بين الحرب الروسية الأوكرانية والغزو الأمريكي للعراق 1- 2

تحاول هذه الفقرات مقارنة أسباب ومسارات ومآلات الحرب الروسية الأوكرانية والغزو الأمريكي للعراق والتعامل السياسي والمالي والاقتصادي والقانوني مع الحالتين.

ولابد أولا من التنبيه إلى أنه يتعين النظر إلى الحرب الروسية الأوكرانية من زاويتين الأولى تتعلق بالحرب المباشرة بين بلدين جارين حصل بينهما خلاف متعدد الأبعاد بغض النظر عن الحق أو الصواب في رأي كل طرف، أما الزاوية الأخرى فتتعلق بالمستوى الأعم والأوسع ألا وهو التنافس والتدافع بين روسيا والناتو أو بين روسيا والولايات المتحدة أو بين روسيا والاتحاد الأوروبي أو بينها وبين والغرب عموما.

التنبيه الثاني يتعلق بوجوب استنكار الظلم ومعارضة الظالمين ومؤازرة الضحايا بغض النظر عن دينهم أو ألوانهم أو جنسياتهم.

 

مقارنة عامة

بلغ عدد سكان العراق سنة الغزو الأمريكي (2003) 26 مليون نسمة أما سكان أوكرانيا سنة الغزو الروسي (2022) فيقدر عددهم ب 44.9 مليون نسمة. وتقدر مساحة العراق ب 438 ألف كلم مربع بينما تبلغ مساحة أوكرانيا 603 ألف كلم مربع.

أما الناتج المحلي الإجمالي لأوكرانيا فقد بلغ سنة 2020 155 مليار دولار بينما بلغ الناتج المحلي للعراق سنة 2002 أي قبيل الغزو الأمريكي 32 مليار دولار.

 

أهداف العملية العسكرية الروسية

المعلن من أهداف روسيا من عمليتها العسكرية – حسب الرئيس الروسي - هو نزع سلاح أوكرانيا واجتثاث النازية لحماية أولئك الذين تعرضوا لما وصفه بوتين ب 8 سنوات من التنمر والإبادة الجماعية من قبل الحكومة الأوكرانية. ويوضح بوتين أيضا أن "احتلال الأراضي الأوكرانية ليس خطتنا، لا ننوي فرض أي شيء على أحد بالقوة". ومن أهدافها المعلنة أيضا أن تبقى أوكرانيا محايدة بعد أن أزعجها توسع الناتو واقترابه من حدودها، وكذلك اعتراف أوكرانيا بالقرم جزءا من الاتحاد الروسي.

هذه الأهداف على هذا النحو قد تكون معقولة أو قابلة للنقاش عندما ينشب نزاع بين دولتين جارتين تختلفان حول أمور محددة خاصة عندما يتعلق الأمر بالجوانب الأمنية إذ أن مشكلة الروس ليست فقط مع أوكرانيا بل مع الناتو الذي تتطلع أوكرانيا إلى الانضمام إليه، هذا بغض النظر عما إذا كان الأمر يستحق إعلان حرب شاملة وما إذا كانت روسيا أخطأت الحسابات أو أساءت التقدير.

 

أهداف أمريكا من غزو العراق

قدمت الإدارة الأمريكية قبل وأثناء وبعد احتلال بغداد في 9 أبريل 2003 مجموعة من التبريرات لإقناع الرأي العام الأمريكي والعالمي بشرعية الحرب ويمكن تلخيص أبرز هذه المبررات على النحو التالي:

-       استمرار حكومة الرئيس العراقي السابق صدام حسين في عدم تطبيق قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالسماح للجان التفتيش عن الأسلحة بمزاولة أعمالها في العراق. 

-       استمرار حكومة الرئيس العراقي السابق صدام حسين في تصنيع وامتلاك "أسلحة دمار شامل" وعدم تعاون القيادة العراقية في تطبيق 19 قراراً للأمم المتحدة بشأن إعطاء بيانات كاملة عن ترسانتها من "أسلحة الدمار الشامل". 

-       وجود علاقة بين الرئيس صدام حسين وبين تنظيم القاعدة ومنظمات "إرهابية" أخرى تشكل خطراً على أمن واستقرار العالم. 

-       نشر الأفكار الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط ولو بالقوة العسكرية وتغيير أنظمة الحكم الرسمية. 

ليس في هذه الادعاءات ما يوحي بأن العراق كان يهدد أمن الولايات المتحدة بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

بالنسبة لادعاء أمريكا عدم تطبيق العراق لقرارات الأمم المتحدة فهذا ليس سوى ذريعة هشة فلو كان الأمر صحيحا لوافقت الأمم المتحدة على غزو العراق وهو ما لم يحصل فقد عارض الغزو معظم دول العالم ومنها ثلاثة من الدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن ويكفي من ذلك تصريح الأمين العام للأم المتحدة بأن الغزو غير قانوني ومخالف لميثاق الأمم المتحدة، بل إن نتائج أعمال مفتشي الأسلحة أكدت عدم امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل نهائياً.

وبالنسبة لنقطة أسلحة الدمار الشامل فيكفي للرد عليها أنه لو كان العراق يملك أسلحة دمار شامل لما تجرأت أمريكا ولا غيرها على غزوه ولنا أمثلة واضحة في العالم مثل كوريا الشمالية، كما أن امتلاك أسلحة الدمار الشامل لا يخول أمريكا حق الغزو ما دامت الأمم المتحدة لم توافق على ذلك، وإذا كانت هذه الذريعة صحيحة فلماذا لا تجيش أمريكا والغرب الجيوش لغزو إسرائيل التي تمتلك ترسانة أسلحة نووية ضخمة ولماذا تمتلك الدول الكبرى ترسانات من الأسلحة النووية وتمنع الدول الأخرى من امتلاكها.

أما العلاقة مع تنظيم القاعدة والمنظمات الإرهابية فليست إلا نكتة من النكت السخيفة، وهذا ادعاء لم يثبت باي دليل لاستحالة وجود قواسم فكرية وعقائدية تجمع تنظيم القاعدة بنظام الحكم العراقي.

أما نشر الأفكار الديمقراطية في الشرق الأوسط فهي أقوى هذه "الحجج" فقد نشرت أمريكا الديمقراطية في العراق لكنها ديمقراطية أنهار الدماء والفوضى واستئصال دولة بأكملها وتمزيقها والاطاحة بحكومتها وتعذيب وقتل كبار المسؤولين وإبادة مئات الآلاف من العراقيين مع زرع بذور الفتنة والطائفية التي ما زال العراق يحصد ثمارها حتى اليوم.

 

بين الجيشين العراقي والأوكراني

 خرج الجيش العراقي من هزيمة ثقيلة بعد حرب الخليج الثانية سنة 91 وخضع لحصار خانق قاتل منذ أغسطس 1990. فقد دمرت معظم الدبابات أما سلاح الجو فكان عمليا خارج الخدمة وكانت طائرات أمريكا وبريطانيا تستنزف الجيش العراقي بمناطق الحظر الجوي والغارات الجوية والصاروخية بصورة منتظمة.

أما لجيش الأوكراني فكان عتاده بحلول عام 2022 يتكون من حوالي 858 دبابة معظمها من طراز "تي – 62" و2400 مدرعة وتضمن سلاح الجو الأوكراني 200 طائرة حربية، منها 125 طائرة تكتيكية من طراز "ميغ – 29" و"سو- 27" أضف إلى ذلك أن أوكرانيا مزدهرة اقتصاديا نسبيا وورثت نصيبا مهما من تركة الاتحاد السوفيتي العلمية والتكنلوجية والصناعية وحتى النووية.

وإضافة لذلك فأوكرانيا حظي جيشها بتدريب متطور من الدول الغربية مكنه من الصمود بقوة أمام الجيش الروسي، في حين أن جيش العراق كان محاصرا لم تصله قطعة سلاح واحدة لمدة حوالي 13 سنة قبل الغزو لأن العراق طمر تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة..

 

بين جيوش الغزاة

الجيش الروسي في أكرانيا

حسب التقديرات الأمريكية فإن عدد القوات الروسية التي دخلت أوكرانيا تقدر بحوالي 150 ألف جندي.

 

جيوش الغزو الأمريكي للعراق

استطاعت الولايات المتحدة الحصول على دعم لحملتها لغزو العراق من 49 دولة، وكان هذا الائتلاف يعرف "بائتلاف الراغبين"، حيث كانت 98% من القوات العسكرية هي قوات أمريكية وبريطانية. وبلغ العدد الإجمالي لجنود الائتلاف 300.884 كانوا موزعين كالتالي:

 الولايات المتحدة: 250.000 (83%) المملكة المتحدة: 45.000 (15%) وكوريا الجنوبية: 3500 (1.1%)

والبقية موزعة بين دول الكومبارس ومن ضمنها أوكرانيا (1800) واليابان (600) وهي الدولة الوحيدة في العالم التي ما زالت تخضع للقرارات الأمريكية التأديبية التي صدرت ضدها بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية على الأقل إلى سنوات قريبة. وقد غادرت القوات اليابانية العراق سنة 2008 بعد أن خدمت قوات التحالف وصرفت في سبيل ذلك أموالا كثيرة. هذا فضلا عن تقديم الحكومة اليابانية لخمسة مليارات دولار لدعم التحالف الأمريكي البريطاني ولم تجد اليابان أي تقدير لتضحياتها في العراق وإنما ساهمت في تشريع الغزو رغم معارضة الأغلبية الساحقة من اليابانيين لمشاركة بلادهم في غزو العراق.

أما أوكرانيا فلم يغزها سوى روسيا، وأوكرانيا دولة جارة لروسيا وبين البلدين مشاكل متنوعة ونزاع متعدد الأوجه. 

دعمت أمريكا والغرب عموما أوكرانيا بأشكال متعددة من الدعم السياسي والدبلوماسي والعسكري والمالي والاقتصادي والقانوني ، اما نصيب العراق من الدعم فكان دعم الغزاة والمشاركة في ذبح الضحية بعد سنوات من حصار خانق راح ضحيته 500 ألف طفل عراقي. وقد قالت أولبرايت، وزيرة خارجية أمريكا آنذاك، تعليقا على موت هذا العدد من أطفال العراق: "نعتقد أن الثمن يستحق ذلك". ولا ينفعها ما تظاهرت به بعد ذلك من ندم على هذا التصريح.

وعموما فإن المقارنة بين حالتي أوكرانيا والعراقي تظهر فروقا جوهرية بين الحالتين فالعراق غزته أمريكا مع عشرات الدول مع أنه لم يكن يشكل أي تهديد لأمريكا وتفصله آلاف الكيلومترات عنها وعن بريطانيا أما أوكرانيا فهي جارة لروسيا وبينهما مشاكل كثيرة تحصل عادة بين الدول المتجاورة كما ذكرنا آنفا وإذا تحدث الغرب عن القانون الدولي والسيادة فكان الأولى أن يستحضر ذلك أيضا عندما غزت أمريكا العراق.

والأصل أنه ما دام الأمر يتعلق بالدفاع عن سيادة الدول وعن القانون الدولي وعن حقوق الإنسان أن تعامل أمريكا بعد غزوها للعراق مثل ما عوملت روسيا بعد غزو أوكرانيا لكن الأمر لم يكن كذلك لأن الغرب تعود الكيل بمكيالين..

نكمل في الجزء الموالي بإذن اللـه...

والصلاة والسلام على الحبيب الشفيع

سبت, 09/04/2022 - 19:55