العُبورُ من الفِئةِ إلي المُواطَنة هو الْخَلاصُ

مرّت جميعُ الدَول إلا استثناءات قليلة بمرحلة الاستعمار الذي يحمل معه من غير حقٍ تخليص الأمم من الجهل والظلامية وصولا لبرّ الأمان.

وعاجلا يدرك  الناسُ أن تلك خدعةٌ واستعبادٌ واستغلالٌ لمقدرات البلدان فتنشأ المقاومات الثقافية والمسلحة أيضا التي في الغالب توصل للإستقلال .

فيما بعد تقوم أوّلُ حكومة معتمدة علي المثقفين الموالين للمستعمر و ينوبون عنه في تسيير الدولة الوليدة زمنا يطول ويقصر بحسب نضال الشعوب وقدرة النخبة علي التسيير الواعي للنضال.

ولم تكن موريتانيا استثناءً بل يصحُ أن تكون نموذجا حيث دخلها المستعمر مطلع القرن التاسع عشر لتنال الاستقلال في1960بعد نزال مع المقاومة الوطنية بجميع أنواعها.

صحيح أن مجيء فرنسا صادف فوضي ومعارك قبلية لو لم تتوقف تسببت في اندثار حضارة أمة مع أن لكل الحق في تحليل الظاهرة.

ومن دون ذكر أسماء الذين رأوا في المستعمر مخلِّصا نعلم أنهم لم يكونوا مخيَرين وأنهم أسهموا كثيرا في المقاومة الثقافية بامتناعهم عن تمدرس أبنائهم ومن معهم.

لكن الّدول التي نالت استقلالها واصلت المسيرة الاجتماعية رويدا رويدا حتي امَحي فيها الانتماءالمجموعاتي والمناطقي لصالح المواطنِ وما يسميه البعض (المواطنة) التي بمقتضاها ينعم الكلبنفس الحقوق بعيدا عن الانتماء الفئوي معلومِ الضّررِ.

إن النظرة الموضوعية للأمور توحي بأننا بحاجة لتبني خارطة لبناء مفهوم ملْزمٍ للمواطنة يجرّم ركوب الفئة والمنطقة لأية أسباب: سياسية كانت أم بحثاعن مصالح شخصية.

صحيحٌ اننا مررنا بسلوكات اجتماعية بها تراتبٌ يحسن ويخْشُن في مظاهره لكنه وضعٌ عاشته أممٌ كثيرة ولم يتبق منه  لديها سوى  درس التاريخ في الابتدائي.

وبدلا من التطور الإيجابي  والقطيعة مع التنوع الفئوي السلبي نجد أن البعض ينزع لاستثماره واستغلاله كخارطة مجتمعية من خلالها تُنالُ الحقوق ليس علي قياس الجدارة بل علي اعتبار أن اللون والعدد محدِّدان أساسيان.

فزادت الفردية المفرطة بين الناس وخاصة السياسيين  من خلال إرضاء الجانب النفسي للفئة علي حساب المجتمع وكيان الدولة.

وبدل تناسي الأوجاع والممارسات الإجتماعية نعمل ما في الوسع استحضارا لها لتسليمها لناشئةٍ لم تواكبها ولولا الاستغلالُ المشين للبعض لها ما كان لها أن تتعرف عليها إلا من بابِ سرْد الأحداث التاريخية.

فنجم عن ذلك تَشرْذمٌ  مجتمعي فئوي تَفْتيتيٌ  محفوفٌ بمخاطرَ اجتماعيةٍ وسياسية ٍفي آن واحد لا نستبشر معه التكامل المطلوب للتنمية.

ونحن فيه لا نراقب الخطاب الذي يصدر منا في الحملات لجلب النّاخبين ولا الذي نتعامل به في الأزمنة العادية, الكل عندنا سيان.

إن الوقت ضاغطٌ لجهة أن ندخل في حوارٍ مجتمعي جدّيٍ يحدد الأهدافَ الكبرى ويقضي علي العيوب قاطبة حفاظا علي المستقبل.

وفي حين تزداد دعوات التشرذم لتصبح وجيهة عند المخيلة الإجتماعية والضمير الجمْعي للأمّة لا نجد تفكيرا في مواجهتها بالتي هي أنفعُ عملا بأن التاريخ حكم علينا بالعيش معا.

إن التنافر الحاصل عندنا اليوم بحاجة إلي لجْمٍ في إطار احترام القانون وزرْع حتمية العيش المشترك كما تقدم بين ساكنة الوطن الواحد وبدل النضال الفرداني الفئوي نعمل بكامل مقدراتنا لتحقيق أمة موحدة لا فرق بين أفرادها في أي مجال.

قد لا أكون وُفقْتُ في تبيان الموضوع لكنني فتحت بابا بحاجة إلي الطّرْقِ ويهابه كثيرون اعتبارا لتعقيداته الاجتماعية وخوفا من تحريك عصا في جرْحٍ يُرادُ له الإنْدمالُ.

أدام الله عافيته علي الجميع...

 

اثنين, 13/06/2022 - 15:52