الموظفون الأكفاء والمظليون الجُدد 

في كتابهما الموسوم ب: الموظف الخفي أو :THE INVISIBLE EMPLOYEE يتناول الكاتبان (ادريان جوستيك) و (تشيستر إلتون) أنواع الموظفين الذين يقسمونهم لعدة أصناف؛ حسب مهاراتهم ومردوديتهم الإنتاجية؛ لكنهما يركزان على ما يسميانه بالموظف الخفي الذي يكلف مؤسسته مليارات الدولارات دون تقديم أي خدمة.

إن انعدام المردودية  والأعباء الثقيلة اللذان تحدث الباحثان عنهما  شبيهان  بالحالة السائدة في البلد والتي دفعت بها السياسة والشرائحية والقبيلة وعناوين أخرى بقوة لتُثقل كاهل الإدارة الموريتانية .

هذه الظاهرة أدت لانهاك العديد من الموظفين الأكفاء الذين يتم استغلالهم  بأساليب مُهينة في أغلبها  من أجل وضع تصور لمشاريع؛ هدفها  الحصول على التمويل من الدول والمؤسسات المانحة.من جهة؛ ومن جهة أخرى التغطية على الخلل العميق الذي سببه إسناد مهام حساسة لأشخاص لاتتوفر فيهم أبسط المعايير الضرورية .

والحق أن الموظفين الأكفاء في هذا البلد باتت أعباءعم مضاعفة؛ بحكم ضعط العمل وتنمر بعض المسؤولين الذين لم يجدوا غضاضة في استخدام العنف اللفظي كأفضل خيار للتعبير عن نواقصهم المزمنة.

 عادة يبقى الموظف أسير أحلام الترقية التي تُشكل دافعاً لاستمراره في العمل؛ لكن قصة المظوفين الأكفاء في حظائر التهميش  ببلدي تعكس واقعاً آخر مختلفاً في  تفاصيله المأساوية؛ التي تتجدد مع كل إجراء خصوصي يتخذه مجلس الوزراء في اجتماعه الأسبوعي.

"الشيخ" واحد من أبناء هذا البلد الذي خدمه بإخلاص؛ كان يظن كغيره أنه سيأتي اليوم الذي تتحق فيه مقولة "الرجل المناسب في المكان المناسب"؛ لكنه تفاجأ بكتيبة من المظليين التي حرقت كل المراحل لتحتل مناصب سامية مستخدمة أساليب لم تستطع الأقدمية والتجربة والكفاءتان العلمية والمهنية أن تنافسها.

الرجل الخمسيني الذي تخرج من أعرق الجامعات الغربية وجد صعوبةًبالغة في سرد معاناته حين قال:" المؤسف أننا أمضينا سنين على هذا المنوال؛  كنا نعتقد  أننا سنتمكن من خدمة وطننا بطرق أفضل؛ لكن الكارثة أننا أصبحنا؛ مجرد رهائن  لدى مظليين des Parachutistes لايجيدون كتابة الرسائل الإدارية؛ فما بالك بوضع خطط لسير العمل والإستراتيجيات الضرورية لتطويره بشكل مستمرة".

جانب آخر من الإكراهات التي سببها المظليون الجدد للإدارة العمومية يرويه "مرزوك" الذي حمّل جميع الحكومات المتعاقبة على السلطة منذ العهد الطائعي إلى اليوم إصابته بكل الأمراض المزمنة؛ حين أبدى إنزعاجه من أساليب تهدد استمرارية الدولة قائلا: " لقد عانيت كثيرا حين اكتشفت أن رئيسي الجديد في العمل  ليست لديه أي مهارات؛ سوى القفز من كل شيء وعلى أي شيء؛ وبطريقة احترافية؛ قلت في نفسي كيف سيتحدث مع البعثات الأجنبية؟ هل يستطيع ان يقنع المواطن العادي؟ .."..ثم يسترسل متحسراً....لقد حافظ بشكل جيد على هندامه ..لكن المرء يصاب بصدمة حين يبحث عن جواب لبعض الأسئلة المتعلقة بالعمل.. في الواقع  سبب لي هذا الوضع المحرج الكثير من الإزعاج خصوصا وأنه كان يحدثنا كثيرا عن قبيلته وأمجادها؛ ويحثنا في كل الاجتماعات على إعطاء الأولوية لأقاربه".

المؤسف أن عمليات الإنزال هذه طالت جميع الوزارات متسببةً في غياب الثقة بين المواطن والدولة التي أصبحت في نظره مجرد آلية لتكريس كل  المفاهيم المخالفة لمبادئ الجمهورية.

لقد أوضح  استطلاع للرأي في مختلف الوزارات  تذمرا  من ظاهرة المظليين الجدد الآخذة في التمدد بشكل أفقي؛ وهو مامكنها من فرض معاييرها الخاصة بالترقية داخل الأقسام والمصالح وفي الإدارات المركزية؛ بمعظم القطاعات الحيوية في البلد؛ الأمر الذي ينذر بحسب البعض بتهجير الكفاءات من القطاع العمومي؛  الذي صار بحكم الواقع مجرد مجال مفتوح لعميات إنزال  تشتغل ضد كل مفاهيم الدولة.

د.أمم ولد عبد الله

أحد, 16/01/2022 - 22:48