
فعندما يخاطب المحامي المحكمة قائلا:
 Votre juridiction n'est pas compétente pour statuer sur cette affaire.. 
فإن المترجم العام قد يترجمها إلى: (محكمتكم تفتقر للكفاءة التي يتطلبها البت في هذه القضية..) وعلاوة على عدم اللياقة، التي تعكسها العبارة، فإنها جانبت مراد المعبر، الذي إنما يقصد بمثل هذا التعبير عادة، أن المحكمة غير مختصة في البت في النزاع، لدخوله في اختصاص هيئة أخرى.. وشتان ما بين التعبيرين.
ونظرا لصعوبة تمكن المترجم من اللغتين (المترجم منها والمترجم إليها) بنفس المستوى. إذ الشائع أن يغلب التمكن من أحد اللسانين، أقدر أن من الأفضل أن يكون المترجم أكثر تمكنا من اللغة المترجم إليها حتى يوصل الفكرة التي، يفترض أنه استوعبها، إلى المتلقين بوضوح.
أبدي هذه الملاحظات في ضوء ما أثير اليوم، على هامش محاكمة الرئيس السابق السيد محمد ولد عبد العزيز، عن أحداث الترجمة incidents de traduction وتقاسما لتجربتي في الترجمة القضائية مع متابعي صفحتي. وللتاريخ أذكر أني ولجت مهنة المحاماة سنة 1991 بعد سنة من الدراسة في قسم الترجمة بجامعة انواكشوط (سنة 90 -91) إبان سنة إنشائه.. ومع بداية الألفية طلبت مني محكمة الجنح في انواذيبو أن أترجم بينها وبين المتهم الرئيسي في قضية مشهورة اتهمت فيها النيابة عمدة بلدية انواذيبو وأمينها العام والخازن الجهوي وبعض رجال الأعمال.. وكانت ترجمة مرافعة الأستاذ/ بال أحمدو تيجان، محامي العمدة، تجربة صعبة، لأنها تطلبت الترجمة الفورية لسيل من الدفوع الشكلية والموضوعية، مع أني تجرأت على نقل ما أدركت منها وغاب عني الكثير، على ما يحمله ذلك من تجن على المترجمين، قد يحمل على تصديق سبتهم الشائعة بأن كل مترجم خداع Tout traducteur est trahisseur.. 
وفي مناسبة أخرى انعقد، بمدينة انواذيبو، ملتقى كان من بين حضوره وزير العدل آنذاك (الأستاذ/ اسغير ولد امبارك) ورئيس المحكمة العليا (محفوظ ولد لمرابط، رحمه الله).. ومع بداية أعمال الملتقى وجد المترجم الذي استقدمته وزارة العدل، من العاصمة، صعوبة في متابعة الترجمة الفورية، فطلب مني المنظمون مساعدته في المهمة. صعدت إلى مقصورة الترجمة بأعلى مدرج المعهد الموريتاني لبحوث المحيطات والصيد وكان إلى جانبي الصحفي البارز عثمان ولد فراح، رحمه الله، الذي تكفل بأغلب الترجمة إلى لغة موليير بينما كنت أترجم إلى لسان سيبويه.. أديت، مع زميلي الصحفي اللبق، المهمة بطريقة ارتاح لها الحضور.. وكان من المحرج لي ولزميلي الصحفي نقل ما يعبر عنه المتدخلون من ارتياح لتحسن نوعية الترجمة إضافة لما نبهني إليه زملائي المحامون من كون صوتي كان يصلهم مباشرة دون المرور بالسماعات لأني معتاد على الحديث بصوت مرتفع مع أني كنت آنذاك في غنى عن رفع الصوت. 
ولا أخفي أنه مع مرور الوقت وتراكم التجارب أصبحت أدرك صعوبة الترجمة مما يحملني على التردد في قبول مهام النقل الفوري الذي كنت أتقبله بكل سرور.

خميس, 02/02/2023 - 09:29