تين يوسف كي: الأديب للجميع ويجب أن يكتب للجميع حتى يساهم في البناء

تين سوف كي أحد الأدباء الموريتانيين الذين امتلكوا زمام التعبير باللغة الفرنسية، وقد أسهم في تغذية الأدب، فكتب القصة والمسرحية ونظم الشعر.
وللتعريف به أكثر، فهو من مواليد سنة 1928 في أحد أحياء الولاية الرابعة.
درس في المدارس النظامية وتنقل في عدة وظائف، من مدير ديوان وزير المالية إلى عضو في البعثة الدائمة للجمهورية الاسلامية الموريتانية في الأمم المتحدة، إلى عمله في وزارة الثقافة.

اتصلت به جريدة الشعب في المقابلة التالية:

الشعب: بوصفكم رجل أداب وقد تناولتم من كل المسارح الأدبية: القصة القصيرة، المسرحية، الشعر.. ألخ، فهل يمكننا بالتحديد معرفة ما هي كانت الحوافز التي أدت بكم إلى اختيار مثل هذا النشاط؟  

تين يوسف كي: إن حافز كل كاتب كما هو الحال بالنسبة لكل مهنة هو الهواية، أو يجب أن يكون الهواية، إن حافزي الأساسي إذن هو أن أكتب، كما أن هناك عوامل أخرى قد ساهمت في توطيد نزعة الكتابة لديّ من بينها أني كنت دائماً خلال دراستي متفوقا في المادة الأدبية. وبالنسبة لي قد كانت الظروف الخارجية، إضافة إلى الانتهاك مما بعثني على الكتابة، فلما لاحظت تقطيع الأراضي الصالحة للزراعة ومشاكل الوراثة الناجمة عنه، أخذت أكتب أولّ تأليف لي هوّ "أسباب وعواقب الملكية الصغيرة في فوتا تورو" وقد كتبت هذا البحث سنة 1945 ونشر سنة 1957.

الشعب: إن العالم الحالي يعيش عصر التكنولوجيا هل يمكن في رأيكم للكاتب في العالم الثالث، أن يلعب دوراً فعالاً في مهمة التنمية  كالدور الذي يلعب المهندس في الزراعة أو المعادن مثلاً؟ 

تين يوسف كي: أجل ذلك اعتقادي، فالكاتب في بلادنا السائرة في طريق النمو يمكنه ويجب عليه أن يشارك في المجهود العام للتنمية ولاشكّ أنه لا يمكن لعمله أن تكون له أثار سريعة وفعالة كتلك التي يخلفها عمل المهندس، لكن عمل الكاتب يكتسي أهمية بالغة حيث رسالة أو مجموعة رسائل بإمكانها أن تساعد في توعية المواطنين وتعزيز ثقتهم في أنفسهم، وفي هذا المضمار هناك عدد من المواضيع المحددة من شأنها (دون أن يكون بوسعنا حصر المواضيع في اطار واحد) أن تساهم في هذا التكوين الذاتي. 
للكاتب إذن دور وطني، ولكني لا أعتقد أن على الكاتب أن يكتفي بهذا الدور، بل عليه أن يشعر كذلك بضرورة التضامن مع كل شعوب العالم الثالث خاصة في الوقت الذي لا يزال فيه عدد كبير من الشعوب خاضع للسيطرة الاستعمارية كما في جنوب افريقيا، أو مشرد من دياره كما هيّ الحال بالنسبة للفلسطينيين، إن للكاتب إذن دور رائد في هذا المجال، ولكن مشكلة كاتبٍ في العالم الثالث هي أنه يكتب في لغة لا يقرأها سوى القليل، وينجم عن ذلك أن لا تصل رسائلنا إلا إلى النخبة من الناس.
وربما يكون العلاج المؤقت هو ترجمة مؤلفاتنا إلى اللغة المفهومة من طرف المواطنين أي الجماهير، وإلى هذا الوقت لا يزال عملنا مقتصرا على نخبة المثقفين ولكنه لا يخلو من فائدة على كل حال. 

الشعب: لقد فضلتم بوصفكم رجل أدب أن لا تنزووا في إطار خاص وتتركوا الأطر الأخرى، فما هو في رأيكم أكبر الفنون الأدبية تأثيراً في العادات: المسرح، القصة أم الشعر؟ ولماذا؟

تين يوسف كي: إنني أعتقد أنه في الوضع الحالي للأشياء حيث لا يزال الأدب مقتصرا على نخبة من الناس فإن المسرح يبقى بدون شك أفضل وسيلة لتثقيف الجماهير والتأثير في أسلوب حياتها، وذلك لأسباب عدة حيث أن بإمكانه أن يقام باللغة الوطنية التي تفهمها الجماهير، ثم أنه عمل أكثر مما هو كتاب، إذ أن القراءة مهمة فردية بينما يجمع المسرح مئات من الناس للمشاركة في عملية واحدة خلال نفس الوقت. وبما أنه ينتقد العادات الاجتماعية أمام جمهور غفير من المشاهدين فلا ريب أنه الشكل الأدبي الأكثر إفادة خاصة إذا مكتوبا بالطريقة التي يسهل بها استيعابه. 

الشعب: في الجزء الأول من مجموعة قصائد (الساحليات) كنتم تبدون كمناضل يدافع عن القضية السوداء، فهل يعني ذلك أنكم تتبنون الأدب الملتزم؟

تين يوسف كي: بدون شك، أظنني قد أعطيت نفس الجواب لزملائكم السنغاليين. فأنا أعتقد أن الكاتب بصورة عامة وخاصة الكاتب في بلادنا لا يمكنه إلا أن يكون ملتزما. كما أعتقد أنه لا يوجد عمل غير ملتزم إذا كان الالتزام يعني تحديد وتجسيد فكرة، فإني إذن لكاتب جد ملتزم لأن الكاتب وإن لم يكن متلزما سياسيا فإنه على أية حال ملتزم. والتزامي يتجاوز القضية السوداء ليعم قضية العالم الثالث، فقد تكلمت كذلك عن مسألة فييتنام وفلسطين وأعتقد أن معاصرين من الكتاب الذين عاشوا في ظل الاستعمار لا يمكنهم إلا أن يكونوا ملتزمين.

 

الشعب: إن اعادة القيمة للثقافة هي أحد الاهتمامات الرئيسية للمثقفين الافريقيين ولكن استخدام الثقافة الغربية في هذه المهمة يحتوي على نقيضين كبيرين: فمن جهة يشكل ذلك نشرا وتعميما للثقافة الغربية ومسخا وافقارا للثقافة الأخرى. ومن جهة أخرى وكما يؤكد ذلك روجيبا ستيد فإن تعلم المفاهيم الأوروبية يدخل في المنطق الغربي نفسه، فما هو رأيكم في ذلك؟

تين يوسف كي: إنني لا أعتقد أن استخدام الثقافة الغربية ضروي لإعادةالقيمة لثقافتنا بل وإننا نؤكد على وجود ثقافتنا في وجه الثقافة الغربية ونستنبط من قيمنا العناصر الخاصة لإعادة القيمة لهذه الثفافة، فلا حاجة لنا هنا في موريتانيا في الثقافة الغربية لإعادة القيمة لثقافتنا الموريتانية لأن تاريخنا وديننا وعاداتنا وتقاليدنا يمكننا استغلالها جميعا دون اللجوء للثقافة الغربية، لكن اعادة القيمة لهذه الثقافات لا يجب أن يكون هدفنا الوحيد، إّذ لا يجب أن ننجرف مع التيار المعاكس ونجعل من الوسيلة غاية، فالثقافة وسيلة لأثبات وجودنا وتقديم مساهمتنا في الثقافة العالمية، فلا شيء يدفعنا إلى اللجوء إلى الثقافة الغربية، فنحن على العكس من ذلك نثبت وجودنا أمامهم ولكننا نريد أيضاً أن نعلم ونتعلم من الأخرين. 

الشعب: لقد أسالت الزنجية في افريقيا الناطقة بالفرنسية كثيراً من الحبر بواسطة عباقرتها سينغور، أيمي سيزار ألخ.. وللمجموعة الافريقية الناطقة بالأنكليزية زنجيتها والتي نشر وول سوينكا مفهومها قائلاً: إن النمر لا يشرح نموريته فالنمر يقفز، وهناك مثقفون أخرون يرفضون هذه المواقف خاصة منها الزنجية التي يقولون أنها "الطريقة السوداء للبياض" فماهو موقفكم الشخصي من الزنوجة؟ 

تين يوسف كي: إني أرفض أولاً التمييز بين الناطقين بالفرنسية والناطقين بالانكليزية، إنه مجرد إشكال خلقه وول سوينكا عندما ألقى كلمته الشهيرة. 
في الحقيقة لا يوجد فرق بين نظرة المثقفين الأفارقة الناطقين بالفرنسية والمثقفين الأفارقة الناطقين بالإنكليزية حول طبيعة دور الحضارة السوداء. ويكفي على ذلك برهانا أنه قبل سويينكا كان لـ سينغور وسيزار أسلاف انكليزيون مثال ريشار ورايت الذي دافع عن مفهوم الزنجية، إن هذا المفهوم كان تاريخيا سلاحا نضاليا.
في السنوات الثلاثين عندما كان الغرب المذعور في وجه الفاشية يطرح مسألة تقويم ثقافته، كان من الطبيعي أن يطرح الأفارقة بعد قرن من السيطرة وخاصة بعد ما عاشوه من تنكيل في فترة استخدام الأرقاء وبواسطة كتابهم الأفريقيين أو الأمريكيين مشكلة التعريف بثقافتهم.
لقد كانت هذه الزنجية تاريخيا صرخة تمرد ضد نفي الثقافة السوداء كما كان ميلاد الحركة الأدبية نتيجة لها و يمكن القول بأن استقلال البلدان الافريقية في الستينات يعود للكثير من الفضل فيه إلى دعاة الزنجية في تلك الفترة، وحتى اليوم ففي كل مكان توجد فيه التفرقة والعنصرية ومادام نظام الأبرتايد موجودا فإن مفهوم الزنجية يبقى صالحا. 
لقد برهنت ولا تزال تبرهن هذه المفاهيم على فعاليتها إلا أنها لا يجب اعتبارها مدارس تفكير بإمكانها الاستمرار بصورة أبدية، أما بالنسبة لي أنا فكل الكتاب الافريقيين يخوضون نفس الكفاح سواء كانوا ناطقين بالانكليزية أم بالفرنسية أم بالعربية.

 

الشعب: لنعد قليلاً إلى قصتكم الأخيرة "ريلا غالو اتيونغان" التي نشرت "الشعب" (العدد الفرنسي) جزء منها، فهل يمكننا المعرفة فكرتها المركزية وأهميتها الاجتماعية؟

تين يوسف كي: أجل، إن قراء الشعب (الفرنسية طبعا) قد قرأوا الأجزاء الثلاث الأولى من القصة وكان بإمكانهم أن يفهموا أنها تدرس تقاليد موطني "شمامة" في الأربعينات وهنا أردت أن أظهر كيف ينعقد الزواج في بلاد البولار وكل ذلك حول مكيدة غرامية  صغيرة. 
 

الشعب: هل يجد عملكم بل كفاحكم على الأصح وسيلة تسمح له بأن يتفنن ليكون أكثر فاعلية وافادة للقراء، أو بعبارة أخرى إطارا تنظيميا تتفتق من خلاله موهبتكم؟ وما هو رأيكم في الدور الذي يمكن لرابطة الآدابوالفنون أن تلعبه في هذا الميدان الخاص الذي هو ميدان الأدب؟

تين يوسف كي: إن بإمكان الرابطة أن تساعد في التعريف بمؤلفات الكتاب ولكن هؤلاء يكتبون في لغات مختلفة، ويجب لغاية فعالية أكثر ترجمة مختلف المؤلفات لتكون في متناول المواطنين الموريتانيين.

أجرى المقابلة م.م. سيديا

المصدر: جريدة الشعب، بتاريخ 17 نوفمبر 1977

سبت, 11/06/2022 - 08:11