العدوان على غزة: ما هي أهداف التحرك الأمريكي

عرفت البشرية على مدى التاريخ ومر العصور حروبا طاحنة ومجازر دموية خطيرة لكن حالة الإبادة الجماعية التي يتابعها العالم على الهواء وعلى مدار الساعة في غزة تكاد تكون لا مثيل لها في التاريخ. 
فالعدوان البربري الذي يتعرض له أهلنا في غزة يشترك فيه تحالف من الدول الكبرى على رأسها الولايات المتحدة التي تصرفت كما لو أن أهل غزة غزوا أمريكا واحتلوا أرضها.
وحالة غزة فريدة ليس فقط من حيث قوة وهمجية التحالف الدولي المشارك في العدوان بل أيضا بسبب صغر المساحة الجغرافية وحجم الكثافة السكانية وبسبب الحصار الخانق الذي يخضع له القطاع منذ ما يقارب 20  سنة، فبشق الأنفس تصلهم بعض المساعدات الغذائية التي لا تلبي الحد الأدنى من ضروريات الحياة فما بالك بالحاجي والتحسيني، أما الأسلحة فلا يأتيهم منها الا ما ترسله الولايات المتحدة وبقية أعضاء التحالف لإبادتهم.
وأكتملت حالة التفرد بطول الحرب إذ أنها هي أطول حرب وقعت بين الاحتلال والعرب .

 

من مآسي العدوان

يتابع العالم كما ذكرنا تفاصيل المأساة التي يتعرض لها أهلنا في غزة ونذكر هنا ببعض الأرقام والقصص الفردية التي تعطي جانبا محدودا جدا من هذه الكارثة المرعبة:
- ارتقاء ما يقارب 40 ألف شهيد بمن فيهم الذين علقوا تحت الأنقاض، معظمهم من الأطفال والنساء.
- سقوط أكثر من 60 ألف جريح 
- أكثر من 25 ألف يتيم
- 17 ألف طفل انفصلوا عن ذويهم
- اعتقال الآلاف من سكان غزة من بينهم الأطفال والنساء والمرضى مع إعدامات ميدانية لبعض الأسرى فضلا عن التعذيب الوحشي الشديد، حسب شهادات بعض الذين أطلق سراحهم، هذا مع شح المعلومات عن أسرى غزة لأن الاحتلال يعتقلهم في معتقلات سرية، ويعاملهم بصفتهم حيوانات كما صرح قادته في بداية العدوان
- اعتقال حوالي 7  آلاف شخص من الضفة الغربية   
- تهجير أكثر من مليون ونصف مواطن من مساكنهم
 - تدمير أكثر من 70% من مساكن القطاع
- تدمير البنى التحتية في القطاع
- تدمير المنشآت الصحية والتعليمية
وعلى المستوى الفردي فلكل فلسطيني في القطاع قصة تدمي القلب ونذكر هنا بنماذج محدودة من هذه المآسي:
- افراد أسرة الطفلة هند رجب (6 سنوات) الذين قصفت قوات الاحتلال سيارتهم فاستشهدوا جميعهم باستناء هند وابنة خالها ليان (12 سنة) التي اتصلت بالاسعاف وظلت تكلمهم لطلب النجدة إلى أن استشهدت هي أيضا وسمع العالم صرختها المؤلمة وبعدها استمرت الطفلة هند في التواصل مع الإسعاف وهي تنزف وبعد ساعات من محاولات الإسعاف والهلال الأحمر الفلسطيني تم التنسيق بين الصليب الأحمر  والاحتلال لإرسال مسعفين إلى الطفلة هند وأسرتها ثم انقطع الاتصال بهند وبالمسفعين وسجلت والدة الطفلة رسالة صوتية تناشد العالم للبحث عن ابنتها. وبعد 12 يوما عثر على الطفلة وأسرتها والمسعفين وقد استشهدوا جميعهم بنيران قوات الاحتلال التي غدرت بهم كما غدرت بعشرات الآلاف من سكان غزة. 
- تلك الطفلة التي كانت تبكي تبحث عن امها بين الشهداء حتى تعرفت عليها وقالت عرفتها من شعرها..
 -  الأسرة التي استشهدت والدتها في قصف للاحتلال وبقي الأطفال وحدهم ، بعد أن استشهد والدهم في طريق النزوح ، فأصبح الإبن الأكبر وعمره  حوالي 12 سنة هو الذي يرعاهم في خيمة متواضعة فهو الذي يحضر الحليب لشقيقته الصغرى التي لا يتجاوز عمرها 6 أشهر.
-  اعتقال وتعذيب اعداد كبيرة من الكادر الطبي في القطاع ومنهم مدير مستشفى الشفاء الدكتور محمد أبو سلمية، الذي كسر جيش الاحتلال يديه وقدميه ، وأجبروه على المشي على أربع وفي رقبته سلسلة يجرّونه بها أمام الناس، وعلى هذه الحالة يأكل، وذلك انتقاما منه لأنه رفض إخلاء المستشفى ورفض أن يخرج ويترك مرضاه.

 

إيمان وثبات وصمود

 
كم من مرة شاهدنا الرجال والنساء والأطفال وقد فقدوا كل أفراد أسرهم وبعضهم أخرج من تحت الأنقاض وهم يكررون : الحمد للّه،  سنبقى صامدين على أرضنا ، لن نرحل .. وجددت هذه الصورة بشكل أوضح عندما أقام أهل جباليا صلاة الجمعة ، الأسبوع الماضي، لأول مرة منذ بدء الحرب العدوانية على غزة، أقاموا الصلاة في مكان مفتوح بين المساجد المدمرة والمباني المهدمة. 
البحث عن هدنة ام عن التطبيع وإنقاذ دولة الاحتلال
أصر الاحتلال ومعه أمريكا وبعض دول العدوان في الغرب على مواصلة الحرب حتى تحقيق الأهداف التي أعلنها نتنياهو بحجة أن وقف الحرب سيكون في مصلحة حماس.
ولكن بعد أن طالت الحرب ظهرت "إنسانية" بعض المسؤولين الأمريكيين و"أبدوا" اهتماما بما اسموه هدنة ممتدة لتحرير " الرهائن" وتقديم المزيد من المساعدات الإنسانية.
والواقع أنهم لم يتحركوا رحمة بأهل غزة أو وشفقة عليهم إنما لحسابات تتعلق بالضغط الشعبي ضد الحرب في أمريكا وخوف الإدارة الأمريكية من أن يخسر بايدن الانتخابات بعد تآكل شعبيته بشكل ملحوظ.
ولكن ما يحركهم أيضا هو هو حرصهم على مصلحة دولة الاحتلال نفسها وحمايتها من نفسها.  
وفي سياق خدمة دولة الاحتلال جاء بلينكن إلى المنطقة مسوقا ل"حل الدولتين" تسويقا ظاهره البحث عن السلام وحقيقته تشجيع التطبيع.
ووصل الأمر بجون كيربي إلى محاولة إحراج المملكة العربية السعودية، فقال إجابة على سؤال عن فرص تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل : “كنا قبل السابع من أكتوبر، وما زلنا، نجري مناقشات مع شريكتينا في المنطقة إسرائيل والمملكة العربية السعودية في محاولة للمضي قدما في اتفاق لتطبيع العلاقات بينهما وهذه المناقشات تسير على ما يرام. لقد تلقّينا ردود فعل إيجابية من الجانبين”.
لكن رد المملكة كان واضحا في رفض التطبيع قبل انتهاء العدوان على غزة وانسحاب قوات الاحتلال من القطاع والاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس، كما جاء في بيان سعودي رسمي:
 «صرَّحت وزارة الخارجية، أنَّه فيما يتعلَّق بالمناقشات الجارية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، بخصوص مسار السلام العربي - الإسرائيلي، وفي ضوء ما ورد على لسان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي بهذا الشأن، فإنَّ وزارة الخارجية تؤكد أنَّ موقف المملكة العربية السعودية كان -ولا يزال- ثابتًا تجاه القضية الفلسطينية، وضرورة حصول الشعب الفلسطيني الشقيق على حقوقه المشروعة، كما أنَّ المملكة أبلغت موقفها الثابت للإدارة الأمريكية أنَّه لن يكون هناك علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ما لم يتم الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلَّة على حدود عام 1967م، وعاصمتها القدس الشرقية، وإيقاف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزَّة، وانسحاب كافة أفراد قوات الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزَّة.
وتؤكد المملكة دعوتها للمجتمع الدولي -وعلى وجه الخصوص- الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، التي لم تعترف حتَّى الآن بالدولة الفلسطينية، بأهميَّة الإسراع في الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود 1967م، وعاصمتها القدس الشرقية؛ ليتمكن الشعب الفلسطيني من نيل حقوقه المشروعة، وليتحقق السلام الشامل والعادل للجميع».

فما يهم الإدارة الأمريكية أساسا هو مساعدة دولة الاحتلال على تحقيق أهدافها بالطرق السلمية بعد أن عجزت عن تحقيقها عسكريا ، وإلى هذا المعنى يشير الكاتب السعودي عدنان كامل صلاح في مقاله المنشور  في جريدة المدينة بتاريخ  5 فبراير 2024 تحت عنوان: البحث عن حل ينقذ إسرائيل:
(ما يجري الآن على ساحة الشرق الأوسط؛ هو البحث عن حل ينقذ إسرائيل من الفلسطينيين وليس العكس. قتلت إسرائيل ما يقرب من ثلاثين ألف فلسطيني في غزة والضفة الغربية، وجرحت عشرات الآلاف من الفلسطينيين، ودمرت مدن قطاع غزة، وشردت أهلها وجوعتهم. ومضى أكثر من مائة يوم من المعارك داخل القطاع، ولا تزال (حماس) قادرة على الصمود والحفاظ على جزء لا يستهان به من قدراتها القتالية، والتصدي للجيش الإسرائيلي، وإنزال الضربات بجنوده ومعداته).

التهديد باجتياح رفح 

بعد أن هجرت دولة الاحتلال معظم سكان قطاع غزة قسرا إلى  رفح اطلق قادتها تصريحات متتالية معلنين عن نيتهم توسيع العدوان ليشمل رفح لإكمال عملية الإبادة  الجماعية التي مارستها بشكل منهجي في شمال القطاع ووسطه وجنوبه، وحصلوا لذلك على ضوء أخضر من أمريكا التي دعت نفاقا لتأمين سلامة المدنيين ، وكيف تؤمن دولة الاحتلال سلامتهم وهي التي ارتكبت سلسلة من المجازر ضدهم في كل أنحاء القطاع فكيف إذا تعلق الأمر في مساحة ضيفة تتركز فيها كثافة سكانية كبيرة؟. 
وهنا تقع المسؤولية على الولايات المتحدة بصفتها الدولة الراعية والممولة لهذا العدوان، تقع عليها مسؤولية منع المجازر التي تخطط دولة الاحتلال لارتكابها بحق السكان المدنيين العزل المحشورين في رفح.
وتقع المسؤولية أيضا على الشقيقة الكبرى مصر التي أعلنت أنها تعارض تهجير سكان القطاع إلى سيناء لكن مسؤوليتها اكبر بحكم روابط الرحم والدين والجيرة فضلا عن المسؤولية الأخلاقية والسياسية ومتطلبات القانون الدولي . فإذا هاجم الاحتلال قطاع غزة وسكانه وحاصرهم فيتعين على مصر وجوبا حمايتهم ورفع الحصار عنهم وعدم تركهم بين عدو يلاحقهم وجدار فولاذ لا منفذ فيه، ويتعين الأمر أكثر إذا اعتدى الاحتلال على رفح لأن ذلك يمس سيادة مصر وبأمنها القومي بشكل مباشر، وأمن القطاع كله من أمن مصر.
اللهم انصر من نصرهم واخذل من خذلهم..
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

اثنين, 12/02/2024 - 20:31