ولد هيداله:  "لو كان الطرف الصحراوي حكيمًا لما احتل المغرب اقليم واد الذهب"

محمد خونه هيداله، الضابط السامي بالجيش الوطني الموريتاني وأحد رؤساء الدولة السابقين،  من معارك ساحات الوغى القتالية إلى معارك السياسة ، ثم الى غدر بعض رفاق الدرب .
تواضع ، تأدب، ذاكرة صادقة ،حوار شيق ومرجعية تاريخية.

يقول السيد الرئيس "كما هو معلوم بعدما انهكت حرب الأشقاء الطرفين والتي كان من المفترض أن لا تقع ، تشاورت فيما بينها خلية من الضباط كنت من ضمنهم لإيجاد مخرج يؤدي إلى بر الأمان بالدولة ويحفظ استقرارها، حينها اتفقنا على تغيير النظام بانقلاب وفعلا نجحنا في ذلك ، وكان من ضمن أولوياتنا الخروج من هذه الحرب بطريقة تحفظ لموريتانيا كرامتها.  وفي وقت ما زلنا نرتب  بيتنا الداخلي ، إذ نتفاجأ بعملية تشلة بدون انذار مسبق .
اثناء القمة الإفريقية المنعقدة بعاصمة لبيريا"مروفية" يوم 15/7/1979 بحضور جبهة البوليساريو كطرف مراقب ،طلب مني الرئيس المالي موسى اتراورى لقاء جبهة البوليساريو ممثلة بشخص البشير مصطفى الفاعل انذاك من أجل التوصل إلى مخرج  للنزاع ونحن وقتها كنا في صدد البحث عن علاقات مع الدول فنزلت عند رغبته في الوساطة ولما اجتمعنا بدأ ممثل البوليساريو يضرب علينا الطاولة : اخرجوا من ارضنا ، فقاطعت الاجتماع وانسحبت  وبعد ذلك طلب مني الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد لقاء البشير  مرة ثانية وبعد الحاح مني للرئيس الشاذلي أن يضمن لي بأن يكون اللقاء مسؤولا ومحترما وأن يكون على أعلى درجات السرية ، فألتزم الرئيس الجزائري بذلك وفعلا قد اوفى بالتزاماته ووضعتهما أمام ثلاثة اختيارات أساسية وأن يختاروا ما يناسبهم من الاختيارات الثلاثة والذي اختاروه ، فنحن كذلك مع ذاك الاختيار :
-الاختيار الأول: أن نستدعي الامم المتحدة للإشراف على استفتاء الإقليم لاختيار مصيره برعايتها وطبعا معروفة نتيجة هذا الخيار مسبقا وعملية ديمقراطية تحفظ لكل طرف كرامته .
-الخيار الثاني : أن نستدعي الامم المتحدة ونسلم لها الإقليم .
الخيار الثالث : أن نستدعي الامم المتحدة ونوقع نحن والبوليساريو تحت اشرافها بقاء الاقليم تحت حمايتنا الى غاية نهاية نزاع الاقليم الاخر ،. و اتفقت مع الرئيس الجزائري على إرسال وفد للتوقيع على أحد الشروط وأن يبقى الأمر على أعلى درجات السرية إلى غاية استدعاء الهيئة الاممية.
بعد عودتى للوطن ارسلت وفدًا بقيادة الضابط السامي احمد سالم سيدي بعد التأكيد عليهم باتخاذ وجهة غير الجزائر من أجل الحفاظ على سرية الأمر والتوقيع على أحد الخيارات الثلاثة الذي سيختاره الطرف الآخر بدون الرجوع اليَ وأن لا يتصلوا بي بعد مغادرتهم الوطن حفاظا على سرية الأمر لان هناك أطراف متعددة ضاغطة من أجل رجوعنا إلى المربع الأول .
تفاجأت بتوقيع اتفاقية الجزائر 05/08/1979 مخالفة شكلا ومضمونا وقانونا على ما اتفقنا عليه مسبقا ، وبعد عودة الوفد الموقع بعد مضئ حوالي أسبوع في الجزائر بدون أن يظهر لهم اي اثر اجتمعت بهم وعاتبتهم على مخالفة الإرشادات، فتحججوا بأنني قلت لهم بأن لا يتصلوا وطال عليهم الوقت بدون نتيجة وأن رئيس الوفد الصحراوي بدأ يضرب عليهم الطاولة مطالبا الخروج من الإقليم قائلا : تلكم ارضنا ونحن ادرى بها المطلوب منكم خروجكم فوقعنا وثيقة الانسحاب التي خرجت للعلن .
ثم يتابع الرئيس الحديث مثلما فعله رئيس الوفد الصحراوي معي في ليبريا فعله مع الوفد الموقع وقد اثبت التاريخ : "لوكان الطرف الصحراوي حكيمًا لما أحتل المغرب اقليم واد الذهب .
ويتساءل الرئيس اين مصير اقليم واد الذهب الآن ؟

 يتابع الرئيس محمد خونة هيدالة "في نوفمبر 1983 أتانا البشير مصطفى السيد واستقبلته شخصيا في الرئاسة بحضور وزير داخليتنا ومدير الأمن وكان في جعبته مطالبتنا بتسليمهم مجموعة من المقاتلين الصحراويين لجأوا عددهم تقريبا في حدود ال50 دخلوا موريتانيا والذين تصفهم جبهة البوليساريو بالفارين منها بسبب مشاكل داخلية بعد شعور هؤلاء بالتهديد لهم حسب أقوالهم ، وحين طالبناه هو كذلك بإرجاع الموريتانيين الذين يوجدون بالبوليساريو وحسب بعض المعلومات التى بحوزتنا انهم في السجون بتهمة "شبكة تخريب" ، فنهض متشنجا مناديا مرافقيه بالمغادرة ،فأمرت الأجهزة الأمنية بتسهيل رجوعه من حيث اتى بسلام .
بعد ذلك بقليل أتانا وزير الدفاع الصحراوي ابراهيم غالي المتأدب وبعد نقاش معه مطول واحتراما مني لكرامة بلدي موريتانيا وحق الضيافة اتفقنا على عريضة تبادل :
اولا : تسليمنا من طرف البوليساريو كل الموريتانيين الذين بها بما فيهم المسجونين .
ثانيا : نسلم نحن للبوليساريو الذين ليست لهم هويات موريتانية سابقا او اي ارتباط مسبق بموريتانيا وحين حققنا في الأمر لم نجد إلا شخصين فقط يشملهما فحوى الاتفاق فتم تسليمهما للوزير مع سيارتهما التي تحمل رشاش رباعي واسلحتهما الفردية ، وفي المقابل نحن لم نتسلم أي موريتانيا ، يعني لم يتم احترام ما أتفقنا عليه .
في هذا المقام استوقفت السيد الرئيس عن الدوافع التي جعلت موريتانيا تقوم بسجن هؤلاء المستنجدين بها ، فكان رده بأنه إجراء امني باعتبارهم مسلحين وسبق أن اختطفت البوليساريو عن طريق كوماندوس لها آخرين من انواكشوط سنة 1981 وشكلت عملية الاختطاف بالنسبة لموريتاتيا تحدياغير مبرر وانتهاك لسيادة الدولة في وقت لم نعد طرفا في النزاع ونحاول تضميد الجروح ، تصرف غير مقبول تماما. 
    

"لگويرة بالنسبة لنا خط أحمر"
يتابع الرئيس محمد خونة هيدالة "بعد  اتفاقية الجزائر تحركت  سفارتا فرنسا والمغرب لمعرفة فحوى الاتفاق وفي نفس الوقت هاجمت جبهة البوليساريو بئر انزران وكان ذلك الهجوم من أعنف وأشد هجماتها، وعلمنا بحشد قوات مغربية على أطراف اقليم واد الذهب الذي مازال تحت حمايتنا في وقت نحن على عتبة خروج من حرب و لسنا في وارد الدخول في حرب ثانية، و تتواجد في مدننا الشمالية فرق من الجيش المغربي باتفاق مع النظام السابق، وكل الاحتمالات واردة.  فطرت في سرية تامة إلى الرباط والتقيت ملك المغرب الحسن الثاني وشرحت له موقفنا من النزاع ونيتنا في الخروج من الحرب نهائيا والانسحاب من الاقليم ووجدته على علم بفحوى اتفاق الجزائر،  وقلت له انه وبغض النظر عن من سيحتل الإقليم بعدنا تبقى نقطة لن ننسحب منها إلى غاية نهاية النزاع وهي منطقة لگويرة التي بالنسبة لنا  خط أحمر وتعتبر عمق امني لن نتركه ان يكون مسرحا للحرب لان قذيفة واحدة في لگويرة يُعتبر انها انفجرت في انواذيبو عاصمتنا الاقتصادية وستبقى تحت حمايتنا الى نهاية النزاع ، فأشترط علي الحسن الثاني شرطين مقابل احترام لگويرة:  الأول أن احيطه علما قبل انسحابنا بيومين من الإقليم .
والشرط الثاني : أن أُغير والي انواذيبو سيد احمد ابنيجارة الذي يراه ملك المغرب مواليا للزعيم الليبي وضد مصالح المغرب.  فكان ردي عليه بقبول الشرط الأول واستحالة الشرط الثاني لكون ذلك قرار سيادي موريتاني، فطأطأ رأسه على ابتسامة وقال: لك احترام منطقة لگويرة. 

 

اللقاء مع الرئيس الصحراوي

يتابع الرئيس محمد خونة ولد هيدالة  حديثه "التقيت الرئيس الصحراوي منتصف ديسمبر 1983على هامش قمة افريقية فأستفسرته عن ما تسرب إلينا عن وجود شبكة تخريبية مزعومة من طرفنا في البوليساريو وقد ورد فيها اسمنا واسماء بعض الشخصيات الوطنية في منابر التوعية والتحريض لديهم في وقت نحن نعمل ما في وسعنا من أجل مناصرة القضية،  وهذا اتهام منافي لتوجهاتنا ولا أساس له من الصحة ، فكان رده بان لاعلم له بالأمر (...!؟..)، وفي نهاية اللقاء ألتمس مني يد المساعدة لموفد من طرفهم من أجل شراء الإبل. 
نهاية ديسمبر 1983 لما  تأكدنا من أقدام المغرب على القيام بحزام دفاعي ملامس لحدودنا الشمالية اتصلت بملك المغرب الحسن الثاني وقلت له أن لا يضعنا في حرج أمام الامر الواقع مما سيفرض على قوات البوليساريو المرور من أراضينا وفي هذه الحالة سيفرض علينا الاعتراف بالجمهورية الصحراوية لانه لا يمكن أن نترك لقوات اجنبية دخول أراضينا ونحن لا نعترف بها ، فلم يأخذ الملك الأمر بالجدية فأقاموا الحزام واعترفنا نحن بالجمهورية الصحراوية يوم 27/02/1984.

 

 عميل وسط قيادة البوليساريو

يتابع الرئيس محمد خونة هيدالة "تسربت إلى علمنا معلومة ثمينة بوجود عميل بين أعضاء قيادة البوليساريو في مطلع سنة 1984 فارسلت وزير خارجيتنا "دحان" (المقصود دحان ولد احمد محمود) ببرقية سرية إلى شخص قائد جبهة البوليساريو عن طريق الجزائر أزف فيها المعلومة، ونبهت وزيرنا بأن لا يسلم الرسالة ألا لشخص الرئيس الصحراوي ومضى الوزير أسبوعا في أمل لقاء الرئيس حتى طال انتظاره فأتصل بي وأمرته أن يسلمها للسفير وسلمها للسفير عمار العظمي فكان رد السفير بعد الاطلاع على فحوى الرسالة : بأن قيادة جبهة البوليساريو كلها مخلصة وثورية وليس بها عملاء ....  
استوقفت الرئيس محمد خونة بأن عمار العظمي لم يكن سفيرا بالجزائر وانما مديرا عاما لجهاز الأمن وربما كان متواجدا وقتها بالجزائر وأستلم الرسالة نيابة او ظن الوزير أن الاسم للسفير  .  
 

خبوز بشرايا البشير

باحث وناقد صحراوي

اثنين, 09/08/2021 - 08:29