استقلالية القضاء وعد يتجسد

في هذه المرحلة من معالجة ملف الفساد، تدخل موريتانيا، في عهد محمد ولد الشيخ الغزواني، مرحلة مشرفة تستجيب فيها العدالة لنداء الحق وتفتح الأفق لإرضاء الشعب الذي طالما أرهقه الفساد وللدولة التي عجزت عن تحقيق نهضتها على غرار كل البلدان المجاورة وحتى توجه مقدراتها إلى عملية التنمية المتعثرة.

نعم هو تنفيذ "وعد"، قطعه للشعب رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني في برنامجه الانتخابي، بفصل السلطات الثلاثة عن بعضها لتباشر كل منها مهامها الجسيمة باستقلالية وحياد ونزاهة وتجرد واحترام للمساطر القانونية ونظمها المعمول بها. 

وإذ ظهرت بدون شك بوادر تجسيد هذا الوعي على أرض الواقع فإن علاماتها تشكلت خلال أول اجتماع للحكومة الأولى بعد توليه الحكم حيث قال الرئيس للوزراء وبالحرف "سيصبح كل واحد منكم مسؤولا عن سياسة قطاعه دون تدخل أو إملاء من أحد، ولكنه في المقابل سيكون وحده المطالب بالتبرير لها والمسؤول عن نجاحها له أجر ذلك وعن إخفاقها عليه وزر ذلك.

ولما كان هذا المنطلق صحيحا وقد نال التزكية الكاملة من الشعب والإعجاب من الخارج "المراقب" عن كثب، فإن الخطوة التي تلت ذلك، على إثر إصدار اللجنة البرلمانية المكلفة التحقيق في ملفات الفساد باستقلالية أشاد بها النواب، ولم يعهدها البرلمان من قبل، وتحويله إلى الشرطة المكلفة بالبت والبحث عن الجرائم الاقتصادية، باشرت عملها بكل صرامة وشجاعة وانسجام مع القانون ومساطره، تمثلت إذن هذه الخطوة في إقالة الوزراء المشمولين في الملفات بمن فيهم الوزير الأول للتفرغ للدفاع عن أنفسهم من التهم التي قد توجه إليهم؛ خطوة لقيت في وقتها هي أيضا ترحيبا منقطع النظير وقد أبانت، للشعب المتطلع إلى العدالة للتحقيق في مقدراته التي نهبت وبددت والعالم المراقب عن كثب وباهتمام بالغ، عن جدية المسار إلى استقلال القضاء ونفاذ القانون في موريتانيا. 

وها هي الخطوة الثالثة تعزز هذه الأيام هذا الخيار الديمقراطي وتفصح عن إرادة "المضي" بلا تردد إلي ترك السلطة القضائية تباشر باستقلالية مهمتها بعيدا عن أي تأثير خارجي أو تدخل أو إملاء أو ضغط من أي نوع كان من التدخلات و الاملاءات التي كانت معهودة في الأحكام السابقة، كما أكد على ذلك وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتقنيات الإعلام والاتصال، الناطق الرسمي باسم الحكومة سيدي ولد سالم بقوله "إن ملف التحقيق في قضايا الفساد، بين يدي العدالة، وهي وحدها التي يمكنها الحديث عنه".

هكذا، وبهذا التصريح لوسائل الإعلام يتأكد مرة أخرى أن وعد رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني بتكريس استقلالية القضاء قرار لا رجعة فيه وأن ملف التحقيق في قضايا الفساد، بين يدي العدالة وحدها.

ولأن المتهم يظل بريئا حتى تثبت إدانته فإن القضاء يقوم بعمله، دون قيود أو إملاءات أو ضغوط من أية جهة، من أجل إحقاق الحق والنطق بالحكم العادل على كل من يثبت ضُلوعُه في ملف أو أكثر من ملفات الفساد المشمولة وموضع التهم ونتائج التحقيقات، غير عابئ بالتداعيات الخارجية الحاصلة على هامش المسار القضائي والتي منها ما حمل الوجه السياسي والاجتماعي، وكذلك ما تثيره من ردود الأفعال المتباينة في الشارع ومن حول العالم بفعل الإعلام المتابع ووسائل التواصل الاجتماعي بكل أنواعها.

ويبقى الذي لا يطاله الشك أنه، على الرغم من محاولة البعض المستميتة التقليلَ من أهمية هذا السعي إلى محاكمة الفساد بذكره وتعريته وصولا إلى محاكمة المفسدين، أن الذي يجري يعد استجابة لمطلب من مطالب الشعب الموريتاني الذي عانى ويعاني من تدمير البلد على أيدي من وثق فيهم من أبنائه قلدهم أعلى المناصب وأخطرها وأدقها فخانوا الأمانات وببددوا المقدرات ومكنوا الشركات العالمية من خيرات الوطن معادن و بترولا وسمكا ليأخذوا الفتات من تحت الطاولة. فهلا ندعم القضاء في مساره ونتحلى بروح المواطة نابذين اللجوء إلى القوالب الماضوية التي تدثر بها المفسدون حتى قضوا على حلم الاستقلال ودولة القانون والعدالة وتقدير الكفاءة الصارمة في نزاهة أصحابها و إخلاصهم للوطن وعزته.

 

جمعة, 12/03/2021 - 15:49