كورونا: متى نخرج من نفق الوباء؟

فيروس كورونا الذي ضرب العالم كله تقريبا بدرجة متفاوتة وقد تجاوزت وفياته حوالي ثلث مليون من ساكنة الكرة الأرضية ، بالعودة قليلا إلي بداية ظهوره في مدينة ووهان في الصين، ما جعل يمين الغرب يصفه بالفيروس الصيني ،حيث ظهر منتصف دجمبر ثم في بداية مارس غزي أوربا فكبدها خسائر هائلة في الأرواح و الحصيلة المؤلمة كانت إقتصادية بحتة ما جعل العالم يتعامل معه بشيء من المرارة والتحسر ،بعد أوربا شكل فيروس كورونا كابوسا في أمريكا و كندا فتصدرت أمريكا قائمة الدول الأكثر تسجيلا للحالات المؤكدة و كذا الأكثر وفيات.

في قارتنا الإفريقية ظل الفيروس مهادنا لها و يتعامل معها بهدوء لكن مع بداية مايو تضاعفت الإصابات المؤكدة و لا تزال الوفيات عادية جدا بالمقارنة مع بقية دول العالم.

في بلدنا موريتانيا ظهرت أول حالة إصابة لأجنبي قادم من أستراليا يعمل لصالح شركة أجنبية فكانت البداية ،ثم توالت الإصابات لقادمين علي متن رحلة الخطوط الفرنسية السادس عشر من مارس ،أخذت الحكومة حينها حزمة من الإجراءات الوقائية كالحجر الصحي للمخالطين و القادمين من الخارج و تعليق الرحلات الجوية و غلق الحدود البرية مع دول الجوار ، الشيء الذي قلص إنتشار الفيروس مؤقتا علي الأقل ،و بعد إعلان خلو البلاد من الفيروس و مع تخفيف الإجراءات الإحترازية التي إتخذتها الحكومة سابقا ،جاءت موجة جديدة من الإصابات اليومية المؤكدة ففي أقل من أسبوع سجلت البلاد حوالي ثلاثين حالة مؤكدة ! ما يطرح الكثير من علامات الأستفهام حول سبب هذه الموجة و عن إرتباطها بالتسلل أم أنها حالات عدوي محلية ما يجعل الأمر أكثر تعقيدا ،في هذه الأسطر سأحاول قراءة إنتشار كورونا في البلد بعد خلوها منه لفترة تناهز الأسبوعين ،أتمني أن تشفع لي تجربتي في متابعة الوباء منذ بداية ظهوره من نافذة الإعلام الألكتروني ووسائل التواصل الإجتماعي.

من خلال العودة إلي التقارير اليومية لوزارة الصحة حول الحالة الوبائية في البلد ،كان عدد التحاليل قليلا بالمقارنة مع دول الجوار ،وقد أشرت إلي ذالك أكثر من مرة من خلال صفحتي الشخصية علي الفيسبوك في تعاليق علي تقارير الوزارة آنفة الذكر ،فالحكمة تقتضي منا الإستفادة من الجوار ففي السنغال مثلا عدد الإجتبارات اليومية ظل مرتفعا بالمقارنة معنا وظلت وزارة الصحة السنغالية من خلال تقاريرها اليومية تحرص علي تبيين نسبة الإختبارات الإيجابية للفيروس فكانت النسبة تتراوح ببن 8-9 % من الإختبارات اليومية المنجزة،هذه النسبة جعلتني أشكك في خلو البلاد من الفيروس أو علي الأقل أشكك في الصورة التي كانت لدي البعض أن الفيروس تجاوزنا و لم نعد معرضين له.

إن التسلل وحده لا يمكن أن يكون سببا لهذا الكم من الحالات المعلن عنها أخيرا فالمرحلة الأصعب من الوباء كانت قاب قوسين أو أدني من التجاوز.

إن ظهور الحالة الثامنة في وسط حي مكتظ في مقاطعة الرياض و لم تسافر منذ سنتين حسب المصادر المحلية ،وسلامة مخالطيها ليس بالأمر البديهي فوجود مصاب دون وجود من نقل له الفيروس ،أمر مستبعد جدا،هنا وجب التنبيه إلي قاعدة وهي أن كل حامل للفيروس ينقله إلي 3 آخرين علي الأقل ،وقد يتطور الأمر خاصة في مجتمع مثلنا تماما ،لا نلتزم بشيء من إجراءات الوقاية ،فمازلت الناس تتصافح بالأيادي و تتشابك في المساجد ،والنوادي ،وتتحلق حول الموائد.

إن الذي يرفض حتي ضمَّ يده إليه لن يلتزم قطعا بوضع كمامة ! لقد بات شائعا لدي العالم أن التعايش مع الفيروس لا مناص منه وأن الموجة الأشرس منه تعدّت ،لكننا اليوم في موجة منه لا يستهان بها خاصة إذا نظرنا إلي الكادر الصحي و البنية الصحية الهشة و محدودية الموارد و انقراض الكثير من الأدوية من مخازننا ،وإهمالنا للمرضي فالحالات التي قضت-عليها رحمة الله - أغلبها نتيجة تأخر التدخلات الطبية و تأخر إختبارات المرض.

و بالعودة قليلا إلي فحوصات الفيروس نقف عند النداءات المتكررة للمخالطين الذين يعيشون في ظروف حجر صحي /حسب الوزارة أنه صحي ،مع تأخر التحاليل للازمة لهم،إن وضعية مثل هذه تُنذرُ بنفجار الوضع الصحي الهش أصلا ،لا أريد أن أكون متشائما -لكن الحيطة والحذر يحتاجان للغة حادة تدف ناقوس الخطر.

تعاني الطواقم الطبية الخط الأول للتدخل من غياب اللوازم التي تحميهم من العدوي ،ما يجعلنا بعد كل حالة جديدة يدخل أعضاء من الكادر الصحي في الحجر فيكون فيه حتما نقص في عمله.

إن العالم كله وقف عاجزا فيفرج أمام شراسة هذا الفيروس ،مادام اللقاح لم يُنتج فلا تجدي أمامه سوي الحد من العدوي و الإلتزام بإجراءات السلامة الشائعة ،التي منها لا الحصر :وضع كمامات أو ما يعادلها ،البقاء في المنازل إلا للضرورة ،تعقيم اليدين ،الإلتزام بالتباعد الإجتماعي مسافة المتر بينك و بين غيرك ،علّ الله يُحدثُ بعد ذالك أمرا.

يفرض علينا الواقع الذي فيه اليوم 33 حالة شنطة في ظرف قصير و إصابات مؤكدة يوميا المثير والكثير والكثير من الحذر و،والإلتزام المدني و السلوكي بالإجراءات التي سبقتنا إليها دول ضربها الوباء قم أخيرا عادت إلي برِّ الأمان.

اللهم أحفظ البلاد والعباد ،فالبينة الصحية هشة ،وللكادر الصحي ضعيف الحماية ،و المستشفيات قليلة جدا ،والشعب متهور و لا يحترم شيئا من الإجراءات الوقائية ،مثل هذه الظروف تفرض العمل والعمل ومضاعفة الجهود التي تركز علي التحسيس بأهمية البقاء في البيوت و الإلتزام بإجراءات السلامة علي الأقل حتي نتخطي العتبة الأصعب من مرحلة إنتشار الفيروس.

ومن وجهة نظري المتواضعة فإن تشديد الإجراءات كالحظر لليلي و غيره لن تُثمر معنا ،إضافة إلي تبعتاتهاالإقتصادية علي مجتمع هش إقتصاديا .

فمتي نستفيق ونعلم أن كورونا ليس مسرحية إنه مرض فتاك قضي علي أرواح الآلاف عبر العالم.

محمد عينين ولد أحمد

 

أحد, 17/05/2020 - 14:01