الإسلاميون والناصريون وولد الطائع!

دفع حماس الناصريين ورغبتهم في المشاركة السياسية إلى  الواجهة السياسية لنظام الرئيس ولد الطائع، ومن أجل الحفاظ على هذا المركز تحالف الناصريون مع البعثيين والإسلاميين لخلق جبهة عربية إسلامية، وقاموا بوضع البرنامج الإنتخابي والخطاب السياسي للرئيس معاوية، وذلك أثناء الإنتخابات الرئاسية 1992، وساهموا مساهمة نشطة في تأسيس الحزب الجمهوري الديمقراطي والاجتماعي، وصاغوا نصوصه القانونية وفقا لرؤيتهم السياسية وأهدافهم الإيديلوجية. 

 

كان الإسلاميون أول من حاول جر الناصريين إلى حضن الرئيس ولد الطائع عندما اتصل المختار ولد محمد موسی بالخليل ولد الطيب، وأبلغه اعجابه بمداخلة كان هذا الأخير قد ألقاها أمام الرئيس ولد الطايع بمناسبة زيارته لمدينة كرو سنة 1986، لكن أجندة الرئيس لم تسمح له باستقبال مبعوث الناصربین إلا بعد ذلك: "وظلت محاولاتنا مستمرة حتى سنة 1987، حيث التقيت مع الرئيس عن طریق علاقة مع الأخوين محمد السالك ومحمد عبد الرحمن أبناء احميده، حيث نظما لي لقاءً مع أحمد ولد الطايع ليقدمني إلى الرئيس لاحقا، وبعد هذا اللقاء مع الرئيس الذي تناول موضوعات عامة تتعلق بمفهومه للدولة ومشروعه المجتمعي كما قدمه، ومحاربته للقبلية وحرصه على الوحدة الوطنية إلى غير ذلك من الأمور التي قدرتها له وقتها ونقلتها بكل أمانة إلى الإخوة وقلت إنني لمست فيها الصدق".

 

بعد هذا اللقاء التمهيدي تتالت اللقاءات بين الناصريين والرئيس ولد الطايع فاستقبل الأساتذة، أحمد ولد مد الله، ومحمد الأمين ولد سيدي، وأحمد ولد اخليفة ولد جدو الذي عينه كاتبا للدولة مكلفا بمحو الأمية وبالتعليم الأصلي ثم وزيرا فسفيرا، وكان بذلك أول ناصري يرتقي إلى درجة وزير، ثم جيء بالرشید ولد صالح، ليخلف ولد اخليفة في منصب الوزارة وليتولى تمثيل الحركة في الحكومة لمدة أكثر من عشر سنوات، وينتهي به المطاف رئيسا للجمعية الوطنية، بعد نجاحه كنائب عن مدينة العيون في استحقاقات تشرين الأول/ اکتوبر سنة 2000، حيث لاحظ المراقبون القفزة النوعية لهذا الزعيم الناصري، ولكن الجميع متفقون على أن الرجل قطع كل صلة له بالتنظيم الناصري وانغمس في سياسة الحزب الحاكم، وهو ما منحه هذا الصعود المفاجئ. 

 

إن تجربة الأستاذ الرشيد ولد صالح مع نظام ولد الطائع لا تعكس علاقة الناصريين بالرئيس، فهي تجربة استفادت فقط من مرحلة التصالح الأولى مع الرئيس، ليستقل صاحبها بعد ذلك ويصبح منفصلاً عن تجربة التيار الناصري، وتصبح تجربته مجرد أداء سياسي فردي برع صاحبه في الحفاظ على شراكة دائمة مع الرئيس ولد الطائع، أما الناصريون فستمر علاقتهم مع السلطة السياسية بمنعطفات. 

 

لقد استطاع الرئيس ولد الطائع استمالة التيار القومي بعامه، والناصريين بخاصة، وذلك من خلال تصريحاته المتكررة بشأن الهوية العربية للبلاد، وبصدد تطلعاته للوحدة العربية وسبل إنجازها، فعندما سئل ولد الطائع عن مسالة تعريب البلاد، قال "ليست موريتانيا بالبلد السائر في طريق التعريب، لأن موريتانيا في الأصل بلد عربي"

 

(..) وبعد مدة من الانسجام والتوافق السياسي بدأ الخلاف يدب بين الناصريين والرئيس ولد الطائع الذي قلب ظهر المجن للخطاب القومي والعروبي، وهو الذي رفع في حملته الرئاسية الهوية العربية للبلاد وشرع بعد ذلك في مسلسل من النشاطات ذات التوجه الغربي، مثل التفرنس على مستوى التعليم والتطبيع مع اسرائيل. 

 

ونظرا إلى أن النظام بدأ يحارب توجهات التيار الناصري، فقد فكر هذا الأخير في البحث عن شريك سياسي جديد، ولكن بعض عناصر التيار الناصري فضلوا البقاء مع النظام، وطبقوا مبدأ "حركة بلا فكر" مؤقتا إلى أن تتضح الأمور فيما بعد. 

 

المصدر: محمد الأمين ولد سيدي باب، مظاهر المشاركة السياسية في موريتانيا، 2005، ص86

سبت, 12/12/2020 - 20:21