نقاش حول "مظاهـر ومآلات الجريمة في موريتانيا"

شكك نُشطاء حقوقيون خــلال ندوة فكـرية اقامها منتدى الأواصـر للتحاور مساء أمس الجمعـة وسط العاصمة، حول مظاهر ومآلات الجريمة في موريتانيا ومحيطها الجغرافي، في صحـة المتداول من ربط بين الحراك الحقوقي المتصاعد وانتشار الجريمة فالخطاب الشرائحي ـ ان صحت التسمية ـ وليد معاناة اجتماعية تتسم بالحيف والغبن والمظالم وسيعبر عنها تبعا لقوة الأسباب والخلفيات، وبالتالي فليس من المناسب ربطـه بالتحريض والشحن المسببين للجريمة كما يصعب الحكم على كون انتشار الفساد داخل اجهزة الدولـة حاصل بسبب ادارتها من قبل "قبليين وجهويين" يقول المهندس احمد سالم احمد دكلة.
وأوضـح المتحدثـون الرئيسيون ان الاختلالات القانونية والمجتمعية والسياسيـة، هي من يسمح بتطور الجريمـة وانتشارها، فبعض القوانيـن ـ بحسب المحامي محمـد ولد أمين ـ يحمل في ثناياه من العيوب الشكلية والجوهرية ما يمنع من مواصلة تطبيقه خاصـة (قانون الجنائي وقانون العقوبات الموريتانيين) واضاف ان اللجنة التي صاغته غاب عنها الأخذ بالرأي القانوني المختص، واضاف بان البلاد شهدت موجتين ما بين 2019 ـ 2021 مما اسماه "العنف المديني".
من جهته تحدث الأكاديمي سيدي محمـد ولد المصطفى ولد الجيد ان المجرم بطبيعته يعد ضحية اجتماعية بفعل جملة من الظروف التي تشكل حواضن لصناعة الاجرام مثل الفقر المدقع وشدد على ضرورة وجود آلية لاعادة تأهيل المجرمين وتحسين أوضاعهم في السجون، وشخص المقاربات الاجتماعية موضحا أن اوائـل الموريتانيين كانوا يتسامحون مع طيش الشباب ويعملون على اصلاح اخطائـه، موردا ظاهرة أتْكَوْسِيسْ بين تلامذة المحاظر كمثال؛ (..اما الآن فإن الخطأ الأول لفاشل دراسي يسهل الزج بالشاب في عنابر السجون ليتحول لاحقا الى شخص جاهز للانتقام من المجتمع..)، ومن جهتها اثارت السيـدة مريـم أمباي خلال مداخلتها تزايد مؤشــر عمليات الاغتصاب داخل الأوساط الاجتماعية وأكـدت بأن المرأة هي الضحية في كافة الأحوال وبأن المجتمع يصمها بالجريمة، ووسائل الاعــلام لا تخفي انحيازها خاصـة ـ تقول السيدة أمباي ـ وان المجتمع يصنف الواقعة مهمة اذا حدثت داخل أوساط معينة ويخفف من اهميتها اذا جرت داخل الفئات المحرومة والمهمشة، وكشفت وجود مشاكل جمة في تكييف جريمة الاغتصاب في القانون الموريتاني بالاضافة الى تدخل عوامل المحسوبية والجهوية احيانا في القرارات القضائية وهو ما نتج عنه انعدام الحماية اللازمة للضحايا من الفتيات والنساء.
وشهدت الندوة التي استمرت الى وقت متأخـر من ليل السبت مداخلات الجمهور الذي حضـرها والذي انقسم حول تصنيف الجريمة وتعداد اسبابها وطبيعة تعاطي الاجهزة الامنيـة معها وحمل المتدخلون مسؤولية الوقائع الاجرامية التي ظهرت في بداية العام الجاري الى تخلي الدولة لفترة طويلة عن جهاز الشرطـة، بالإضافـة الى انتشار وترويج المُخدرات والمؤثرات العقليـة والتي تستهدف الشبيبة الموريتانية في الاحياء الفقيـرة والمعدمة، وأكــدت المُداخلات على أن انهيار المنظومة التعليمية تسبب في خلق اجيال تائهة وضائعة وجدت في الجريمة مرتعها الأنسب.
من جهته تناول المفوض الرئيسي محمـد الهـادي محمـد، (المدير الجهوي للأمن بولاية انواكشوك الجنوبية) الكلام فبين طبيعة السياقات الامنية التي تعمل الادارة العامة للأمن الوطني على ضبطها من خلال مقاربات وقائيـة واخرى زجرية.
وفصل في مداخلته مقاربات المؤسسات الأمنية الحالية والتي تتضمن انشاء لجان اليقظة في الأحياء، بالإضافة الى مراقبة مدينة انواكشوط بواسطة احدث انظمة المراقبة المصورة مع استحداث وحدات خاصة للتدخل الفوري (شرطــة النجــدة مثــلا)، وشدد على أن المقاربات الامنية يمكن ان تتعرض للارتباك نتيجـة حملات التضليل والشائعات التي تجيش الرأي العام الوطني، وكمثال على ذلك قال بأن 80 بالمائة من الجرائم التي روج لها مؤخرا لا صحة لها وبأن ما حصل لا يتجاوز في عده اصابع اليد الواحدة، كما نبه الى ان التسيب والفوضوية والوساطات وغيرها من القيم السائدة اجتماعيا مما يعيــق بشدة التعامل مع الجريمة. وختم مداخلته بطمأنة المشاركين في الندوة الى نجاعة الاستراتيجية الامنية المتبعة وبأن مدينة انواكشوط، تعد من اكثر المدن أمانا من حيث التصنيف الامني السائد.       
وفيما يتعلق بالتداخل بين شبكات الجريمة على المستوى المحلي والاقليمي، قدم الخبيـر في السياسيات الأمنية السيد محمـد عبد الله الطالب اعبيدي ورقة في هذا الصدد اشار في مقدمة الى وجود موريتانيا ضمن ما بات يعرف بقوس الأزمات مما يجعلها عرضة لجملة من التحديات الأمنية مثل الهجرة السرية والاتجار بالبشر بالإضافة الى تدني الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تشكل حواضن واسباب لنمو واستشراء الجريمة، واشاد الخبير بنجاعة الاستراتيجية الامنية المتبعة في هذا المجال والمتمثلة في طريقتين، يقول الخبير (الطريقة الناعمة والطريقة الصلبة)، وتحدث بإسهاب حول انخراط المجرمين في تجارة المخدرات انطلاقا من خليج غينيا وانتهاء بالبحر الاحمر ومرورا بالفضاء الساحلي عموما، واكد على ان هذا الصنف من الجريمة يتسم بالتنظيم والتعقيد وتشابك المصالح وهو ما يظهر على اكثر من صعيد.
و ينشط منتدى الاواصر منذ 2017 على مقاربة تحاورية تهدف الى جمع الآراء والتوجهات الموريتانية داخل ندوات وحلقات حوارية يهدف من ورائها الى اكتشاف نقاط التلاقي والعمل على تحديد و معالجة نقاط الخلاف، على حد تعبير المشرفين على المنتدى الذي يرأسه الحقوقي والاعلامي عبيد ولد اميجن.

سبت, 18/09/2021 - 13:44