سيزيفية الدونكشوتية

وبينما تتحرك الأمم بمثقفيها ومتعلميها على وقع العصر ونبضات التطور الهائل الحاصل في جميع المجالات و الميادين وعلى كافة الاصعدة، تتراجع قيم المدنية القهقرى، في بلاد المليونيات والادعائية المفرطة، إلى حد يعود صدى القهقر الرجعي من أعماق الكهوف فيحل به الظلام في النفوس بعدما تنطفئ من حولها شموع التحضر التي اكتسبت بالتعليم في الخارج على نفقة  الدولة.
وبينما ترسخ مفهوم الدولة لدى الشعوب من حولنا وتحول إلى سلوك مدني راقي وتوحد زي الملبس، في كل قارات العالم، ليلائم روح وديناميكية ومتطلبات العصر، وانتشرت المهنية بحيث أصبح لكل فرد حرفة يرى نفسه فيها بلا وصم أو خجل تكفل: 
ـ استقلاليته عن غيره، 
ـ تحفظ كرامته، 
ـ وتؤكد على دوره عنصرا فاعلا في المجتمع والدولة، 
وانتشرت المصانع في أرجائها لتلبي الطلب المحلي وتزود الأسواق بالمنتج البلدي الذي يحمل العلامة الوطنية المميزة "صنع في" بكل فخر واعتزاز؛
 بينما يحصل كل ذلك وأكثر، يظل "الكبر السيباتي"، متمثلا في نبذ الجهد البدني والتأفف على العمل العلامة، البارزة للتخلف الحضاري عند أهل المنكب البرزخي، فلا أثر لنهضة تنموية ذات شأن على الرغم من المقدرات الهائلة والمداخيل السنوية المعتبرة منها إلى الخزينة العامة عدى عن التي تنهب في غياب تام لوخز الضمير وردع من وازع أخلاقي أو ديني أو وطني.
إنها وضعية معتلة قائمة لاتبدوا الأحوال فيها منبهة ـ على خطورة اختلالاتها في حاضر تتدثر نخبه بأسوء ما في الماضي ـ وهي المحسبوبة على الطبقة المتعلمة التي لايستحي، وفي مفارقة عجيبة، أفرادها من وصف أنفسهم بـ"المثقفين" والأطر، والتباهي بالألقاب الكبيرة والعناوين المدوية التي تكسر حاجز التواضع، وركوبها مطية ذلولا إلى الوظائف الكبيرة والمناصب التسييرية في حل تام من قيم ومواثيق المعرفة، التي تزكوا بها النفوس على العادة وفي الحالات الطبيعية الصحيحة، وتعلوا الهمم وتشيد البلدان وتفاخر الأمم.
ويبقى المؤسف في هذه الوضعية المختلة ما يكون من استمرار جوقة السفور السياسوي بمنطق "الربع" و"المضارب" و"القبيلة" و"القوم" و"الشعر" و"البارود" وفاغو على إيقاع جهالة "اللادولة" العصية وغنائيات الإدعائية الدونكيشوتية العمياء وسيزيفية طواحين الأوهام الصارخة

الرباط
 31/12/2022

أحد, 01/01/2023 - 17:39