موريتانيا ونظام الآبارتيد

الآبارتيد APARTHEID عبارة من لغة الآفريكانز l'Africaans، لسان الأقلية البيضاء ذات الأصول الهولندية التي كانت تحكم جنوب إفريقيا، وتعني "التنمية المنفصلة" وهي سياسة تمييز جائرة كانت منتهجة في جنوب إفريقيا قبل أن يتم إلغاؤها سنة 1991 وتقضي بتقسيم مناطق إقامة المواطنين باعتبار انتمائهم العرقي ومنح الحقوق تبعا لذلك حيث كانت للمواطن الأبيض ذي الأصول الأوروبية أحياؤه وحقوقه ومزاياه التي تربو وتختلف جذريا عما للأغلبية السوداء ذات الأصول الإفريقية التي كانت مضطهدة ويعد المنحدرون منها مواطنين من الدرجة الثانية على الرغم من أن نسبتها تناهز ثلثي سكان البلاد. وما يتعين إدراكه أن نظام الآبارتيد مختلف جذريا عن ممارسة الرق. 

وبعكس إفادة الأستاذ/ برام الداه اعبيدي في تصريحه المتداول، الذي يبدو أنه سجل في جنيف يوم 18 فبراير 2020، لم تعرف موريتانيا نظاما شبيها بنظام الآبارتيد فالمواطنون بجميع ألوانهم يتقاسمون ذات المناطق السكنية ويقيمون حيث طاب لهم دون قيد أو شرط كما كان آباؤهم وأجدادهم يتحركون في نفس المجال الجغرافي. فقبل المستعمر، الذي أطل مع بداية القرن العشرين، لم تعرف ساكنة البلاد سلطة تهب الحقوق وتقيدها وكان أغلب ساكنة أرض موريتانيا رحلا يمارسون التنمية الحيوانية كنشاط رئيسي ويضربون في أرض الله الواسعة ويقيمون خيامهم مؤقتا حيث يتوفر الكلأ في انتظار الرحلة الموالية التي تحددها مساقط الغيث.. ولئن أقام بعض السود تجمعات خاصة "آدوابه" يقيمون فيها فقد كان ذلك بمحض إرادتهم ودون إكراه.. وبعد قيام الدولة المستقلة حديثا (1960) وإثر موجة الجفاف التي تلتها إبان السبعينات والتي نجم عنها هلاك جل الماشية نزح المنمون، الذين أصبحوا معدمين في الغالب، إلى المدن وتجمعوا في "الكبات" وأحياء الصفيح التي كانت تطوق مدن انواكشوط وانواذيبو وازويرات وكانت تلك الأحياء الحضرية الفقيرة مأوى للموريتانيين من مختلف الألوان والأعراق حيث كنت شخصيا أحد ساكنتها إبان طفولتي كما بينت في مقال "عزاء زينب" (الرابط في التعليق الأول).

ولا مناكرة في أن ساكنة موريتانيا عرفت الرق الذي مارسته مختلف مكونات المجتمع سواء كانت من أصول عربية أو إفريقية وأعتقد أن جيوبا محدودة من الظاهرة المشينة والظالمة لا تزال محصنة بعيدا عن مناطق الوعي ومراكز السلطة وأن من واجب الدولة أن تقتفيها وتقضي عليها.

ومهما كانت آثار الظاهرة (...) إلا أن النظام الموريتاني لا يفرض أي تمييز على أساس اللون. صحيح أن ثمة اختلالات تجب مواجهتها فالفرص غير متكافئة أمام المواطنين ووظائف الدولة وخدماتها تفتقر لمعايير منصفة وشفافة لكنها على كل حال ليست على حساب لون أو عرق معين ولا لصالح آخر.. وتلك حكاية أخرى

خميس, 20/02/2020 - 20:45