الكرنفال السياسي...

مارس محمد خونه ولد هيداله الزيارت المفاجئة للأسواق، وحذر بصورة مباشرة من المضاربات والاحتكار، وهدد بالعقاب...كانت بدايات مرتجلة وذلك ما جلب لها بعض النفع...ودشن مباغتة الوزراء والموظفين الكبار في مكاتبهم فاضطربوا، وارتعشوا خوفا وطمعا، وفي هذا نفع لخلوها من المواكب، والتحضيرات، وصار غول الرئيس منتظرا في أي وقفت وفي أي مرفق حكومي...ثم بدا له أن يتمطط، فدشن فكرة الكرنفال الذي تحول إلى استعراضات شكلية، ومواكب جرارة، ترهق الشعب، وتستنزف أموال الدولة...
شغل الناس بقرار تطبيق الشريعة، ونظام هياكل تهذيب الجماهير، والتطوع لبناء قصر الشعب، والدعوة إلى التقشف، وشارع الرابع والعشرين، وحملات التنظيف، وابريكه ول امبارك  وشاعت مقولة: الغذاء مقابلَ العمل وحار الناس في إعراب مقابل وموجب نصبها، قال البعض إنها نائب عن المطلق، ورأى غيرهم بتأويلات أخرى غير ذلك...
غنت له الراحلة ديمي منت آب بصوتها العذب الرخيم: الهياكل ضمان تهذيب الجماهير(وهو من أروع ما غنت)...ومحمد خون ول هيداله كيف الرجاله، ونكت بعض الانواكشوطيين على هذه الكلمات، لوجود امرأة غريبة تسكن قرب السوق تسمى الرجاله، وغنت له نشيد التقشف، ومن كلماته: ماهي معقول حك اكبال يتقشف رئيس الدوله، وبعض الناس ابذر فموال الدوله ماهي معقوله...
وفي عهده أفلست الدولة، وارتفعت الأسعار، وملأ السجون بالناصريين، وتفشى الذعر، وراجت بضاعة المخبرين السريين، وخاف الأبرياء من تلفيق ما يسمى الفجور السياسي في حق الزعيم..
خبا نجمه، وانطمس ذكره، زوال الأربعاء الثاني عشر من دجمبر 1984 بينما كان  صاحبنا يستعد للذهاب إلى إعدادية البنين لتقديم درس: عمل اسم الفاعل، وقد فعل...

اتخذ الكرنفال الرئاسي مع معاوية شكلا آخر، وتحول إلى مواكب وأرتال جرارة، كالحرائق ما مرت على قوم إلا محقتهم مادة وأخلاقا، وأنهكت موارد الدولة...
كان إذا خرج لتفقد أحوال الرعية كما تروج البطانة، خرجت معه الدولة، بأثريائها، وأباطرة فسادها، وحجبوا عنه البؤساء المقصودين، بخنق أصوات النخب الفكرية المعزولة عن المشهد السياسي وموائد المتخمين..
وفيها ولد عصر النفاق، وتأليه الرؤساء، والصراعات القبلية، وتفاحش استبداد الساسة، واستغلال النفوذ لتنمية رؤوس الأموال السياسية...ونما في عفنها ما دعاه الناس لاحقا (بشمركه) الصحافة، والنسخ الرديئة من المنافقين، والأنصار، والمهاجرين...
رغم مسلسلات المحن والإحن،
سمعت أذن معاوية من الثناء والتمجيد ما لم تسمعه أذن المعز والرشيد، سمعه من عامة الشعراء وخاصتهم، وخاصة خاصتهم، سمعه من فقهاء الشعراء، وشعراء الفقهاء...فهوى الشعر إلى الحضيض، وصار أداة رخيصة للترفيه، وتبرير أخطاء الحكام...
في عهده ألف المثقفون الكتب في تمجيده، وحسن صناعته السياسية، وسئم الناس الإذاعة الوطنية والتلفزيون الرسمي الذين نبت فيهما أساتذة التأليه، ومنظرو التزمير كما ينبت الشجر في جوف الوادي الخصيب...
وما زالت الأمة الموريتانية إلى يوم الناس هذا تعاني من لعنة الكرنفال بأحداثه وحوادثه وأحاديثه الخارجة عن سياق المعقول والمنطوق...
فشا الكرنفال فشو التفاهة، وتمدد تمدد جيوب الفقر، وأحياء البؤساء، وطوابير معيلات الأسر سحرا أمام محلات بيع السمك الرخيص...
وعلى كل يبقى بمبم كرنفال الأحلى، والألصق بذاكرة أجيال العقدين الأخيرين من القرن العشرين.

أحد, 06/11/2022 - 16:58