مشهد أوجفت السياسي : بداية ونهاية 

طبع الجمود مسار الفعل السياسي في مقاطعة أوجفت منذ دخول موريتانيا عهد التعددية الحزبية وإنشاء المجموعات المحلية، مطلع تسعينيات القرن الماضي. نالت المقاطعة ذات الكثافة السكانية المنخفضة والثقل السياسي نصيبها من السلطة التي أراد لها الرئيس السابق معاوية ولد سيدي أحمد الطائع أن تكون بصبغة قبلية بحتة، فجرى توزيع المناصب الانتخابية في المقاطعة على أساس الوجود القبلي المتمثل في قبيلتين أساسيتين تمثلان الغالبية العظمى من ساكنة المقاطعة.

لقد تجذر في العقل السياسي المحلي بالمقاطعة أن لكل القبيلتين مناصبها الانتخابية المحتكرة من طرفها، ولا يجوز لأي كان منافسة إحداها فيما هو مخصص لها، وظلت الدولة تحمي تلك التفاهمات وترسخ أساليبها كمنطق لإشراك الجميع في توزيع مناصب ربما لا تنصف معها آليات المنافسة الديمقراطية.

تعتبر أوجفت من بين المقاطعات النادرة في البلاد التي عرفت بوجهين برلمانيين لا يتغيران، منذ تشريعيات 1992، حيث لم يتخلف النائب محمد المختار ولد الزامل عن المنصب البرلماني للمقاطعة سوى لمأمورية واحدة بين 1996  - 2001 والتي فاز بها رجل الأعمال القادم من أودية الغرب الآدراري سيدي ولد عبدي مدعوما بقوة من بعض المتنفذين في نظام ولد سيدي أحمد الطائع، خلال صراعهم المشهود مع ولد الزامل، حيث حاولوا تحييده من موقعه السياسي القوي في المقاطعة، لكنه عاد وبقوة في انتخابات 2001 وظل ينتقل بسلاسة من مأمورية لأخرى حتى اليوم، رغم ما يطبع التنافس على المنصب النيابي من حدة للصراع من وقت لآخر، ومثله منصب ممثل المقاطعة في مجلس الشيوخ؛ فباستثناء المأمورية الأولى التي نجح خلالها محمد الأمين ولد سيدينا، فاز يحي ولد عبد القهار بكل المأموريات حتى تم حل المجلس خلال استفتاء دستوري في العام 2017 ، فيما ظلت البلديات الأربعة متشبثة بالتوزيع القبلي للمناصب فيها، رغم بعض محاولات التغيير، التي تصاحب المناسبات الانتخابات أحيانا، فظلت البلدية المركزية وبلديتا المداح وانتركنت متمسكات بضوابط التفاهم التقليدي، بينما تتنازع القوى السياسية بلدية المعدن، والتي عادت فيها السيطرة للقوى السياسية المسيطرة في أمحيرث بعد وفاة عمدة البلدية لمأموريتين محمد الأمين ولد سيدنا، رغم منح السياسي المتنفذ في البلدية عمو ولد الدهاه منصب العمدة في انتخابات 2013 للشيخاني ولد سيدينا قبل عودته للمنصب في انتخابات 2018. فهل يواصل ولد الدهاه سيطرته على البلدية أم سيجعلها دولة بين محوري أمحيرث - المعدن؟

 

بداية نهاية الحلف العتيد!

 

خلال العقود الثلاثة الماضية ظلت لحلف محمد المختار ولد الزامل ويحي ولد عبد القهار السيادة السياسية في المقاطعة بدعم دائم من السلطة السياسية القائمة، رغم قوة منافسيهما في بعض الأحيان، إلا أنهما ظلا ممسكان بمفاتيح السياسة في المقاطعة يديرانها وفق مصالح حلفهما القوي، لكن مع مغادرة ولد عبد القهار للمناصب ذات التمثيل الحصري للمقاطعة، ومع الحديث عن عدم ترشحه للمجلس الجهوي لولاية آدرار في الانتخابات القادمة، أو امتناع الدولة عن مساندة ترشحه، ومع تقاعد ولد الزامل من العمل السياسي، إضافة لبروز حلف سياسي جديد بقيادة أطر من تونكاد؛ يلقي تسارع الأحداث وديناميكية المنطقة بثقله على مستقبل الحلف الأقوى في المقاطعة، المهيمن منذ عقود على المشهد.

إن غياب الرجلين عن الفعل السياسي، ونحن على أعتاب انتخابات ربما تكون سابقة لأوانها، يفتح الباب على مصراعيه لعدة سناريوهات حول شكل ونوعية التحالفات السياسية القادمة، ومن له القدرة على خلافة الرجلين، والإمساك بزمام الأمور والسيطرة على متغيرات الأجواء السياسية في المقاطعة بصفة خاصة والمنطقة بصفة عامة، فكيف هو مستقبل المشهد السياسي في المقاطعة بعد حلفها العتيد؟

 

من رحم التحالفات القبلية يولد نهج جديد 

 

قامت التقسمة القبلية في فترة كانت الدولة تسعى من خلالها للسيطرة، وإضعاف النفوذ القبلي وفق مقاربة إشراك المجموعات على المستوى المحلي، وظلت اللعبة السياسية تقوم على تأجيج الصراعات القبلية وتكريسها بين المكونات الاجتماعية وداخل المجموعة الواحدة، وقد نالت مقاطعة أوجفت من ذلك نصيبها الوافر على الرغم من انحسار الصراع بين قبيلتين، وداخل القبيلة الأكثر تعدادا والتي تمت تغذية الصراعات بينها، وظلت منذ بداية الممارسة السياسية منقسمة إلى جناحين لكل منهما ثقله ووزنه الانتخابي.

ومع تغير الواقع وتنامي الوعي السياسي بدأت أجيال من أبناء المقاطعة تبدي استياءها ورفضها لذلك الواقع ولتلك التقسمة السياسية القبلية التي تقطع الطريق أمام الكفاءات والطاقات الشبابية للصعود إلى المناصب الانتخابية والتمثيلية، لتظل رهينة أحلاف أزلية وأشخاص لا يتغيرون، فهل بدأ فعلا العد التنازلي لنهاية حتمية للنهج القديم وولوج عهد جديد يزيح إكراهات الجمود ويؤسس لفكر بنَفَس وأسلوب يناسبان العصر ومسار التطور؟.

 

 عبد الرحمن يغل

اثنين, 19/09/2022 - 13:39