وهْمُ "وخيرت"..!

عندما يقول لك الناس من أنت؟ وتجيب: فلان ابن فلان، و يردون عليك "وخيرت" لا تنتفخ كبالون مطاط، فإنهم لا يعنونك، إنهم يرونك في جلباب جدك...
لعل ضارة نظام الحالة المدنية اليوم نافعة، هي ضارة تلغي انتساب المعني إلى جده وإن دنا، وهي نافعة لأنها تنسب الفرد إلى أبيه المباشر بدل جده وإن علا...
ظل كثير منا يتجاوز في انتسابه آباءه الأقربين، ليلتصق بجد بعيد اكتسب بعمله، وعلمه، وأخلاقه قيما سامية أحلته رتبا عالية...
و لهذه الظاهرة لا شك مزية تقوية العلاقة الرحمية وإحيائها حتى يبقى أبناء العمومة عائلة واحدة، إخوة في الذكر، وفي ذلك من منافع المحافظة على النسب وصلة الرحم ما لا يخفى..

ومنها ظاهرة "تعصيب" الولد أخواله لتقوية الارتباط بهم، فليس الرجل ابن أبيه فقط، وبه يشارك  في لوازمهم المادية، ويزدادون عددا، وقوة، وهيبة...

لكن "وخيرت" ثمرة لا يجنيها إلا من زرعها، وتعهدها بالسقي والرعاية، والصبر على الجهد والمشقة في صيانتها، والحفاظ عليها من الآفات والمهلكات.
ووهم كبير أن يظن المخاطبون بها ممن لا يملكون لها جالبا، ولم يبذلوا فيها جهدا أنهم معنيون بها، مستحقون لها انتسابا لا اكتسابا...

 صيت آبائنا كسب حققوه بجهودهم، تعلما، وتعليما، وكرما، وصدقا، وشجاعة، وتواضعا، وغير ذلك من معاني النبل والتميز، ولا ينبغي أن نجعل من كسبهم نسبا لنا، ونحوز به ما ليس لنا بحق، ونحل بالمقام الذي لسنا له بأهل، فكم علا ذكر إنسان وخبا ذكر ابنه وشقيقه..
و في هروبنا عن آبائنا المباشرين شبه تعمد لإخفائهم، وعدم الرضى بهم، وفي ذلك شيء من عقوق غير يسير...
إفلاس إذن أن نختزل أنفسنا ونعدمها لنحيا بروح ميت قد نجهل مكان قبره، وقبيح بنا أن نفر منا إلى قبر قد لا نذكره ولا نترحم على صاحبه إلا حين نختلس بتواطئ مع العامة، والأغبياء بعض صفاته وننتحلها ادعاء،  فقبول المغالطة جبن، وسرقة لشرف الآخر، وركوب بتذكرة الغير...
أخلاق آبائنا، وصفاتهم لا تنتقل إلينا بالوراثة، لأنها كسب خارج على الجين...هي صفات خُلقية لا تنزاح وراثيا، لصيقة بأصحابها، أما الصفات الخَلقية فمنزاحة وراثيا حتى إلى العاق... 
قيمة الإنسان الصحيحة هي ما ينجزه من جليل الأعمال، ويتصف به من عظيم الأخلاق، أي ما يحققه بالاكتساب، لا ما يدعيه بالانتساب.
فكم من حي يتنفس اليوم برئة ميت، ويأكل بجيب دفين..وكم من جبان يستأسد بلقب شهيد، وقزم يعلو بحجارة رمس...

أربعاء, 27/07/2022 - 19:34