الأربعاء.. اليوم الذي لا يعنينا

بداية دعوني أعترف لكم بأن هذه هي المرة الخامسة التي أكتب فيها مقالا حول يوم الأربعاء، وفي كل مرة كنت أقتل المقال تلو الآخر، قبل طلوع الشمس، دون أن يطلع عليه أحد، إضافة إلى أنني كنت أعجز عن إيجاد عنوان يشفي الغليل ويعبر عما في الصدر، غير أن الواقع لم يرد للفكرة أن تموت وللشعور أن يهدأ، ولم يتركنا يوم الأربعاء دون استفزاز. 

 

لقد كان الأربعاء يوما عاديا بالنسبة لنا، كسائر الأيام التي فيها نسعى ونشقى، ونبحث عن الذات وتأمين المستقبل، لولا أن اختاروه يوما لاجتماع مجلس الوزراء واتخاذ القرارات المهمة المصيرية التي تخص  البلد، كان ليكون مثل كل الأيام لولا لم يكن اليوم الذي يتم فيه نشر جل التعيينات الجديدة.

 

تلك التعيينات جعلته يوما لا يعنينا، إنها تعيينات لأسماء أناس سمعنا بأسماء آبائهم ونحن صغار، وقرأنا عن بعضهم في كتب التاريخ، إنهم يورثون تلك المناصب للجيل الذي يليهم ثم الجيل الذي يلي ذلك وهكذا دواليك، وأسماء لآخرين أهلوهم حديثو عهد بالقوة والمال، ونسمع بهم في الأخبار والمجالس، إنه شأن خاص بهؤلاء لا دخل لأبناء الفقراء فيه.

 

وطائفة أخرى لا إلى هؤلاء ولا إلى ألائك، إنهم قوم يصفقون آناء الليل وأطراف النهار بأيديهم وأرجلهم، وبعضهم يستخدم كل وسيلة ممكنة شريفة وغير شريفة، للوصول إلى مكانة قد لا يستحقها، لكنه يحصل عليها، ثمنا لكرامة أصبح مكانها قاعا صفصفا. 

 

هكذا أصبح الأربعاء مستفزا لكل من يعتقد بأنه لديه المقدرة على خدمة هذا الوطن من مكان ما، كهذا أصبح الأربعاء  لا يعني من ليس لديه أحد يبذل له جهدا ومن لم يترك له والده أو والدته مكانة ولا يعني أيضا من لا يؤمن بأن المكانة التي يستحق لا يحصل عليها إلا بالتقرب من المسئولين والتردد على أبواب الحزب الحاكم وكيل المديح لقياداته، وإعادة نشر مقالات المؤثرين في النظام والدفاع عنهم تزلفا. 

 

إن هؤلاء الذين ينشرون الأمل مع هذه النظام، بات من الواضح أنهم ينشرون أملا زائفا لتنويم الغاضبين مغناطيسيا ولإسكاتهم أطول مدة ممكنة، وإن سكوت المعارضين ليس بسبب الأمل والضمانات بل بسبب مرارة الغياب عن المناصب لمدة عشر سنوات هي عمر حكم النظام السابق، وليس فيهم المستعد لعشر سنوات قادمة تنقص قليلا، إن الإقصاء مر مذاقته كطعم الحنظل. 

 

ما على هذا النظام أن يدركه هو أنه هناك غضب يتولد في صمت داخل نفوس الشباب، ممن لا داعم لهم غير الكفاءة والبحث عن الفرصة المناسبة في المكان المناسب لهم، وإذا بلغ ذلك الغضب مرحلة الغليان، ونفذ الصبر، فإن الهدوء السائد لن تعكر صفوه الأحزاب ولا القادة ولا رجال الأعمال، إنما الطاقات المهدورة المعطلة، التي ستموت كمدا كل أربعاء تشاهد المناصب يتقاسمها أسماء بعض أبناء أهل النفوذ القبلي والجهوي والشرائحي والمادي ..إلخ

 

يخاف الغاضبون بصمت من الكلام والتعبير لثلاثة أمور، إما أن تقرأ كلاماتهم على أنها حسد لأصحاب التعيينات الجديدة، وإما أن يقال هؤلاء يتكلمون لأنهم يريدون التعيين والوظائف، ما أسخفهم،  وهل هناك أحد لا يريد التعيين والوظائف ؟ وإما أنهم يخافون من الحديث لكي لا يغضبوا النظام، فيصد عنهم ويكونوا من الخاسرين. 

لقد كانت أكبر أخطاء النظام السابق، تتعلق بتعيين أشخاص في أماكن لا يعرفون عنها شيئا، فقط من أجل مكافأتهم على الولاء أو أعمال قاموا بها أو لتوازنات معلومة ومحسوبة. 

 

ومع الأسف أظهرت كثير من تعيينات هذا النظام، سيره على ذلك النهج، وهو النظام الذي أريد له أن يمتلك نهجا مختلفا، فهل المشكلة من الرأس أم المرؤوسين؟ قد لا يتبرع أحد بالإجابة الآن في زمن الصمت المطبق، فلا أحد مستعد أن يكون أول من يغضب النظام، ويشار إليه بالبنان ويوصم بالمعارض، إننا في زمن تم تأجيل المعارضة فيه إلى حين..

 

ما تزال الفرصة متاحة للنظام من أجل طمأنة الجميع، من خلال تلافي الأخطاء الأخيرة، ومن بينها التعيينات المثيرة للجدل والغضب، وما يزال الطريق سالكا لتحقيق تعهد الرئيس " لن أترك أحدا على قارعة الطريق" لكن الأولى أن تكون الأولوية لمن عاشوا فعلا سابقا على قارعة الطريق، وليست لمن توارثوا المناصب والفرص ولم يتركوا للغير فرصة ممارسة الأحلام حتى.

 

السالك زيد - صحفي

جمعة, 02/10/2020 - 18:59