شكرا جزيلا للدكتور إشيبُ ولد آباتي

كتبت خلال الأيام الماضية فقرات تحت عنوان: "نهضة الأمة : الأسس والأسئلة والإشكالات وسبل الانطلاق" وشرفني أخي الموقر الدكتور إشيبُ ولد أباتي بتعقيب باذخ أكمل ما كان في تلك الفقرات من نقص وما أكثر النقص فيها فله كل الشكر والتقدير على وقته الثمين وعلى إثرائه للموضوع وعلى ما تفضل به في المقال مما ينم عن ثقافة عالية وسعة اطلاع.

ولا أرى مقال الدكتور الذي جاء تحت عنوان :" في ثورة ٢٣ من يوليو، ومضاعفات غياب القادة القوميين، وضياع البوصلة في طرح أسئلة النهضة العربية" إلا إرشادا وتوجيها وتعليما أحتاجه فضلا عما يعبر عنه من تواضع في التعاطي مع من هو دونه في كل شيء.

وسأعقب على مقال الدكتور في جزئين أولهما يتضمن ملاحظات عامة أما الجزء الآخر فسيتناول بعض النقاط المهمة التي وردت في مقال الدكتور وفقه ربنا.

 

ملاحظات عامة:

- القرية التي نشأ فيها هذا العبد الضعيف كانت أحد المعاقل الرئيسة للتيار القومي/ العروبي والناصري تحديدا

وقد انتسب العبد الضعيف إلى التيار الناصري في المرحلة الإعدادية واطلع مبكرا على بعض المواد الفكرية التي كان المؤطرون يقدمونها للشباب في تلك المرحلة مثل : فلسفة الثورة وبيان 30 مارس وبصراحة عن عبد الناصر للإعلامي والمفكر محمد حسنين هيكل.

- أن العبد الضعيف ارتاد في تلك المرحلة بانتظام المركز الثقافي المصري والمركز الثقافي الليبي

- أن العبد الضعيف عمل مترجما في السفارة العراقية إبان فترة الحرب العراقية الإيرانية فعاش مع العاملين فيها آلام تلك الحرب ومآسيها..

- أظن أنه يحصل من هذا أن هذا العبد الضعيف ليس غريبا على الفكر القومي العربي والأهم من ذلك أنه لا يتصور منه أن يكون عدوا للعروبة ولا يمكن عده من خصومها لا تصورا ولا تصديقا كما عند المناطقة ولا سبرا وتقسيما كما عند الأصوليين، ولكنه مع ذلك يفرق بين الفكر القومي العربي الداعي إلى نهضة العرب ووحدتهم وبين أداء بعض الزعامات العربية التي قادت نتائج أعمالها إلى كوارث لا تخطئها العين.

- يزعم هذا العبد الضعيف أنه من المهتمين بقضايا الأمة سواء كان المقصود بها الأمة العربية أو الأمة الإسلامية ( والجمع أولى من الترجيح) والتكامل لا غنى عنه، فقد كتب عن فلسطين ومعاناة أهلنا تحت الاحتلال وكتب عن معاناة أهل العراق تحت الاحتلال الأمريكي ومن أحدث ما كتب مقارنة بين سلوك الغربيين ومواقفهم المعتمدة على الكيل بمكيالين في التعامل مع الغزو الأمريكي للعراق وتعاملهم مع الحرب الروسية الأوكرانية ، كما كتب عن بعض قضايا الأمة الأخرى.

- (لكن مقاله الجميل الذي يشكر على التزامه بشروط البحث العلمي في التوثيق، ولعل هذه ميزة المقال، و التزام الكاتب بالشروط في التوثيق، وما عداهما، فهو محل مراجعة، نظرا لتغييبه - عمدا، او عجزا - لأسس النهضة، وكان حريا به الحديث عن اسس النهضة العربية في مصر على عهد ي محمد علي باشا، وابنه ابراهيم باشا، حيث جاء الغرب، والأتراك..). امتدح الدكتور وفقه اللـه في هذه الفقرة فقرات هذا العبد الضعيف وأشاد بتوثيقها العلمي على حد وصفه، مشيرا إلى أنها هي ميزة المقال ولا أرى ذلك إلا من باب التشجيع وحسن الأدب ولكن الميزة الحقيقية لتلك الفقرات إنما هي أنها كانت سببا في كتابة هذا المقال الباذخ المتميز للدكتور حفظه اللـه كما اشرت إلى ذلك آنفا.

- (لقد كان اختياره لبعض الأسئلة التي أشار اليها، يحيل إلى قاعدة، كما صاغها المثل العربي في أن " كل إناء بالذي فيه ينضح"،، ذلك أن مرجعية الكاتب ، اوضحت إلى أي حد، هو سياسي، وليس باحثا في الفكر من أجل استعادة طرح اسئلة النهضة المتجددة،، فالذي ملأ ، و "سود" به صفحات مقاله الطويل عن النهضة، هو: التعبير الواضح بالسلب عن تحديد مفهوم النهضة،). في هذه الفقرة أتفق مع الدكتور حفظه اللـه على أمر واستأذنه في الاختلاف معه حول أمر آخر ، أما ما أتفق مع عليه فهو أن هذا العبد الضعيف ليس باحثا ولا كاتبا بالمعنى المحترف والمعنى العلمي إنما هو من الهواة والمتطفلين وكما يقول أهل العلم فإن من تلبس بالمعاصي لا يمنعه ذلك من أمر الناس بالخير وتحذيرهم من الشر وإلا لما وجدنا آمرا بمعروف ولا ناهيا عن منكر، وقياسا على ذلك فإن الإحساس بصعوبة أحوال الأمة وما تواجهه من أخطار تفتح الباب أمام المتطفلين من أمثال العبد الضعيف للتعبير ولو بأساليب متواضعة عن إحساسهم بآلام أمتهم من باب (أضعف الإيمان) حتى إن لم يمتلك ناصية البحث والكتابة. ولو كانت معايير البحث والكتابة بسقفها الأعلى هي التي تحدد من يحق له أن يكتب لقلت الكتابات اليوم وهذا العبد الضعيف سيكون أول المنسحبين لمعرفته بتواضع قدراته ومعرفه. . وأزيدكم بيتا من الشعر في هذا السياق أن العبد الضعيف درس في مرحلة عرف جيلها ببجيل (المزدوجين) وقد وصف أحد المربين ذلك الجيل الذي بأنه الجيل الذي لا يعرف أيا من اللغتين وأزيد ايضا من عندي أن العبد الضعيف إضافة إلى جهله باللغتين فبضاعته مزجاة من المعارف الأخرى بل هي كالصفر أو اقل من الصفر ، وعليه فإن الدكتور محق في وصف العبد الضعيف بانه ليس باحثا في الفكر، أما الأمر الذي أختلف مع أخي الدكتور المبجل فيه فهو وصف العبد الضعيف بالسياسي وشواهد الواقع لا تؤيد ذلك فالسياسي من علاماته الانتماء لحزب أو تنظيم معين أو الدفاع عن إيدلوجيا معينة وهذا غير مطابق للواقع بالنسبة للعبد الضعيف.

- ذكر الدكتور بارك اللـه فيه - بعد أن صنف هذا العبد الضعيف "سياسيا " وحدد "مرجعيته "- المثل المعروف : " كل إناء بالذي فيه ينضح" وهذا المثل عند إيراده يفهم منه القارئ عادة بعض الأوصاف السلبية لمن وجه إليه وهو شطر من بيت للشاعر سعد بن الصيفي التميمي الذي كان يلقب بحـيص بيص :

فحسبكمُ هذا التفاوتُ بيننا**وكل إناءٍ بالذي فيه ينضَح”.

فلم أستوعب كثيرا إيراد الدكتور وفقه اللـه للمثل في هذا السياق الذي قد يفهم منه التحجير على الآخرين في اختيار أفكارهم وطرائق تعبيرهم على منهج (ما أريكم إلا ما أرى..) أو النظر إلى الآخر بسلبية إن اختلفنا معه فكريا، حاشاه من ذلك.

- (وكان واضحا، أن الخبير الزراعي، والمصرفي، الاستاذ الهادي بن محمد المختار النحوي، كتب مقاله، قبيل ذكرى ثورة ٢٣ والعشرين من يوليو ١٩٥٢م، ليوجه، سهام نقده غير الموضوعي للقادة القوميين، لكن بأفكار بعض الكتاب، ولكن من هم؟) وصف الدكتور في هذه الفقرة العبد الضعيف بالخبير الزراعي والمصرفي ولا اراه إلا أضاف إلي تخصصا جديدا كرما منه ، فلا علاقة لهذا العبد الضعيف بالزراعة ولا بعلومها وحتى المجال المصرفي الذي يفترض أني متطفل عليه فلا أدعي تخصصا فيه ولكن لعل الأمر من باب اتساع التخصصات الذي يؤول إلى فقدانها جميعها لينطبق علي المثل الإنجليزي : "صاحب الصنائع السبع لا يتقن أي صنعة "، وأنا مقر بذلك.. أما الإشارة إلى أن العبد الضعيف "كتب مقاله قبيل ذكرى ثورة 23 يوليو ليوجه سهام نقده للقادة القوميين"، فلعل ذلك من الرجم بالغيب ، فلم يخطر هذا الأمر على بالي إطلاقا بل إنني لم استحضر أن الشهر الذي كتبت فيه هذه الفقرات هو شهر يوليو.. وعموما فإن بعض الأوصاف والعبارات التي أوردها الدكتور في مقاله القيم مثل "ضياع البوصلة" و"سود" بين ظفرين، و"الخبير الزراعي".. فقد يكون الدكتور أراد بها نقاشا علميا وقد يكون بعضها سبق قلم وربما رأيتها- لحسن ظني بالدكتور حفظه ربي- نيرانا صديقة على حد تعبير العلامة الشيخ عبد اللـه بن بية معقبا على اعتراض بعض الأفاضل على موقف معين للشيخ ، وقد وردت العبارة على ما أذكر في أحد كتب الشيخ أظنه كتاب : فتاوى فكرية. وقد تفسر تلك العبارات تفسيرا آخر :

وصلاحي الذي رأيتم فسادي .. وفسادي الذي رأيتم صلاحي.

- الملاحظة الأخيرة ضمن الملاحظات العامة هي أن مقال الدكتور حفظه اللـه ربما يدخل في سياق مساجلات مألوفة بين تيارين تباينت رؤاهم في كثير من القضايا وركز بعض المتحمسين من الفريقين على مجالات الخلاف وأعطوها أكثر مما تستحق وهي في تصور هذا العبد الضعيف أقل من مجالات الاتفاق إن انتبه إلى ذلك الحكماء والعقلاء، وهذه المساجلات تحتاج إلى أهلها أما العبد الضيف فمنهجه الحياد الإيجابي ويحترم جميع الأطراف ويشجعهم على النظر إلى ما يجمع وإلى التغاضي قدر الإمكان عن أسباب الفرقة..

وقبل الختام أعتذر للدكتور إن كان ورد في هذه الفقرات أو الفقرات السابقة ما لا يناسبه.

ومرة أخرى شكرا للدكتور على مقاله الرائع الذي استفدت منه وشكرا لوقته الثمين الذي خصصه لقراءة تلك الفقرات البسيطة وما ذلك إلا تواضعا منه وحسن أدب فله تحياتي وتقديري..

وفي الجزء الثاني سأحاول بإذن اللـه التعليق على بعض النقاط المهمة التي وردت في مقال الدكتور.

 

الهادي بن محمد المختار النحوي

 

اللهم ارفع عنا البلاء والوباء

رب اغفر لي ولوالدي ولوالديهم ولجميع المسلمين

والصلاة والسلام على الحبيب الشفيع 

أربعاء, 27/07/2022 - 00:05