حول المرسوم المتعلق بالمبادلات الإلكترونية بين المستخدمين والإدارة

تعليقا على مجلس الوزراء (3نفمبر 2021) تكلم معالي وزير التحول الرقمي والإبتكار وعصرنة الإدارة السيد عبد العزيز ول داهي عن "مساعي القطاع لتحيين الإطار القانوني والمؤسسي الناظم للمجال الرقمي لجعله أكثر تناغما مع التطور السريع الذي يشهده المجال وأكثر فاعلية في مختلف سياقات استخدامه وأكثر استجابة لتطلعات المستخدمين" .

المرسوم الأول يتعلق بالمبادلات الإلكترونية بين المستخدمين والإدارة وبين الإدارات نفسها وسيليه عدة مراسيم أخرى تتعلق بمواضيع مختلفة منها القوانين الناظمة للإتصالات .
وبما أن جميع هذه الخدمات أو أغلبها (مشروع شبكة خاصة بالإدارة قيد المناقصة) تمر عبر شبكات المشغلين، وللولوج إليها  يحتاج المستخدم إلى شبكات مع جودة مقبولة فبالنسبة لي أول ما يجب تحيينه:  قوانين وتنظيم جودة خدمة الإتصالات لضمان مواكبة فعلية لهذا المشروع الإصلاحي.

 

ولذا أحببت أن أشارككم قرائتي واقتراحي في الموضوع:

هل حان الوقت لتحديث وتحيين قوانين وتنظيم جودة خدمة الإتصالات في موريتانيا؟

تتمثل أهم الخصائص الرئيسية للثورة الرقمية التي يشهدها العالم اليوم في أهمية الوصول إلى المعلومات أثناء التنقل، إذ يتطلع المستخدمون إلى الوصول إلى الشبكة في أي مكان للتواصل أو التعلم أو العمل أو الترفيه.

في هذا السياق ، فإن القدرة على استخدام شبكة (متنقلة أو سلكية) بجودة كافية للوصول إلى الخدمات التي يختارها الفرد في الوقت الذي يختاره هو تحدٍ في جميع البلدان.
الهاتف وخاصة الهاتف المحمول GSM هو أساس الإقتصاد الرقمي الناشئ في موريتانيا. 4.7 مليون مشترك نشط (ثابت ومتحرك) ، ومعدل انتشار 119٪ (أحدث تقرير لسلطة تنظيم الإتصالات 2019). بلغ كذلك إجمالي عدد المشتركين النشطين للإنترنت (الثابت والمتنقل) في عام 2019 : 2.5 مليون مشترك نشط   ، وكان معدل الإنتشار المقابل هو 63٪.

إن الإستثمارات في شبكات 3G و 4G وتطوير البنية التحتية للألياف البصرية وإمكانية الوصول المتزايدة للهواتف الذكية للمستهلكين الموريتانيين تعمل على تمكين الإنترنت عبر الهاتف المحمول من التطور. ونتيجة لذلك ، فإن حركة البيانات في البلاد (المتنقلة وعبر الشبكات السلكية) آخذة في الازدياد ، بالفعل مع 4G ومشغلي البيانات الجدد(ISP) ، وسوف تتضاعف في السنوات القادمة.
إن الإحتياجات والسلوك المتغير للمستهلكين الموريتانيين ، المرتبط بالإستخدام المتزايد لخدمات الإنترنت المحمول وخدمات البيانات بشكل عام (ADSL ، و LS Copper ، و LS fiber ، و FTTH.... ) ، يشجع وينبه الى ضرورة  الإهتمام بشكل خاص بجودة الخدمات المقدمة للأفراد والشركات التي تعتمد على هذا الإتصال(المحمول والسلكي) للمشاركة في تطوير بيئة اقتصادنا الرقمي واقتصادنا العام بصفة أشمل.

من المفترض أن تهتم الإدارة المعنية وسلطةالتنظيم في المقام الأول بحماية مصالح المستهلكين والتأكد من أن المشغلين يقدمون مستويات الخدمة المحددة في تراخيصهم.

من جانبهم ، يهتم المشغلون بالتأكيد، بتحسين جودة الخدمات التي يقدمونها ، حيث يتيح ذلك لهم تلبية توقعات عملائهم المتطلعين بشكل متزايد والمتعطشين لنطاق ترددي أوسع وصبيب عالي للحصول على تجربة رقمية مرضية.

بالنسبة للجهة المنظمة ، يعد إجراء قياسات التغطية وجودة الخدمة أمرًا ضروريًا. للإستجابة لقضايا الإتصالات الهامة وضبطها.

تتبع سلطة تنظيمنا في موريتانيا ، مثل معظم المنظمين الأفارقة ، نهجًا تنظيميًا مباشرًا. وهذا يعني أن الجهة التنظيمية تضع إعدادات ومؤشرات الأداء الرئيسية والمعايير لتقييم جودة الخدمة ، وفي معظم الحالات ، تستخدم العقوبات المالية لفرض احترام الإلتزامات.
ومع ذلك ، فإن الإستنتاجات الرئيسية التي يمكننا الاحتفاظ بها من تجربة سلطة التنظيم لدينا (أكثر من 20 عامًا من الخدمة) ، توضح حدودية جودة الإطار التنظيمي للخدمة المعمول به حاليًا على الرغم من التحديثات المختلفة (2001 و 2013). نحن نتحدث هنا بشكل خاص عن نقص المعايير الفنية ، تدريب الموظفين، مواكبة التطور، والأهداف غير المتناسبة (الحاجة إلى تكييف وملائمة معايير التدقيق لتكون أكثر مرونة) ، وبعض الخدمات  والقطاعات التي لم تخضع قط للتفتيش (الهاتف الثابت، ADSL ، الألياف البصرية، المراكز التقنية ، التطبيقات، وما إلى ذلك) ،

 والعقوبات المالية ذات الأثر العكسي.

في هذا السياق ، من الضروري أن يتبنى القطاع الحكومي ذي الصلة والسلطة التنظيمية سياسات جودة الخدمة التي تتكيف مع عصرنا (التطور التكنولوجي وسلوك المستهلك). وهذا يعني الإنتقال من الطريقة التقليدية للعمل "دركي الإتصالات " إلى نموذج متطور يحمي مصالح المستهلكين ويعزز المنافسة العادلة ويشجع الإستثمار في البنية التحتية والخدمات.
يجب ان تفتح سوق الإتصالات فعليا وتقنن جميع الخدمات وتعرض تراخيصها للراغبين، فهذا القطاع وحده قادر على إمتصاص  البطالة بصفة عامة في البلاد وتحريك الإقتصاد والنهوض به.

يجب أن تغذى بيانات تغطية الشبكة وجودة  الخدمة بالعديد من المصادر. تعد مصادر البيانات المختلفة هذه تكميلية (لكل منها  مزايا وعيوب) وتسمح للجهة التنظيمية بالإستفادة من مزايا كل منها.

يعطي تجميع هذه البيانات نظرة شاملة لأداء شبكات المشغلين ، وجودة الخدمة بالإضافة إلى جودة تجربة مستخدمي الشبكة ، مما يسمح للمنظم الحصول على معطيات ولوحة تحكم واضحة تساعد في توجيه إجراءات تحسين جودة الخدمة.

 

 مصدر البيانات :

- حملات قياس الجودة التقليدية

- استطلاعات رضى الزبناء والتي تعد أيضًا مصدرًا مهمًا للبيانات:  إنها تجعل من الممكن تقييم تصور المستخدمين لجودة الخدمات المقدمة.

- أدوات تخطيط اللاسلكي لمحاكاة تغطية المناطق والسكان من أجل تلبية الحاجة إلى تغطية المناطق البيضاء(بدون تغطية) .

- يشكل المستخدمون منجمًا هامًا من المعلومات من خلال أدوات التعهيد الجماعي(crowdsourcing) لجمع بيانات QoE (جودة التجربة) وأيضًا من خلال الشكاوى التي يتلقاها المنظم من خلال قنوات مختلفة.

أصبح اختيار التعهيد الجماعي( crowdsourcing)
 أيضًا خيارًا مجربا ومصدرًا فعالاً ومثريًا للبيانات ، حيث يضع المستخدمين في قلب عملية الجودة.  إذ تتيح رؤية العميل إمكانية توجيه الإجراءات بشكل أفضل وتزويد المنظم بمعلومات موثوقة حول جودة الشبكات في أماكن إقامتهم أو عملهم.

-  توفر بيانات شبكة المشغل أيضًا نظرة ثاقبة لأداء الشبكة، إذ يمتلك المشغلون أيضًا أدوات تخطيط الراديو لإجراء عمليات محاكاة التغطية ومنصات للإستغلال تصدر بيانات غنية بالمؤشرات الهامة لتحسين الجودة والتي تمكن مشاركتها مع سلطة التنظيم.

إن رصد كل هذه المعطيات ومؤشرات QoS (من مصادر مختلفة) يجعل من الممكن تطوير منطق للإشراف على القطاع ، أكثر فعالية اعتمادًا على دقة المعلومات التي تم جمعها.

من خلال تكييف وتحيين أدواتها ، يمكن للسلطة المنظمة تحسين قدرتها على العمل ، والإسراع ، وجعل التنظيم أكثر كفاءة.
بشكل ملموس ، يتيح استخدام هذه البيانات للجهة التنظيمية معرفة أفضل لتنافسية السوق وحالة توسع تغطية المشغلين ، مما يسمح لصانعي القرار بوضع سياسات عامة أو تحسين الإلتزامات التي سيتم فرضها في التراخيص المستقبلية.

أخيرًا ، التوصيات الرئيسية لتحقيق  تنظيم فعال لجودة الخدمات  مع الأخذ في الإعتبار أحدث تقارير GSMA والوضع الحالي لآلية تنظيمنا المذكورة أعلاه:

1 - تبسيط مؤشرات الأداء الرئيسية وجعلها أكثر مرونة :

تعتبر مؤشرات الأداء المعمول بها حاليا معقولة جدًا ، ولكن للسماح بإجراء عمليات تدقيق ذات مغزى للخدمات المقدمة من المشغلين وإنجاز تقارير ذات دلالة ، يجب على الجهة التنظيمية إنشاء قائمة قصيرة من مؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs) تكون عملية وقابلة للتحقيق، ومن المستحسن أن تكون لكل منطقة مؤشراتها المحلية (بناءً على طبيعة الإستهلاك وتطلعات. المشتركين) . وهذا يعني الإنتقال إلى نظام رقابة وتحكم حديث ومبسط.

2 - ملائمة تنظيم جودة الخدمة مع ديناميكيات السوق المحلي :

يجب تحديد اختيار مؤشرات الأداء الرئيسية(kpi) ومستوى متطلبات الجودة وفقًا للخصوصيات المحلية الموريتانية.

3 - توسيع نطاق التفتيش والرقابة :

منذ إنشائها ، لم تقم السلطة التنظيمية مطلقًا برقابة وتدقيق جودة خدمة وسائط وشبكات السلكي (الأرضي الكلاسيكي والألياف) والتقنيات والخدمات المختلفة المنقولة عبر هذه الوسائط (الصوت ، الخطوط الخاصة ADSL ، LS الإنترنت ، LS DATA ، FTTH ، إلخ).  نظرا للعدد الكبير لمستخدمي هذه الخدمات، من مؤسسات وأفراد ، فإنه من الضروري وضع استراتيجية ومؤشرات أداء رئيسية منسقة مع الموردين ، خاصة مع وصول مزودي خدمات إنترنت جدد.

4 - تطوير التعاون مع مقدمي الخدمات :

تتمتع الهيئة التنظيمية الوطنية بعلاقات جيدة مع المشغلين ، وبالتالي فهي في وضع يمكنها من تطوير علاقات تعاون أوثق من أجل الحصول على نتائج أكثر فائدة للجميع (المستهلكين والموردين).
الهدف هو الإنتقال الى طريقة التنظيم التشاركي وتحديد آليات عملية وإيجاد الحلول المناسبة من أجل قياس جودة الخدمة وتحسينها بشكل صحيح ، مع مراعاة العوامل الخارجية التي لا يتحكم فيها المشغلون.

5 - مزودو خدمات الإنترنت الجدد :

وفقًا لمعلوماتي ، هناك ما يناهز عشرة  تراخيص ممنوحة للشركات المحلية التي تنوي تشغيل شبكات بيانات بتقنيات مختلفة على كافة التراب الوطني ، بمفردها أو بالشراكة مع أجانب. (بل هناك مؤسسات أطلقت خدماتها فعليا)
بالنسبة لجميع مزودي خدمات الإنترنت هؤلاء ، فإن مفهوم التغطية ، ومشاركة البنية التحتية مع المشغلين الموجودين أصلا في السوق ، وشراء حزم الانترنت لتوزيعها  ، وتشغيل البنية التحتية لـ SDIN (المسوقة عن طريق IMT الموريتانية للإتصالات الدولية) ، والإمتثال للمواعيد النهائية لإطلاق الخدمة، وبنود دفتر الالتزامات ، ومؤشرات الأداء الرئيسية المطلوبة kpi.وكذلك ضمان الولوج بعدالة وتساوي إلى البنى التحتيةل (IMT) مع المشغلين الكبار،  كل هذه النقاط تتطلب أياما تشاورية وورشات عمل لضمان مستوى من الجودة يلبي توقعات المستهلكين والأهداف المنتظرة من الجهة التنظيمية.

6 - مواكبة التقدم التكنولوجي:

يجب على الهيئة التنظيمية إعادة دراسة آليات وأدوات، وممارسات القياس الحالية وتجديدها لمراعاة التقنيات الجديدة. سيسمح لها ذلك باعتماد نهج قائم على البيانات تدريجياً بناءً على طرق إختبار تابعة للمعايير.
يجب على هذه السلطة أيضا نشر ومشاركة بياناتها وتقاريرها بانتظام عبر موقع ويب عصري. والحضور في الهيئات والمحافل الدولية لأنها المصدر الوحيد لمؤشرات القطاع الذي أصبح من أهم معايير التقدم وجذب الإستثمار

7 - تفعيل الرقابة على جميع الاجهزة الواردة الى الوطن :  لضمان جودتها (حتى أجهزة الهاتف المحمول) لضبط الجودة. ويمكن للسلطة ان تنشأ كباقي مثيلاتها قاعدة بيانات للتسيير والتحكم في جميع الأجهزة العاملة على الشبكات (Data base central IMEI)

8 - البحث عن بدائل للعقوبات المالية :

يمكن أن يؤدي استخدام آليات بديلة للعقوبات المالية إلى تحسين جودة الخدمة. مثل تشجيع المشغلين على زيادة الإستثمار في شبكاتهم مما يزيد مدفوعات الضرائب مع الوقت (ضريبة الأرباح ، ضريبة القيمة المضافة ، الضرائب التنظيمية ، وما إلى ذلك... ) وذلك من خلال زيادة الإستخدام من المشتركين الذي يولد أرقام أعمال أعلى.

على سبيل المثال ، يجب على الجهة التنظيمية التفكير في خطط عمل متضافرة مع المشغلين ، بناءً على تصحيح الإخفاقات الملحوظة أو حتى توجيه الإستثمار (بالإتفاق والتشاور طبعا) في المناطق التي هي في أمس الحاجة إليها ، مما يجعل من الممكن تحسين جودة الخدمة.

9 - إدارة الإنتقال إلى QoE( جودة تجربة الزبون) :

مثل البلدان الأخرى ، يجب على سلطة التنظيم التعامل مع جودة التجربة (QoE) ودمجها في آلية التدقيق الخاصة بها (أولاً كمصدر إضافي للبيانات) ومع توخي الحذر ، مع مراعاة العوامل ذات الصلة للمستخدمين التي لا يتحكم فيها المشغلون مثل مواصفات الجهاز ، إمدادات الطاقة، وسلوك المستخدم ….
يجب تطوير هذه الآلية بالتعاون مع المشغلين ويجب ألا تخضع للعقوبات ، فقط بيانات إضافية لتحسين جودة الخدمة.

10- إشراك صانعي القرار لممارسات أفضل :

إلى جانب التنظيم ، يمكن لصانعي القرار(القطاع الحكومي المعني، والحكومة بصفة أوسع) التعاون مع سلطة التنظيم لدعم تحسين جودة الخدمة باستخدام تدابير تكمل استثمارات المشغلين.
تقترب رسوم استخدام الترددات اللاسلكية من مليار أوقية في عام 2019 (تقرير سلطة التنظيم) وستزداد مع الجيل الرابع والمشغلين الجدد لشبكات الوايفاي، وتقترب رسوم استخدام الأرقام أيضا من ربع مليار أوقية(نفس التقرير) .

بشكل أساسي ، يجب على واضعي السياسات ضمان وصول المشغلين إلى الطيف الترددي في  ظروف جيدة (من ناحية الكم ونطاق التردد والتسعرة) لأنها ضرورية لتحسين أداء الشبكة والقدرة على تقديم إنتاجية عالية وتوسيع نطاق التغطية.

يجب على الحكومة أيضًا تجنب السياسات الضريبية التفضيلية  والغير المتوقعة ، بما في ذلك الضرائب الخاصة التمييزية ضد قطاع الإتصالات . على سبيل المثال: (ضريبة القيمة المضافة لخدمات الإتصالات 18٪ هي الأعلى من بين جميع القطاعات ، وتسعرة المكالمات الدولية الواردة للوطن هي من بين الأغلى في العالم (0.5466 يورو / دقيقة) ، مما يجعل بلادنا جذابة للغاية للمحتالين الذين يؤثرون على الدخل و جودة الخدمة) والضرائب الجمركية العالية.

يمكن أن تؤدي هذه السياسات المالية إلى تأخير أو إلغاء الإستثمارات ، ويجب على الحكومة تسهيل الإجراءات التي تسمح بتوسيع الشبكات (مثل تخفيف الضرائب البلدية ، و الوصول العادل إلى البنى التحتية العامة الجديدة للدولة SDIN ...) .

يجب على الإدارة المعنية وضع خطة استصلاح رقمية  في السنوات القادمة ، لتشجيع المشغلين على الإستثمار في شبكاتهم لتحسين جودة الخدمة والقدرة التنافسية لاقتصادنا

يعقوب أعبيدي

سبت, 13/11/2021 - 11:49