الدولة نحن ونحن الدولة!

في مفهوم فقهاء القانون لتعريف الدولة والعناصر المكونة لها فإن الشعب هو أحد الأركان الأساسية لقيام الدولة لأنه لا يمكن تصور دولة بدون شعب، وليس هذا ما أقصد لأن هذه المفاهيم متعارف عليها ومتجاوزة. لكن منذ تأسيس الدول بدأت الشعوب مرحلة جديدة وهي مرحلة التنظيم في إطار جامع عام وكذلك التنظيمات الداخلية التي يتم في إطارها تربية الشعب تربية فكرية وسياسية ومدنية يصل من خلالها إلى مستوى معين من الوعي السياسي يستطيع معه ممارسة دوره الفعال في تغيير واقعه الثقافي والسياسي والاجتماعي والمدني، والبدء بمرحلة جديدة من الإبداع الفكري يشارك فيه الشعب في صنع القرار والتناسق مع مؤسسات الدولة، ويصبح دستور الدولة تعبيرا للعنوان الفكري للشعب بالشكل الذى يؤمن للمجتمع المستوى ألائق بكيانه في كل مرحلة يصل إليها أثناء مسيرته.

أحيانا أتساءل عن المستوى الذي يجب أن يصل إليه الشعب لكي يصبح ناضجا، وهل مسيرة البناء لها سقف محدد أم أن بناء المجتمعات والدول يتم على مراحل منفصلة وليست متسلسلة ومتصلة حسب الأحداث والتجارب التي تمر بها.

لا يختلف اثنان على أن كل تجربة أو حدث هام يمر به الشعب والدولة هو مجال للاختبار والتأمل ليس للدولة بل للمجتمع، فإن كان النصر فهو للشعب وإن كانت الهزيمة فهي أيضا عنوان للشعب، لذلك عندما يريد القائد أن يتخذ قرارا كبيرا حاسما، متعلقا بسيادة البلد الداخلية أو الخارجية، يتوجه إلى شعبه مخاطبا إياه:

أيها الشعب العظيم، أيها الشعب الأبي- أيها الشعب العزيز.......

صحيح أن التاريخ لا يحفظ إلا أسماء القادة لكن الجنود هم من يحسم المعركة ويصنع النصر.

عندما ظهرت أزمة كورونا العالمية، بدأت دول العالم استعداداتها لمواجهة الجانحة، مستخدمة كل الوسائل المتاحة، وبحث رؤساء الدول عن مركز وأسباب القوة التي هي الشعب. لذلك يعتبر التناسق والتناغم بين القائد والشعب أهم سلاح للنصر والبناء ومنه تستمد الدولة قوتها.

لقد أشرت في مقال سابق تحت عنوان: موريتانيا دولة قوية..... ضوء في نهاية النفق، إلى ضرورة التفاهم والتناغم بين الأسلحة الثلاثة التي استخدمناها لاتخاذ الإجراءات الاستباقية لأزمة كورونا في بدايتها و التي مكنتنا من التصدي لبداية انتشار الفيروس في حين كانت الدولة المحيطة بنا جميعا في مرحلة متقدمة من الإصابات، وحددت تلك الأسلحة في ثلاثة:

- الرؤية المستنيرة لقائد البلد

- حزم الحكومة وصرامتها وتماسكها

- والمسؤولية التي تحلى بها الشعب

وأشرت إلى أن الحرب ماتزال متواصلة، وأن تخفيف الإجراءات الاحترازية لا يعنى نهايتها ولا التخلي عن الأسلحة الثلاثة. وختمت بالقول بأن التفريط في الإجراءات الثلاثة سيعيدنا للمربع الأول لا قدر الله.

الآن وقد ظهرت حالات متزايدة من المرض وقد تزداد في الأيام القادمة فإنه لزاما علينا جميعا أن نجرد عن سواعد الجد.

من واجب السلطات وقادت البلد أن يتخذوا الإجراءات الضرورية، لكن من واجبنا مواطنين وشعبا احترام هذه الإجراءات والتقيد بها. علينا أن نفهم أن الأمر متعلق بنا أولا وآخيرا.

فقد اضطرت جارتنا الجزائر أن تغلق الأسواق أسبوعا واحد بعد فتحها بسبب عدم التزامالمواطنين. فثقافة الشعب والتزامه واستعداده شرط أساسي وبئة مناسبة للتصدي للأزمات.

إننا لسنا في حرب ضد الدولة، بل من واجبنا مشاركتها في إيجاد الحلول وتطبيقها، فتلاقي الإجراءات الحكومية الفعالة مع الحاضنة الثقافية المجتمعية الداعمة والمساندة هي الرهان الوحيد للنصر في هذه الحرب. إن أزمة كورونا الصحية تنضاف إلى التحديات والرهانات الكبرى التيعلى أساسها منحنا ثقتنا للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.

لقد ضرب الشعب الصيني مثالا نموذجيا حين استجاب الناس لتقديم كل المعلومات الضرورية التى تمكن من تعقب المصابين بالفيروس والتبليغ عنهم، فالقيمة المجتمعية يجب أن تقدم على القيمة الفردية، فالتعاضد والتعاون بين المجتمع وسلطات البلد هو الذي سيجنب البلد مخاطر الانزلاق إلى الهاوية.

إن إبقاء الحكومة على تخفيف الإجراءات وفتح الأسواق أمر مهم وإيجابي سيجنبنا تدمير عجلة الاقتصاد، لكن من الضروري أن توفر الدولة الكمامات بشكل كبير عند مداخل الأسواق ومراقبة احترام الإجراءات.

وعلينا كمواطنين احترام الإجراءات وحث بعضنا البعض على ذلك والمشاركة في نشر الوعي في الأسواق والشوارع ووسائل النقل والمساجد والقرى والأرياف وعلى صفحاتنا الافتراضية .... فالدولة نحن ونحن الدولة.

إن هذا الوطن الذي لا وطن لنا غيره يستحق جمع جهودنا في جو ملؤه الوطنية والعدالة والتضحية والمساواة والإنصاف والتعاضد وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

حفظ الله بلادنا آمنة مستقرة

 

اثنين, 18/05/2020 - 00:41