كلمة إنصاف وتكريم بحق الراحل بدن ولد عابدين

خطب جلل ألم بالطبقة السياسية ومجامع الوعي والمهتمين بالشأن الوطني برحيل أفرس فرسان تلك الحلبة وأحد أطهر مناضليها في الستينات والسبعينات، أعني بَدّن ولد عابدين.
كان رفيق سميدع الملازم بل "شخصه الثاني" (alter ego)، منذ انخراطهما سويا في الحركة القومية. وبعد رحيل سميدع، صار وريث سره وحامي ذمار الحركة الوطنية والنضال الوطني بعده.. دبر سفينة النضال برأي ماض وقلب شجاع وحنكة تُعيي خيرة المهندسين.
مارد حين البأس.. أما حين يجالس الرفاق والأصدقاء فيكون كما قال الشاعر أحمدو ولد عبد القادر شفاه الله وأطال بقاءه في سميدع: "براءة الطفل تحنو فوق بسمته إن كان يألف إخوانا وخلانا". أو هو كما قال لو سين:
"بحاجب أشوس وببرودة الغاشم ، تراني أتحدى الآلاف الذين يلوحون إلي بالسبابة،
و أرضا مُطأطأ الرأس، بأن أكون كجاموس الطفل".
Le sourcil hautain, je défie froidement les milliers qui pointent le doigt sur moi,
La tête baissée, je me fais volontiers le buffle de l'enfant. 

بدن رحمه الله، كان من طينة البناة (les bâtisseurs). يتولى بنفسه حفر المخابئ وطباعة الوثائق وتوزيعها وإصلاح آلات الطباعة. وبنفس الاندفاع والمواظبة كان ينظم حلقات الدراسة والنقاش ويشرف على تشكيل الخلايا السرية والتنسيق بينها. من لا شيء تقريبا، سوى العزيمة والعقل القادح وغريزة البناء، استطاع أن ينشئ بنية تحتية قوية للكادحين وجريدة منتظمة الصدور وواسعة التوزيع انتظم بها سلك الحركة، وجهاز نخبة للمهام الخاصة يعيش أهله دائما في عرين الأسد (dans la gueule du loup) أو في "عين الردى وهو نائم" كما يقول أبو تمام.
كان لي الشرف أن عملت معه في لجنة المهام الخاصة، سنة 1974-1975 ورافقته، "على غطش وبغش  وسعار وإرزيز..."، في عمليات بالغة الخطورة آخرها عملية نقل الأرشيف السري للكادحين في براميل من خشب، من روصو إلى نواكشوط في أغسطس 1975.
قال لي بعد أن خلصنا بأعجوبة من تفتيش الشرطة لسيارتنا: هل تعلم أن هذا الذي نحمله، لو أنهم أمسكوه، كان سيؤدي بنا مباشرة إلى المشنقة؟
وإذا كان القرب والمخالطة مفضيان عادة إلى الحط من التعظيم، فإن مخالطتي لبدن لم تكن كذلك. إنما زادتني إعجابا بالمناضل وتقديرا له.  
رحم الله بدن ولد عابدين وألهم ذويه الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون

اثنين, 19/04/2021 - 16:11