عشرية الرئيس السابق "الإنجازات والإخفاقات"

منذ الإستقلال عرف الحكم ببلادنا ثلاث حقب، الحقبة المدنية (الجمهورية الأولى) الممتدة من سنة 1960حتى 1978 تاريخ الإنقلاب على الرئيس المؤسس وصانع الاستقلال المختار ولد داداه، حينها دخل الحكم في البلاد حقبته العسكرية التي امتدت حتى إقرار دستور 1991 خلال هذه الحقبة كانت الدولة تدار بإعلانات دستورية تصدرها اللجان العسكرية التي تعاقبت على السلطة خلاة تلك الفترة، كما أن الوسيلة الوحيدة المعمول بها لتغيير الحكم حينها هي الانقلابات العسكرية لذا فإن أغلب العمليات العسكرية الرامية لتغيير نظام الحكم التي عرفتها موريتانيا وقعت في تلك الحقبة.

وبعد اعتماد دستور عشرين يوليو1991 أخذ الحكم في الدولة شكلا آخر بعد إقرار هذا الأخير التعددية الحزبية وانتخاب الرئيس عن طريق الشعب بوصفها الطريقة الدستورية الوحيدة لتغيير أو الوصول لرئاسة الدولة.

ويمكن وصف هذه الحقبة بالحقبة المختلطة. والحقيقةأن السلطة فيها مدنية في ظاهرها عسكرية في واقعها، هذه الحقبة التي لا نزلنا نعيشها حتى اليوم وفيها يخلع العسكري الأصيل بزته العسكرية ويمر من ممر ديمقراطي مغشوش ليصبع رئيسا مدنيا. بهذه الطريقة أصبح العسكر في موريتانيا يفضلون التناوب على قيادة البلاد بدل الإنقلاباتالعسكرية التي لم تعد مقبولة دوليا.

ويعتبر محمد ولد عبد العزيز آخر رئيس مدني عسكري تخلي عن رئاسة البلاد لرفيق دربه في المنظومة العسكرية محمد ولد الشيخ الغزواني بعد ما هيئ له كل الظرف.

وما إن رحل الرئيس عزيز عن الحكم حتى أصبح من كانوا بالأمس القريب يصفونه بأنه هو من أطعم من جوع وآمن من خوف ينعتونه بالرجل المفسد، والبلاد لم تشهد خلال فترة حكمه سوى الفساد ونهب المال العام.

ويبقى الواقع أن ولد عبد العزير خلال فترة رئاسته قام بعدة إنجازات هامة شملت مختلف القطاعات الحيوية في البلاد وله نجاحات على المستوى الأمني والصحي والتعليم والبنية التحتية وحقوق الإنسان وحتى في المجال الدبلوماسي. إنجازات ينبغي ذكرها والبناء عليها، كما أن له إخفاقات قاتلة يجب إصلاح الآثار السلبية الناجمة عنها.

وسنحاول في هذه الأسطر إبراز أهم الإنجازات والإخفاقات التي شهدها حكم الرئيس السابق ولد عبد العزيز.

لنبدأ إنجازات الرجل بالملف الأمني حيث تراجعت التهديدات الأمنية التي كانت تتعرض لها البلاد من قبل الجمعات المتطرفة في المغرب الإسلامي، وذلك من خلال الرفع من مستوى أداء الجيش الوطنيوإعادة هيكلته كما طور على مستوى التدريبوالتسليح كتائبه المختصة في مجال مكافحة الإرهاب.

وفيما يخص القطاع الصحي لم تكن العاصمة انواكشوط حين تسلمه للحكم تتوفر إلا على ثلاث مستشفيات رئيسة هي المستشفى الوطني والمستشفى العسكري ومستشفى الشيخ زايد مع أنها الوجهة الأولى والأخير للمرضى من جميع أنحاء الوطن. ليتم في عهد الرئيس عزيز بدأ العمل في عدة منشئات صحية مع تزويدها بأفضل المعدات مثل مستشفى الصداقة ومستشفى الأمومة والطفولةومستشفى أمراض السرطان الذي حد من لجوء المصابين بهذا المرض الخبث للخارج لتلقي العلاج، كما تم بناء منشئة جديدة مجهزة مخصصة لأمراض القلب.

وفي الداخل انعكست هذه الإصلاحات على المنشئات الصحية في بعض المدن الداخلية كما هو الحال بالنسبة للمستشفى الجهوي لمدينة كيفه الذي لم تكن قدرته الاستيعابية حتى سنة 2011تتجاوز 60 سريرا لتصبح اليوم 150سريرا مع توفره على أغلب التخصصات.

شمالا وتحديدا في مدينة انواذيبو تم سنة 2017تدشين المركز الإستشفائي للتخصصات الذي أصبح وجهة للمرضى من مختلف أرجاء الوطنالراغبين في العلاج على أيادي أطباء أجانب.

وفي مجال التعليم ورغم ما يشهده من تدهور وضعف في المستويات استحدث قطاع التعليم الإعدادي والثانوي تجربة مدارس الامتياز التي أعطت مؤشرا جيدا لخلق جيل مؤهل بأحسن الخبرات العلمية ويلبي حاجيات البلد من الكفاءات عالية التكوين.

وبخصوص التعليم العالي والبحث العلمي فقد تم تدشين عدة منشئات تعليمية جدية كالمدرسة العلياء المتعددة التخصصات وجامعة العيون الإسلامية أول جامعة للعلوم الإسلامية تنشئها الدولة.

كما اهتمت السلطات بشكل غير مسبوق بمراكز التكوين المهني.

وفيما يخص البنية التحتية جرت محاولات لعصرنة عواصم الولايات وهو ما أحدث تحسنا نسبيا لشكل بعض المدن مثل مدينتي انواكشوط وانواذيبو، كما تم بناء مطار دولي للبلاد احترمت فيه وبقد كبير المعايير الدولية المتطلبة لبناء منشأة من هذا النوع.

وبدأ الرئيس عزيز نشاطه الدبلوماسي بقطعهلعلاقات بلاده وبشكل تام مع إسرائيل تلك التركة الثقيلة التي عجز من سبقه عن التخلص منها.

وتمكن بوصفه رئيسا سابقا للإتحاد الإفريقي من حل الأزمة السياسية الحادة التي عرفتها دولة غاميابسبب امتناع رئيسها يحي جامي من التخلي عنالسلطة بعد هزيمته في الإنتخابات لخلفه آدما بارو. وأدى نجاح تلك الوساطة إلى تجنب البلاد الانزلاقنحو نزاع مسلح لا يبقي ولا يذر ليس في غامبيا وحدها بل في كل المنطقة المضطربة أصلا.

وفي ميدان حقوق الانسان جرم إخضاع الأفراد للاسترقاق وجميع أنواع تسخير الكائن البشري أو تعرضه للتعذيب أو المعاملة للإنسانية. واعتبرت تلك الأفعال وفقا لنص الدستور جرائم ضد الإنسانية.

وترسيخا لمبدأ التناوب السلمي على السلطة تم تجريم الإنقلابات العسكرية وكل أنواع تغيير السلطة المنافية للدستور باعتبارها جرائم يعاقب عليها القانون بوصفها غير قابلة للتقادم.

ويحسب للرجل تخليه عن السلطة وعدم محاولته إجادمخرج دستوري يمكنه من البقاء رئيسا للدولة مع توفر بعض الظروف التي قد تشكل عاملا مشجعاله لتخاذ خطوة من هذا النوع ولتي منها ما هو داخلي مثل المبادرات الشعبية المطالبة ببقائه في السلطة. وخارجية كارتمائه في معسكر الدول المناوئة للربيع العربي المحرجة من الديمقراطية.

   في المقابل تميز حكم الرئيس محمد ولد عبد العزيز بتفشي الفساد في جميع مرافق الدولة، فكل ما نفذ من مشاريع رغم أهميتها إلا أن كلفتها المالية المعلن عنها تفوق بالأضعاف كلفتها الحقيقية وهو ما يعد استنزافا لموارد الدولة واختباء وراء تنفيذ بعض المنشئات لنهب المال العام.

كما أبرمت الدولة في نفس الفترة اتفاقيات في مجال الصيد والتنقيب عن الذهب كانت مكاسب الدولة منها محدودة مقارنة بالطرف الآخر، كما هو الحال في اتفاقية تازيازت التي لا تحصل الدولة بموجبها إلا على 3% من إنتاج الشركة.

فإذا كان التخلي أو بيع جزء من الأراضي الوطنية دون الرجوع للشعب يعتبر خيانة عظمي (جريمة) ألا يمكن تكييف بند في اتفاقية مع جهة أجنبية يقضي باستغلال واحدة من أهم الثروات غير المتجددة ولفترة زمنية طويلة نسبيا مع عائد بسيط لميزانية الدولة على أنه صورة أخرى من صور الجريمة المذكورة (الخيانة العظمى).

وفي نفس الإطار تعرضت عدة منشئات حيوية ذات الرمزية تعود ملكيتها للدلة للبيع في صفقات مشبوهة.

وبعيدا عن الفساد المالي لم تكن سياسة الدولة الخارجية والمتعلقة بمواقفها من مستجدات الساحة السياسية العربية والدولية قائمة على الموازنة بينمبدأ احترام سيادة الدولة وضمان مصالحها العليا حيث كانت مواقف النظام وخاصة في سنواته الأخيرة كالإمعة. تابعا وبشكل مطلق لما تتخذه المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات من قرارات.فبعد يوم واحد من إعلان تلك الدول قطع علاقاتها مع دولة قطر أخذت موريتانيا القرار ذاته وقد عجز المتحدث باسم الحكومة حينها عن إعطاء أي مبرر لذلك القرار غير التهمة التي تدعيها الدول المقاطعة لقطر والمتمثلة في دعم الإرهاب وهي تهمة لم يوجد لها ما يثبتها حتى اليوم.

صيح للدولة مصالح مهمة مع العربية السعودية والإمارات لا يجب التفريط فيها، لكن بالمقابل لهاكذلك مع دولة قطر مصالح من نفس الدرجة كان ينبغي المحافظة عليها باتخاذ موقف محايد ـ على الأقل ـ من الأزمة الخليجية كما فعلت بعض الدولمن محيطنا العربي والإفريقي.

رحل عزيز عن السلطة ليخلفه قائد الأركان السابق ووزير دفعاه محمد ولد الشيخ الغزواني، ولم يقم هذا الأخير بأي فعل يؤشر على انتهاجه سياسة مغايرة لسلفه في طريقة إدارته للدولة.

الجديد الوحيد على الساحة السياسة الوطنية هو تفكك المعرضة، فما إن أعلن الرئيس غزواني عزمه الترشح للإنتخابات الرئاسية الأخيرة التي فاز فيهاحتى بدأت المعارضة التي كانت متكتلة في جسم سياسي واحد هو المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة وتعتزم توحيد مرشحها فمنذ أن تأكد لهاتشرح الرئيس الحالي بدأت بالتلاشي بل أبعد من ذلك انضم جزء من تلك المعارضة الراديكالية للمؤيدين لمرشح حزب الإتحاد من أجل الجمهورية، وكأن المعارضة لم تمكن في وقوفها ضد الرئيس السابق تعارض سياسة نظام ، بل تعارض وجود شخص الرئيس عزيز في على رأس السلطة لا غير. لأنه في الواقع لايزال النظام الحالي يسير البلادبالمنهج ذاته الذي حكمها به من سبقوه.

يتذكر الجميع أن ولد عبد العزيز الرئيس السابق أعلن الحرب على الفساد والمفسدين لكن تلك الحرب لم تصل نيرانها سوى خصومه السياسيين.

كما أن أغلب رجالات النظام السابق وصانعوا سياساته بمختلف مجالاتها لايزالون يتسيدونالمشهد السياسي حتى اليوم.

ولازالت مهرجانات التطبيل وما تشكله من بيئة نشطة للمفسدين وداعميهم قائمة ولن يكون آخرها ما عشناه مؤخرا بمناسبة مرور عام على حكم الرئيس الجديد محمد ولد الشيخ الغزواني.

فهل يسعى النظام الحالي فعلا من خلال التحقيق في شبهات فساد شهدتها فترة حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز لمحاسبة المفسدين واسترداد ما نهب من المال العام، أم أن الأمر لا يعدو كونه استهداف لشخص الرجل لإزاحته عن المشهد السياسي وإرهاب من بقي يدين له بالولاء من المدنيين والعسكرين؟

 

ثلاثاء, 25/08/2020 - 18:50