مهرجانُ الإنصاف بين الدعاية والتشويه

يجمع المهتمون بالدعاية المعاصرة على أهمية التكرار ومخاطبة العقل الباطني والتشويه بالحذف؛ فضلا عن الإضافة والمبالغة... وغيرها من الأساليب التي يوضحها John CAPLES

في كتابه الشهير  :

"Tested Advertising Mehtods "

ومن المعلوم أن أساليب الدعاية تأخذ خصوصيتها حسب نوعية المتلقي ومن سياقات متعددة مرتطبة بالزمان والمكان. 

وسنركز  خلال هذه الأسطر على ثلاثة عناصر في غاية الأهمية نظرا لارتباطها العضوي بسياقات التجاذبات التي تشهدها موريتانيا؛ يتعلق أولها بأساليب الدعاية لدى الحزب الحاكم ؛ وثانيها بالخطاب المضاد أوعناصر التشويه؛ بينما يركز العنصر الثالث على صدى هاتين المقاربتين في الشارع  الموريتاني.

لابد من الاعتراف بداية  بأن ثمة تحولاً كبيراً في أسلوب الدعاية امتاز به حزب الاتحاد من الجمهوريةUPR عن غيره مما يعرف بأحزاب الدولة؛ بدءاً من حزب الشعب مروراً بالحزب الجمهوري الديقراطي الاجتماعي.PRDS .

فقد ركز الخطاب الدعائي لدى كل من PRDS و PPM على إنجازات الرئيس في محالة لترسيخ نظرية الزعيم المطلق والقائد الملهم الخارق؛ التي ميزت أدبيات أحزاب السلطة الحاكمة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي؛ دون الأخذ بعين الاعتبار مدى واقعية ذلك الخطاب أو تلك الإنجازات الوهمية التي تحولت في نظر المواطن العادي لمجرد صدى لاعلاقة له بالواقع المعيش.

وبخصوص حزب الاتحاد من أجل الجمهورية يجب التمييز بين مرحلتين :

- العشرية الأولى: لم يتغير الخطاب الإعلامي للحزب كثيرا عن سابقيه؛ إذا ما استثينا بعض الشعارات الجريئة في وقتها مثل محاربة الفساد والمفسدين؛ والتي لاقت ترحيبا؛ في أوساط غالبية الشعب؛ قبل ان يكتشف أن الأمر مجرد شعارات جوفاء للاستهلاك المحلي.

لم تستطع الدعاية- في هذه المرحلة- التحرر من عناصر التوتر التي مثلها تخوين المعارضة ومحاولة التضييق على كل الأصوات الخارجة عن الطوق في نظر السلطة الحاكمة .

- مرحلة التعهدات: يكاد يتفق معظم المتابعين على صدق الرئيس الحالي في تعامله مع القضايا الملحة؛ كالفقر والإقصاء والشرائحية التي تهدد كيان الدولة الموريتانية.

ويُعد خطاب ودان بدايةً جديدة تُشكل نقطةً مهمة في التعامل مع المسكوت عنه أو ماسماه الرئيس بالنفس القبلي الواسع الانتشار.الذي أثاره ماعُرف إعلامياً "بقضية الشريف" وإذا ماتتبعنا القاموس المفرداتي الذي استخدمه رئيس الجمهورية نجد أنه امتاز بمنطقية تستجيب لحاجة ملحة ؛ فقد بدأ بتعهد وفي التعهد تقدم الأولويات وفي الأولويات لابد من مؤازرة الفئات الهشة.

هذا الثلاثي (التعهد ؛ الأولويات ؛ المؤازة)؛  يبدو منطقياً من حيث الترتيب والحاجة. 

من الطبيعي أن ينعكس هذا على مهرجانات الحزب الحاكم وعلى اختياره لمفرداته الدعائية؛ التي لامست وجدان المواطن الذي يشعر بالتمييز السلبي داخل وطنه؛ خصوصاً وأن المرحلة تتطلب إنصافاً على جميع الأصعدة..إنصاف الطبقات المهمشة وإنصاف أصحاب الكفاءات وإنصاف مناطق بعنيها لم تحظ بنصيبها من التنمية؛ رغم مواردها المتنوعة.

 

التشويه والعناصر المكونة:

يعتمد أصحاب هذا النوع من الدعاية على ذاكرة من الاحباط وانعدام الثقة  والتنكيل بالوعود; لدى غالبية الرؤساء الذين حكموا موريتانيا منذ العام 1978 .

ركز منظرو هذا النهج على ثلاثية دعائية تشمل ( التناقض بين الأقوال والأفعال؛ وتغيير المواقف؛ والتنكر للمظالم) التي يعيشها إنسان هذه الأرض في كل لحظة من ليله الطويل الذي أصبح عصياً على الإنجلاء بحكم عوامل مركبة ومعقدة في الآن ذاته.

لقد نجح أصحاب هذا الطرح في إقناع غالبية الفقراء لدرجة أن الموالاة صارت خيانة في زمن ما؛ لكن انخراط بعض منظري التشويه في الدعاية للأنظمة بعد 2008 ؛ ونزوح قيادات وازنة نحو الضفة الأخرى في 2019 خلق نوعاً من عدم الثقة بين المواطن البسيط ومعظم الضيف السياسي الذي يتصدر الواجهة.

وإن كان وصف بعض المحتجين  في مهرجان الإنصاف أمس لحزب  الاتحاد  بأنه اتحاد من أجل نهب الجمهورية يوحي بأن  ثمة من لايزال يحاول إقناع الرأي العام بدعاية انتهت صلاحياتها منذ عقد ونيف.

 

المقاربتان في نظر الشعب:

يبدو أن الشعب هو الآخر منقسم بشأن هاتين المقاربتين إلى ثلاثة أصناف؛ فهناك من يحاول ركوب الموجة بحثا عن مصالح ضيقة؛ بغض النظر عن ما سيترب على ذلك؛ في حين يتمسك البعض بمعارضة علنية للحصول على امتيازات أكثر.

أما الغالبية العظمى من الشعب فتبدو في حيرة من أمرها في انتظار ما ستؤول إليه التزامات رئيس الجمهورية؛ مع وجود أصوات ميالة بطبعها للتشاؤم .

في كل الأحوال لا يمكن لتلك الفئات الهشة التي  تلتزم الترقب الحذر ان تتحمل المزيد من خيبة الأمل في ظل وضع عالمي صعب.فهل سيكون الرئيس على مستوى تطلعاتها؟ أم أن كل شعاراته سيتم اختطافها من قبل انتهازيين على غرار ما فُعل بمحو الأمية ومكافحة الفقر ...؟

كل ما أخشاه أن تكون كل الدعايات سواءً الموالية منها أو المعارضة؛ مُجرد تحريض  على قتل الأمل الذي بموته؛ سينتهي مشروع دولة منحنا أكثر من ستة عقود لإنقاذه!...

د.أمم ولد عبد الله

اثنين, 27/12/2021 - 08:24