"دالي كمبة".. عندما يشكل العميان قرية

العين عضو هام وحساس لدى الإنسان، وأي حصاة تمس العين أو رمد يصيبها يعيق حركة صاحبها، فما بالك بمن يولد أعمى ثم يكتشف أن أباه أعمى وأنه سيورث العمى لأبنائه وأحفاده من بعده؟.

هذا هو الحال تقريبا في قرية "دالي كمبة" الموريتانية النائية الصغيرة التي تقع جنوب شرق موريتانيا على بعد أكثر من 1000 كلم شرق العاصمة نواكشوط.

يقطن القرية حوالي 200 شخص منهم 180 مصابون بنسبة من العمى تصل حد العمى الكلي بالنسبة ل35 فردا، فيما تتفاوت درجة الإصابة بالنسبة للبقية.

تشكل القرية مجتمعا شبه بدائي منعزلا عن الحياة الخارجية، فالمساكن أكواخ وأعرشة بالية مترامية بين الأشجار على الرغم من بناء بعض الغرف الإسمنتية مؤخراً في أطراف القرية.

لا توجد في القرية مكاتب حكومية ولا نقطة صحية ولا مركز أمني.

القرية مثال رائع للتكافل فالمكفوفون يستعينون بالمبصرين في تعليمهم وبعض الجوانب الحياتية الأخرى، لكنهم لا يعتمدون عليهم في أمور كالزراعة والطبخ وحلب الماشية، فقد علمتهم الحياة كيفية القيام بهذه الجوانب على الرغم من فقدان البصر، مع أن وجود أسر بكاملها تعاني من العمى يحد من قدرة جميع أفرادها على القيام بالوظائف اليومية،  ويؤثر سلباً في نوعية الحياة التي يعيشونها، حيث إنهم يعتمدون كليا على مساعدة الجيران.

ويضاعف من قسوة المعاناة التي يكابدها سكان قرية العميان حالة الفقر الشديد التي يعانيها سكان المنطقة والبلاد عموما وتصاعد وتيرة غلاء الأسعار خلال السنوات الأخيرة لأسباب عديدة منها تناقص وتأخر الأمطار التي تشكل العمود الفقري لاستمرار الحياة في الريف الموريتاني.

 

لم تكن قرية العميان معروفة على نطاق واسع وحتى في موريتانيا بسبب انعزالها وبعدها عن المراكز الحضرية في البلاد، لكن الترخيص لقنوات مستقلة خلال العام 2010 وقيام إحدى تلك القنوات بإعداد تقرير تلفزيوني عن القرية كشف قصتها للرأي العام وبدأت المطالبات بالتدخل لتخفيف معاناة القرية، مما دفع السلطات الى القيام بنقل مجموعة من سكانها إلى نواكشوط، لمحاولة علاجهم من العمى الوراثي، وقد مكنت تلك الخطوة من إعادة البصر  لشخصين.

وكشفت الدراسات الصحية المحدودة التي قيم بها أن أسباب العمى الذي تعاني منه القرية وراثية وأن الجيل المتأثر حاليا من المرض هو الجيل التاسع لهذه العائلة مما يعني أنها بدأت تقريبا قبل 350 سنة تقريبا.

وتزيد من تكريس ظاهرة العمى في قرية دالي كمبة حالة العزلة التي تعاني منها القرية والتي ترغم سكانها على التزاوج فيما بينهم، إضافة إلى أن ظاهرة زواج الأقارب منتشرة في البلاد، حيث تشير بعض الدراسات أن 68% من الموريتانيات يتزوجن بأقارب من الدرجة الأولى.

 

ومع الحاجة إلى مزيد من البحث العلمي اعتبر بعض الخبراء أنه لا علاج طبيا ولاجراحيا في الوقت الحالي يشفي كليا من الحالات التي يعانيها سكان قرية دالي كمبة،. لكن هؤلاء الخبراء ينصحون بأن يخضع سكان القرية لبرنامج متابعة صحية، وأن يتم العمل على التخفيف من معاناتهم من خلال تقوية الإضاءة والصورة في جهاز العين لتحسين نسبة الرؤية لديهم.

 

طبيعة التدخل الإماراتي في قرية دالي كمبة

 

أعلنت رئيسة اللجنة العليا لمبادرة “عطايا”، الشيخة شمسة بنت حمدان بن محمد آل نهيان، أنه تم تخصيص ريع معرض عطايا في العام 2018، لإقامة مشاريع تنموية وتأهيل البنية التحتية في قرية “دالي كبمة” في الشرق الموريتاني التي يعاني نصف سكانها من العمى الوراثي.

وبلغ ريع معرض "عطايا" المذكور، ما قيمته سبعة ملايين ومائتي ألف درهم إماراتي.

وقالت الشيخة شمسة، إنه سيتم إنشاء مساكن للأسر الفقيرة، ومدارس، ومركزا طبيا لأمراض العيون..

وبالفعل بدأ العمل على إنشاء تلك المشاريع في العام 2018 من طرف الهلال الأحمر الإماراتي، وتشمل حسب السيد سعيد المزروعي، مدير إدارة الإغاثة في الهلال إنجاز 40 منزلا مع الملحق والسور الخارجي، ومدرسة من 4 فصول، وعيادة طبية ومسجدا، إضافة إلى بيت تعليمي للحرف اليدوية، وحفر بئر ارتوازية مع خزان مياه يعمل بالطاقة الشمسية.

ورغم مناشدات السكان للتدخل لمساعدتهم وزيارة العديد من المنظمات، إلا أن تدخل الهلال الأحمر الإماراتي، كان شاملا وغير مسبوق، ولامس معاناة السكان وسيساهم في تخفيفها بشكل كبير، وهو ما جعل ألسنتهم تلهج على الدوام بشكر الإمارات وأهلها..

 

خميس, 15/10/2020 - 10:27