"حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" مطية لمجازر الإبادة في غزة

زرعت بريطانيا نبتة دولة الاحتلال في أرض فلسطين، على قاعدة عطاء من لا يملك لمن لا يستحق، وتولت أمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا والدول الغربية الأخرى رعاية تلك النبة الخبيثة وتواصوا بالتنافس بتزويدها بكل أشكال الدعم الذي تحتاجه أو لا تحتاجه..
كفروا بالقوانين التي وضعوها والقيم التي ادعوها في سبيل "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها".
أسسوها بقرار من الأمم المتحدة فكفرت هي بقرارات الأمم المتحدة ولم تنفذ منها قرارا واحدا لأنها محمية بالفيتو الأمريكي والدعم السياسي الغربي ، فقد استخدمت الولايات المتحدة الفيتو عشرات المرات لإبطال القرارات التي قدمت لمجلس الأمن ضد دولة الاحتلال مع أن بعض تلك القرارات كانت مجرد إدانة او مطالبة بأمور بسيطة..
كل ذلك يهون في سبيل "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها".
قتلت دولة الاحتلال عشرات الآلاف من الفلسطينيين والعرب وشردت الملايين من بيوتهم ومن أوطانهم وكل ذلك مقبول في سبيل "حقها في الدفاع عن نفسها" وفق القاموس الغربي.
احتلت أراض عربية مصرية وسورية وأردنية ولبنانية بعد استكمال احتلال ما تبقى من أرض فلسطين التاريخية وكل ذلك مباح في سبيل "حقها في الدفاع عن نفسها"..
اختطفت وأسرت أكثر من مليون فلسطيني وعربي منذ تأسيسها ، وكل ذلك يدخل في "حقها في الدفاع عن نفسها".. حسب المفهوم الأمريكي والغربي..
استباحت "سيادة" معظم الدول العربية ، فبعد دول الطوق، ضربت في العراق وفي تونس  وفي السودان وفي غيرها.. والأمر مجرد "حق في الدفاع عن النفس"..  
ونفذت دولة الاحتلال آلاف عمليات الاغتيال في فلسطين وفي لبنان والأردن والعراق وسوريا وتونس والإمارات وماليزيا وفي دول أوروبية وكل ذلك ضمن "حقها في الدفاع عن النفس"...
امتلكت مئات الرؤوس النووية بدعم غربي خفي وعلني ، بينما تقوم دنيا الغرب ولا تقعد إذا حاول اي بلد عربي أو مسلم الحصول على أي سلاح للردع ويحاصر وتفرض عليه العقوبات الشديدة لأنه يهدد أمن دولة الاحتلال..
لم تلتزم  دولة الاحتلال باتفاقيات أوسلو التي عقدت برعاية أمريكا لمصلحة إسرائيل التي أعلنت رفضها الكامل لإقامة دولة فلسطينية حتى على الكيلومترات  الفائضة عن حاجة المستوطنات، لأن ذلك يدخل في "حقها في الدفاع عن نفسها"..
وجاءت معركة طوفان الأقصى التي كشفت هشاشة دولة الاحتلال فتقاطر زعماء الغرب مجتمعين ومنفردين وأعلنوا دعمهم الكامل لدولة الاحتلال في "حقها في الدفاع عن نفسها"، فضاعفت أمريكا وألمانيا وبريطانيا وغيرها من الدول الغربية صادراتها من الأسلحة الفتاكة إلى دولة الاحتلال لإبادة سكان غزة أطفالا ونساء وشيوخا وعجزة دعما ل "حق دولة الاحتلال في الدفاع عن نفسها"..  
وبعد شهور من الإبادة المنظمة للسكان العزل ارتفعت الأصوات من بعض المنظمات الإنسانية مطالبة بوقف إطلاق النار في غزة  فاعترضت أمريكا وبريطانيا وألمانيا  ودول غربية أخرى والاتحاد الأوروبي بحجة أن ذلك سيكون في مصلحة حماس.. وأنه من " حق دولة الاحتلال الدفاع عن نفسها"..
اقتحم جيش الاحتلال المستشفيات ودمرها وقتل الأطباء والكوادر الطبية واعتقل من تبقى وقتل المسعفين وطواقم الدفاع المدني وقتل واعتقل الصحفيين ودمر كل مظاهر الحياة في غزة، ولم تر أمريكا ودول الغرب التي تدعي احترام حقوق الإنسان والقوانين الدولية، لم تر في ذلك سوى "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"..
ومن آخر فصول "حق دولة الاحتلال في الدفاع عن نفسها"، المحرقة التي ارتكبها جنودها في مجمع الشفاء الذي أحرقوه ودمروه وأخرجوه عن الخدمة بشكل كامل كما فعلوا مع معظم المستشفيات والمرافق الصحية في القطاع.
اعتقل جنود الاحتلال الآلاف من أبناء الضفة والقطاع نساء وأطفالا ورجالا وعرضوهم لأبشع أنواع التعذيب من تجريد من الملابس وضرب وسحل وتحرش واغتصاب ومنع الأكل والشرب والنوم .. فضلا عن الإعدامات الميدانية والقتل تحت التعذيب..
عندما يقتل جنود الاحتلال بدم بارد رجلا أصم وأعزل مع أنه لوح لهم بيده ليطلب منهم عدم قتله، فذلك من الدفاع عن النفس.
وعندما تعدم مسيرة للاحتلال أربعة مدنيين عزلا من السلاح فذلك من الدفاع عن النفس..
وعندما تقتل قوات الاحتلال شابين أعزلين يحاولان العودة إلى منازلهم في غزة وتجرفهم مع القمامة، فذلك من الدفاع عن النفس...
وعندما يقتل جيش الاحتلال المئات من المدنيين الذين تجمعوا أملا في الحصول على كيس طحين لإطعام أطفالهم فذلك من الدفاع عن النفس..
وعندما تجرف آليات الاحتلال المقابر وتعبت برفات الشهداء فذلك يأتي ضمن الحق في الدفاع عن النفس..  
  كل ذلك يقبله الغرب لأنه يدخل ضمن "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها".. حسب الرؤية الغربية.
أمرت محكمة العدل الدولية بتدابير تدعو دولة الاحتلال لحماية المدنيين وإدخال المساعدات لسكان غزة الذين قتلتهم بالجوع بعد أن قتلتهم بالأسلحة الأمريكية والغربية.. لم تمتثل دولة الاحتلال لأمر المحكمة لأن الذي يحدث في غزة ليس إبادة جماعية وإنما هو ممارسة إسرائيل لحقها في الدفاع عن نفسها وفق المنطق الأمريكي..
استخدمت الولايات المتحدة الفيتو أربع مرات لإجهاض مشاريع قرارات لمجلس الأمن تدعو لوقف إطلاق النار لكي لا تؤثر تلك القرارات على "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس"..
وأكملت أمريكا، بعد صدور القرار الأخير الذي يدعو لوقف إطلاق النار لمدة محدودة، إلى تقديم تفسيرها الذي ترى بموجبه أن القرار غير ملزم..
وبعد أن بلغت عملية الإبادة الجماعية حدا لم يعد بالإمكان تجاهله ظهرت تصريحات إعلامية لبعض الزعماء الغربيين يدعون دولة الاحتلال للتخفيف من عدد القتلى المدنيين، بمعنى أنهم ليسوا ضد المبدأ، إنما يريدون عددا أقل من القتلى حتى لا تزداد المظاهرات الشعبية في الغرب دون أن ينسوا التذكير بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"..
زار بلينكن بعض العواصم العربية ٧ مرات على الأقل منذ بداية عدوان التحالف الغربي على غزة ليذكر ب"حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" ويجدد وقوف الولايات المتحدة إلى جانب دولة الاحتلال.
أصبح شغل الزعماء الغربيين الشاغل هو التركيز على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها واتهام من يظهر اي تعاطف مع أطفال ونساء غزة بأنه يعارض حق دولة الاحتلال في الدفاع عن نفسها. كما أصبحت مهمة الإعلام الغربي الأساسية هي إدانة حماس واتهام من يرفض إدانتها بمعاداة السامية..
  قتلت دولة الاحتلال وأصابت إصابات بليغة أكثر من مائة ألف فلسطيني اي حوالي 5% من سكان غزة ودمرت كل مظاهر الحياة في غزة ولم ير الغرب في ذلك سوى حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وأن الذي يتحمل مسؤولية هذا العدد الكبير من الشهداء والمصابين هو حماس لأنها تستخدم الأطفال والنساء دروعا بشرية.. وفقا للرؤية الغربية.
وبعد كل هذه الأعداد الضخمة من الضحايا وهذا الحجم الكبير من الإبادة البشرية فإن جون كيربي ليس متأكدا من أن إسرائيل تتعمد قتل المدنيين.. والخارجية الأمريكية ترى أن إسرائيل لم تتجاوز القوانين الدولية..
وحتى عندما قتل جيش الاحتلال  فريق الإغاثة التابع للمطبخ المركزي العالمي وهم من جنسيات بريطانية وأسترالية وبولندية كانوا في مهمة إنسانية في القطاع لم تخرج تصريحات المسؤولين في هذه الدول عن بعض العبارات المعتادة لرفع العتب دون أن يؤثر ذلك على دعمهم "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها "..
ولم يكتف الغرب بالاستماتة في دعم "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" بل إنه سلب ذلك الحق من الفلسطينيين وصنف العمل المقاوم ضد المحتل الذي تكفله كل القوانين والشرائع، إرهابا .. واكمل الصهاينة بتصنيفهم حيوانات وسكت الغرب عن ذلك التصنيف سكوت قبول ورضا..
أما العرب والمسلمون فهم، أو بعضهم، في سبات عميق ومن "استيقظ" منهم يتآمر أو لا يبالي أو يسحب نفسه لكي لا يعيق  ممارسة  إسرائيل ل "حقها في الدفاع عن نفسها "..
فمتى نجد عربيا أو مسلما غيورا وحريصا على حق أهل غزة وأهل فلسطين في الدفاع عن أنفسهم كحرص الغرب على "حق المحتل المغتصب في الدفاع عن النفس" ضد ضحاياه؟

أربعاء, 03/04/2024 - 15:34