الرئيس الجديد للسنغال، كيف نجح؟ وماذا ينتظره؟

تدخل السنغال للمرة الثالثة محطة سياسية جديدة بإرساء عرف التناوب على السلطة، وتحتفل بعرسها الديمقراطي الجديد بنهكة أخرى تتمثل في فوز معارض شبابي يحمل خطابا يدعو للقطيعة في ممارسات الحكم وإرساء مبدأ السيادة في علاقات البلاد الخارجية.

يحلو للكثير من المراقبين وصف الرئيس الجديد للسنغال بشير جوماي فاي بـ"مرشح الصدفة"، فلم يكن اسمه قبل أشهر ضمن قائمة الساسة المحتملين لحكم السنغال، وإنما دفعت به الأقدار بعد صدور حكم قضائي يمنع رفقيه عثمان سونكو من الترشح. وضع سونكو من داخل معتقله "خطة: ب" تقوم على تقديم أكثر من مرشح خوفا من الغياب عن حلبة السباق الرئاسي، فكان جوماي فاي الخيار الأول ضمن هذه الخطة رغم أن الاختيار وقع عليه وهو قابع في السجن أيضا بتهمة الإساءة للعدالة.

من هو بشير فاي؟

 

صعد اسمه للواجهة السياسية والإعلامية بعد المضايقات التي تعرض لها عثمان سونكو رئيس حزب "باستيف"، فجوماي فاي الذي تتصادف الذكرى الرابعة والأربعين من عمره مع اليوم الموالي لانتخابه ينتمي الرئيس الجديد لقومية "سرير"، التي خرج منها ليوبولد سيدارف سينغور أول رئيس للبلاد، ويشترك جوماي فاي في نفس الإسم العائلي مع مريم فاي زوجة الرئيس ماكي صال. 

ينتمي الرئيس الجديد لمدرسة شبابية متدينة حديثة عهد بالسياسية، حصل مع سونكو سنة 2014 على ترخيص حزب "باستيف"، وذلك بعض مضي حوالي سبع سنوات من التحاقهما بالوظيفة العمومية كمفتشي ضرائب.

كان جوماي فاي المرشح الوحيد من بين قائمة المرشحين التسعة عشر، الذي نشر ممتلكاته، المتمثلة في 78 مليون فرنك (نحو 51 مليون أوقية قديمة)، منها حولي 48 مليون افرنك إفريقي (نحو 32 مليون أوقية قديمة) قروض من مؤسسات مصرفية، أثناء الحملة الانتخابية وطالب منافسه الرئيسي أمادو باه بفعل ذلك، معرضا به باعتبار أن مشكلة السنغال تتمثل في "الموظف مالك المليارات"، في إشارة تتضمن الاتهام بالفساد.

عندما فاز الرئيس ماكي صال في انتخابات سنة 2012 احتفت بعض الصحافة السنغالية بفوزه من خلفية أخرى، مشيرة إلى أن ماكي هو أول رئيس للبلاد يدخل للقصر سنغالية كسيدة أولى، واليوم يدخل جوماي فاي سيدتين سنغاليتين للقصر في تصالح واضح مع تقاليد المجتمع وقيميه الدينية.

 

ظروف هيأت لفوز جوماي

لم يكن فوز الرئيس الجديد بالمفاجئ، فمن بين الأسباب التي جعلت ماكى صال يحاول التلكؤ في تنظيم الانتخابات بتمديدها قبل أن يبطل المجلس الدستوري قراره، حصوله على معلومات ميدانية تؤكد أن جوماي سيتجاوز في الشوط الأول من الانتخابات.

 

من الأمور النقاط الجوهرية التي تفسر فوز جوماي:

- عدم وجود قوى موجهة: من حسنات التجربة السياسية والديمقراطية السنغالية التحرر من وصاية القوى الموجهة والمرجعية ذات تأثير مباشر على قناعات وخيارات الناخب السنغالي باستثناء الأحزاب والاتجاهات السياسية وما تقدمه من برامج ومشاريع يصوت الناس على أساسها. وتعتبر هذه النقطة من أهم دعامات التجربة السنغالية.

فالجيش السنغالي جيش جمهوري لم ينخرط في السياسية طوال مساره المهني، وظل بعيدا عن تجاذباتها واستقطاباها في أحلك الهزات السياسية التي عرفتها البلاد، والقوى الصوفية التي كانت تأمر أتباعها بالتصويت في فترات حكم سينغور وجوف، رفعت يدها عن خيارات اتباعها مع مجيء عبد الله واد وزيادة وعى وذلك مخافة أن تصطدم توجيهاتها بقناعات الأتباع فيؤثر ذلك في المستقبل على الثقة الروحية بين الشيخ والمريد.

- الوفاء لاستحقاق التناوب: انتخاب ثالث رئيس للسنغال قادم من رحم المعارضة يؤكد على أن السنغاليين تكريسا للتناوب وتحصينا لمناعة الديمقراطية المحلية مستعدون لتقديم البديل، وفرض خياراتهم، كلما منحوا رئيسا مأمورييتن وانحرف عن تطلعاتهم.

- خطاب القطيعة: جوماي فاي هو جزء من مدرسة سياسية جديدة تقودها مجموعات شبابية بعضها متدين والبعض الآخر يحمل أفكارا ثورية قومية إفريقية "بانافريكانيست". تطرح هذه المدرسة شعارات سياسية تنادى برفع فرنسا يدها عن السنغال وتتعهد ببناء منظومة سياسية تراعى الخصوصيات المجتمعية والأبعاد التقليدية للسنغال قائمة على السيادة والشفافية. وقد استطاعت هذه المدرسة استمالة الشباب السنغالي والطلاب الجامعين والمهاجرين الذين كان لهم دور كبير في تمويل أنشطة حزب "باستيف" وتمويل الحملات الانتخابية.

- الأخطاء السياسية الجسيمة للرئيس صال: وقع الرئيس ماكي صال في جملة من الأخطاء السياسية كانت سببا في إضعافه وأضعاف معسكره السياسي، ومن هذه بين هذه الأخطاء مساعي الرئيس صال للترشح لمأمورية جديدة وقمع الاحتجاجات الذي راح ضحيته العشرات من السنغاليين وتوظيف الجهاز القضائي لتصفية الخصومات السياسية والفساد، لكن الخطأ الأكبر تمثل في تحييد المعارضة التقليدية، التي تعتبر معارضة أكثر رشدا وعقلانية، وهو ما فتح الباب للجيل الجديد، الذي أكدت النتائج التي حصل عليها فيها، أن المشهد السياسي المحلى بدأ يشهد تغييرا جذريا لصالح طبقة سياسية شبابية جديدة.

هذه الأسباب بالإضافة لاتهام صال بإذكاء النعرات العرقية والتمكين لأبناء قوميته "الفولان" كانت سببا في تقوية شعبية المعارضة وزيادة زخم تأثيرها.

 

تحديات تواجه جوماي فاي

الرئيس الجديد للسنغال يواجه حجما كبيرا من التحديات بحكم الآمال المعلقة عليه من جديد، وتعهداته الانتخابية التي يتطلب إنفاذ بعضها عمليات جراحية معقدة لـ"السيستيم" القائم منذ الاستقلال. 

ومن التحديات الرئيسية التي قد تواجه جوماي فاي:

- وضع ناظم لطبيعة العلاقة بسونكو: بعبارة أخرى جوماي فاي الرئيس لا يمكن أن يبقى ظلا للزعيم سونكو، حتى وإن كان الأخير سببا في نجاحه، وهو ما يستدعى وضع ناظم جديد لطبيعة العلاقة بين الرجيلين ويضبط حدود الشراكة.

- توسيع قاعدة الشراكة السياسية مع باقي الطيف السياسي: اختلف فاي عن باقي رؤساء التناوب السابقين بكونه انتخب في الجولة الأولى دون اللجوء للجولة الثانية، وهو ما سيخفف عليه عبء رد الجميل لو أن انتخابه كان من الشوط الثاني وبدعم من بعض المترشحين. لكن هذا لا يغنيه عن البحث عن تحالف عريض يؤمن له الأغلبية داخل البرلمان. ثم إن تجربة حكم صال أسست لمرحلة سياسية جديدة تقوم على الحكم عن طريق التحالفات السياسية، إذ لا يوجد حزب في السنغال بإمكانه تأمين الأغلبية لوحده في البرلمان.

- الاستجابة لتطلعات الشباب ومواجهة الغلاء المعيشي: من القضايا الداخلية الأكثر ضغطا على الرئيس الجديد التخفيف من الغلاء وإيجاد فرص للعمل للشباب، لذا فإن برامج السلطة في مرحلتها الأولى ستتركز على هذا الاتجاه.

- إدارة حصيفة لملف العلاقات الخارجية: يرتكز برنامج الرئيس الجديد على قضايا جوهرية تؤثر حتما على بوصلة العلاقات التقليدية للسنغال، غير أن تنفيذ هذه السياسيات يتطلب وعيا وحصافة وتدرجا، فإخراج فرنسا مثلا من دائرة التأثير في السنغال لا يمكن أن يتم بجرة قلم كما لا يمكن أن يتم بين عيشة وضحاها.

 

مركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية وتحليل السياسات

أربعاء, 03/04/2024 - 02:22