من أجل سوسيولوجيا موريتانية!

....لماذا هذه الفردانية في التّصوير (ولد الخيمة الكبيرة) التي تحيلنا إليها ثقافة شعبية لمجتمعٍ تقليدي؟ لماذا لا نَقول ولد الخيام لكبيرة؟ أو ولد القبيلة لكبيرة أو ولد المجتمع الكبير، أي شكلٍ ذا طابعٍ جماعي يتماشى والمرحلة التي يعيشها المُجتمع؟ مرحلة الأسرة المُمتدة وعلاقاتِ ذوي القُربى والرّحم الكَثيرة أو المُتشابكة؟ 

بطبيعةِ الحال، يمكن القول أن البناء الخارجي لخيم (لخيام) البادية التي نتناولها في المجتمع التّقليدي الموريتاني يقدم تجسداً يبدو واضحاً لخطِ نسبٍ مُمتد في شكلِ عائلةٍ واسعة تمحي في إطارها على المُستوى الظاهري جميع أشكالِ التّمايز والتصنيف الفئوي بسببِ طغيان فكرة خطِ النسب على تضامن (لفريك) الحيّ بأسره، وحتى الملكية تبدو جماعية.

 غير أن هذا المظهر الذي يتجسّد على مستوى المجال، بغض النّظر عن حجم السّكن يجعلُ الخصم يتوهم وجود كثرةٍ ووفرة لدى الأخرِ ينبغي أن يحسب لها حسابُها لكن هذا الطابع التّضليلي الذي يحاول المُحافظة على إستمراريتِه فِي وضع يتأسسُ على الصراعِ يُضمر درجةً عالية من التّنافرِ الهَيكلي تستجيبُ في جوهرِها لشكلِ حباتِ رمَال الصّحراء التي تتجاور في المَكان وتتصادم في الزمان وتظل عاجزةً عن تشكيلِ وحدةٍ قادرة على تَجاوز دوامةِ الإنقسامات والصّراعات المُتواصلة.

ولربما ولّد هذا الإنقسامُ عَلى المستوى المكرو مجالي (حبات رمال الصحراء) والمُتجسّدِ على المستوى الهيكلي لقبائل الصّحراء، ربما ولّد إذن عقدة نفسية في إطار السّيبة وعدمِ الإسقرار جعلت من مفهوم ولد الخيمة لكبيرة بديلاً وظيفياً عن سلطان مركزي يتأمرُ على المؤمنين ويسوسهم عندما فشل الأمير والشّيخ في بلورةِ نظامٍ مركزي يضمن هذا الحُلم. 

كما اتخذت القبيلةُ موقعها كتعويض وظيفي وأيديولوجي ولو على المستوى السيكولوجي كمؤسسةٍ دولتية في ظلِ الوضعِ المُتوتّر، الشيء الذي يُبرر وجود تحالفاتٍ قبلية تحت لواءِ فارسٍ أو صالح لا يجمعها بالضّرورة وجود جدٍ مُشترك، بقدرما تجمعها اللحمة والتناصر تحت الإسم القَبلي الذي يؤسس البديل الشّرعي للدّولة. 

 

المصدر:

عبد الوهاب ولد محفوظ، المجتمع الموريتاني في ظل الإستعمار الفرنسي : السلطة القبلية بين عملتي الهدم والبناء. أعمال الندوة الدولية حول موريتانيا من 1899 إلى 1999. مائة سنة من التّاريخ. مجلة مصادر. الكراس الثالث 2002. ص137.

سبت, 01/01/2022 - 09:05