مناهضة الفساد.. الإشكالية الأخلاقية*

أبانت حادثة الأستاذ محمد باب سعيد والموظف اسلم ولد عبد القادر عن عمق التباين في تقدير والتقيد بالمحدد الأخلاقي في أدوات مناهضة الفساد، وأن القفز على المحدد الأخلاقي لا يقتصر على الذين جعلت منهم وسائط التواصل الاجتماعي أئمة يهدون على قدر هديهم، والذين قد نتوقع عدم إدراكهم لبعض أبعاد المحدد الأخلاقي وأهميته، بل يشمل شطرا من النخبة العلمية بل والثقافية.

 

إن مناهضة الفساد سند لمحاربته، بل محرك لها، وهي بذلك ضرورة تنموية وغاية نبيلة، تهدف لتحقيق مصلحة جماعية بينة، ولكن اعتبار ذلك في حد ذاته يجعل جميع أدواتها أخلاقية بالضرورة "نفعية أخلاقية"، أي أننا نكون عندها اعتبرنا أن تعظيم المصلحة الجماعية يحدد أخلاقية الفعل، وأنها -أي أخلاقية الفعل- منفصلة عن طبيعته، تحددها بشكل كلي نتائجه المتوقعة، في حين أن لكل فعل مركبة أخلاقية ذاتية منفصلة تماما عن نتائجه، وأن هذه المركبة قد تكون سالبة، فإذا كانت كذلك تعين أخلاقيا العزوف عنه، أو التعامل معه لتحييدها، قبل النظر في نتائجه المنتظرة. وهذا لا يعني أن النتائج المتوقعة للفعل ثانوية من الناحية الأخلاقية، بل يعني فقط أن النظر فيها لاحق لتحييد المركبة الأخلاقية الذاتية إذاكانت سلبية.

 

صحيح أن هذا قد يبدو مثالية أخلاقية بل هو كذلك، ولكن العجز عن بلوغه قصور بشري وليس بطولة. ولا غرابة أن تطفو المثالية حين نتحدث عن الأخلاق، لأن الأخلاق بطبيعتها مسار تصعّد من الحاضنة الحيوانية للمنطق العقلي جوهره مغالبة الأنا والغرائز وتطاول للأمثل. 

 

تشكلت المركبة الأخلاقية السلبية للحادثة من عناصر ثلاث :

• الاستدراج -باعتراف فاعله- وهو تنقيب في غياهب النفس البشرية لاستفراز كدرها

• تكييف تهمة الرشوة، وهي في أحسن الأحوال في هذه الحالة التماس أسوأ المخارج للآخر

• التشهير وتسليم أعراض الناس للقضاء الإعلامي

 

في العصر الحديث، قدمت "الأخلاقية الذاتية للفعل" للمستضعفين في كثير من أنحاء العالم أكثر مما جنوا من نضالاتهم، لأنها انتصبت في ظروف متعددة جدارا نفسيا ومجتمعيا بين المتغلبين وبعض ما يملكون من أدوات القهر والتسخير. إننا خلافا لما نرجوه، بهدم بقية السور الأخلاقي نشد مخنقة المستضعفين. لامناص من التقيد بأخلاقية الأدوات في مناهضة الفساد، لأن الأخلاق قبل كل شيء غاية في حد ذاتها، ولأن خلاف ذلك سيثمر نتائج عكسية، لأن الأخلاقية كانت وستظل أمضى أسلحة نصرة المستضعفين، ولأن التملص منها يبرر التملص منها في مزايدة  في اللاأخلاقية نتائجها محسومة مسبقا لمصلحة المتغلبين.

 

وفق الله وأعان

د. م. شماد ولد مليل نافع

--------------------------

 

* سعيا لمتناولية تقدم من شعب الفصل الأخلاقي، وتتجنب السرد والتشعب المعقد للمفاهيم، والإطالة،إيصالا للفكرة الأساسية للبعد الأخلاقي إلى أكبر قدر من المهتمين بمناهضة الفساد

سبت, 12/11/2022 - 23:59