غزواني في مواجهة اليد الخفية!! (2/2)

 تحدثنا في المقال السابق عن دور البيروقراطية في عرقلة الإصلاح، ونستكمل في هذه الحلقة ما بدأنا، مع محاولة للتنزيل على ما انقضى من فترة الرئيس غزواني..

طبعا، هي إشارات عامة، لا تَتَتبع كل قطاع على حدة، فليس لدى صاحب هذه الحروف من المتابعة والمعلومات، ما يمكنه من ذلك، ولكنها نظرة كلية مجملة، تتحرى الموضوعية والإنصاف.

 

وقبل ذلك، سنتوقف مع أركان المعادلة الإدارية، والتي تتكون أساسا من أربع قوى متباينة: قيادة صادقة وشعب طموح من جهة، وواقع سيء، وبيروقراطية عصية، من جهة أخرى.. وكل عملية إدارية أو سياسية هي عبارة عن تدافع وتفاعل بين تلك الإرادات المختلفة..

فبقدر قوة الإرادة وصدقها عند الحاكم؛ سيُخضع البيروقراطية لرؤيته وخطته. فيتغير الواقع للأحسن، وتتحقق طموحات المواطنين؛ أو يفشل في إخضاعها فيكون عرضة لأن يلفظ خارج المنظومة..

 وهو ـ ربما ـ ما يفسر التسريبات التي تتحدث عن تهيئة الظروف الملائمة للانقلاب على الرئيس، بخلق الأزمات المتكررة وافتعال المشكلات؛ وكذلك الإشاعات التي تتحدث عن اعتزال الرئيس للسلطة من تلقاء نفسه، أو عدم رغبته في الترشح لمأمورية ثانية، أو عدم قدرته على كسب رهانها ..

وبقدر ضعف الحاكم أو ضبابية الرؤية عنده؛ تتغول البيروقراطية، وتعزز من مواقعها حفاظا على الوضع القائم، وينحصر دور الحاكم في دوامة من الانشغالات الوهمية التافهة، تستنفد طاقته وجهده.. ورغم عمله الدؤوب المثابر، وتعبه المتواصل، فإن الأمور تبقى تراوح مكانها دون تقدم ملحوظ !

 فيزداد الشعب تذمرا، و تزيد مطالبه قوة ووجاهة، ويترجم ذلك في احتجاجات مطلبية، تشمل مختلف القطاعات الحيوية، مع تضخيم واستغلال سياسي من المعارضين داخل النظام وخارجه..

فيفقد الرئيس صبره، ويشعر بالظلم والمرارة؛ فهو على رأي المثل الشعبي " ماه باخل ش اولاه مز ش" ، فلا يملك إلا أن يحتمي "بالبيروقراطية الفاسدة" لإسكات شعبه الغاضب، فتحدث الانتكاسة، وتتكسر الشعارات على صخرة الواقع العنيد..

وهكذا يتحول الرئيس "المصلح" إلى منتج أصلي من منتجات الواقع السيئ الذي جاء ثائرا عليه أو مصححا من اختلاله. قد تطول مدة الترويض هذه أو تقصر بحسب الواقع: سوءً وتعقيدا، وإرادة الإصلاح: قوة وصدقا.

 

ينبغي أن يتضح للرئيس غزواني ولكل مسئول جاد، أن الحفاظ على السلطة والنجاح فيها بالطرق المشرفة، التي تُكسب المجد، والذكر الحسن، والأثر الخالد؛ يحتاج عزما ومضاء وقوة وتضحية، يحتاج تجديدا وإبداعا في الوسائل والآليات، يحتاج خروجا من دائرة المألوف، ويحتاج رؤية واضحة، وشجاعة في تنفيذ تلك الرؤية..

فمن لم يستعد ويتهيأ لهذا التعب، وهذا الجهد ولهذا التجديد، فلن يحقق شيئا يذكر؛ فإما سيمضي مخذولا من شعبه، قد خسر ثقته والفرصة الثمينة التي أتيحت له؛ أو يتحول إلى دكتاتوري فاسد قد يلبث إلى حين، ولكنه سيمضي في النهاية إلى مزبلة التاريخ، غير مأسوف عليه.

 

صحيح أن ما حصل من تهدئة، وتوافق سياسي عريض؛ يعتبر الأساس لأي نهضة تنموية وبناء مؤسسي وديمقراطي في أي بلد، وصحيح ـ أيضا ـ أنه حصلت إنجازات معتبرة، في عدة مجالات حيوية ومهمة، لن يستطيع إنكارها أو إغفالها سوى مكابر، يضر نفسه قبل أن يضر النظام الذي يعارض؛ حصل كل ذلك رغم جائحة كورونا، وما تسببت فيه من إعادة لترتيب الأولويات، وإرباك للعديد من المسارات، وشح في الموارد اللازمة لتمويل أي خطة تنموية..

 إلا أن التهدئة السياسية لم تتجاوز التشاور الأولي، واللقاءات الخجولة، وتوشك أن تستنفد مفعولها، إن لم تكن قد استنفدته؛ والأداء الحكومي يتراوح في عمومه بين الضعف والتوسط مع القليل من الأداء النوعي.

 

يمكن القول إن الرئيس غزواني قد قلب كفة الشر ـ حتى الآن ـ وإن كانت أغلقت على بعض المظالم السابقة لعهده، إلا أن توليه للسلطة يجعله يتحمل المسؤولية عن استمرارها (مظالم طلاب التعليم العالي عموما، وإغلاق الجمعيات الخيرية والمعاهد التعليمية، والقمع المستمر للاحتجاجات السلمية..)

لكن في المقابل لا تزال كفة الخير تنتظر بصبر نافد بعض الأداء النوعي، الذي يحرك روتين العمل الحكومي الرتيب؛ والذي يشبه في رتابته أداء حكومات تصريف الأعمال، التي تحافظ على الموجود وتلزمه دون تطوير ولا إبداع..

وفي واقع كواقعنا وبلد كبلدنا يعاني الشعب فيه من الفقر والبطالة وغلاء المعيشة وتردي الصحة والتعليم وغيرها من الخدمات الأساسية؛ ويعلق الكثير من الأمل على رئيس منتخب، حمل شعار "الوفاء بالعهد" واختار طريق "الإجماع الوطني".. في واقع كهذا لن يستطيع أن يخمد جوعة الشعب، ويواكب حجم انتظاراته الأداء المتسارع الذي يقلب الواقع السيئ بثورية ومضاء، فكيف بالأداء الروتيني الرتيب والمكرر.

 

والخلاصة أنه يمكن للمتابع أن يرى بوضوح، وقد مضى ما يقارب ثلث المأمورية، أن الرئيس غزواني يمتلك رؤية للإصلاح واضحة، تسندها إرادة صادقة، و أنه قدم أداءً سياسيا متميزا، ولكنه في المقابل، عجز عن تقديم أداء تنفيذي نوعي، فأداء حكومتيه في مجمله مقبول متوسط، غلب عليه البطء في الإجراءات، والرتابة في الحلول المقدمة؛ وهو أمر لا يبشر بالكثير في واقعنا السيئ. فهل يستدرك الرئيس الخلل قبل فوات الأوان؟ فيصحح الأخطاء، ويحيي الأمل من جديد.

 

ثلاثاء, 09/02/2021 - 14:57