عند ما يتحول الشعُورُ بالنقص لدى الموريتانيين إلى حالة مرضِية!!

يقال إن الموريتاني شديد الحساسية من ذكر بلده في الخارج وذلك طبع غلاَّب وصفة لا تفارقه في حله وترحاله، يستوي في ذلك السياسي و المثقف والإنسان العادي .

 

تلك مقولة دارجة تأكدنا من صدقيتها وصحتها ومشاهدتها مرارا وتكرارا، فلا يُتحدث عن هذه البلاد في أي منبر إعلامي سلبا أو إيجابا بحضرة أحدهم ، لو بطريقة عادية يتحدث بها عن أي بلد عادة، إلا وطار عقله أو خفق قلبه تبعا لذلك وكانه أمر أجلل. 

 

إنها عقدة النقص أو البداوة الراسخة في عقول أهل الصحراء وشعورهم بالضعف أمام إخوتهم العرب ، إنها عقدة قديمة ومتجددة ، الشناقطة الأوائل أصحاب رحلات الحج المعروفة نجدهم في أغلب محطاتهم في الأمصار العربية يفاجئون أهلهَا باتقانهم للثقافة العربية الإسلامية ، محاولين إثبات أنفسهم وذواتِهم بنوع من التكلّف  (..)  ، من محمد محمود ولد التلاميذ إلى آب ولد أخطور وغيرهم كثر مع إصرار شديد على أنهم أمة من العرب وهو ما ذكره أستاذنا المؤرخ حماه الله السالم في كتابه ذائع الصيت " موريتانيا في الذاكرة العربية "

 

الأمر لا يقتصر فقط على اثبات الذات فحسب، بل إن العقدة تبدو أكثر جلاء واتضاحا عندما يتعلق الأمر "بالعروبة " فبالرغم من إتقان أهل هذه البلاد للغة العربية وعلومها لم يعرفها العرب إلى حد يوم الناس هذا بما فيه الكفاية أو -على الأصح - لم يقتنعوا بعد بعروبتها ، في حين يحاول الموريتانيون بكل ما استطاعوا أن ينسبوا أنفسهم _ قبائل وجماعات _ إلى أصل عربي، ولا يكتفون بذلك فقط بل يحرصون كل الحرص على أن يكونوا أحفاد معد أو عدنان أو قحطان... و غيرها من القبائل  التي لعبت أدوارا مهمة في التاريخ العربي، ولا أدل على ذلك من ظاهرة "إديولوجيا الشرف " وانتشارها المذهل لدينا على الرغم من ارتباطها بسياق تاريخي آخر يعلمه المؤرخون جيدا 

 

قبل أقل من عام ، يعيد التاريخ نفسه مع الإعلامي المصري مدحت شلبي _ إبان مشاركة منتخبنا في بطولة إفريقيا_ في سؤاله لمشجعين موريتانيين عن تعلمهم العربية وكيف استطاعوا نطقها بهذه الجودة، سؤال أثار حفيظة الكثيرين وأخرجهم من صمتهم وانتقدوا كلامه وجهله غير المبرر لعروبة هذا البلد _حسب رأيهم _ وأمطروه هو الآخر سبا ، بعد ذلك بفترة أرسلت له وزارة الثقافة والصناعة التقليدية والعلاقة مع البرلمان الموريتانية دعوة رسمية لحضور حفل تنصيب رئيس الجمهورية .

 

تماما كما شعروا بفخر وفرح شديدين إزاء ما يكتبه كل من الفلسطيني _المقيم في لندن _ عبد الباري عطوان، واللبناني سامي كليب ، وقبلهم محمد العرب الذي كرمه " اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين " ونصّبه سفيرا ثقافيا ذات يوم ، وقبله يوسف مقلّد الذي كتب كتبا عن تاريخ موريتانيا وعن ثقافتها ... وغيرهم .

 

الصحفية الجزائرية بقناة الجزيزة وسيلة عولمي غردت على على حسابها في توتير ونشرت خبر خلو موريتانيا من فايروس كورنا انهالت التعليقات على منشورها كأي منشور تنشره شخصية عامة بمنزِلتها ؛ سبٌ وشتم وسخرية وتأييد وأشياء اخرى ... غير أن عُقدة النقص والحساسية عادت مجددا ، موريتانيون صبوا جامَّ غطبهم على مشرقي استفسر بطريقة عادية _حسب رايي  _ في تعليق له على تلك التغريدة .

 

هذه العقدة هي التي دفعت العلامة والمؤرخ المرحوم المختار ولد حامد منتصف القرن الماضي _ ذات يوم مشهود _ إلى أن يكتب موسوعته المعرفة "حياة موريتانيا " وقد جاء ذلك نتيجة حديثه مع تجار لبنانيين يعيشون في الجارة السنغال سخروا من موريتانيا ( وعروبتها ) أيضا .

 

فشلت التيارات القومية (البعثية والناصرية ) و حتى الإسلامية ( الاخوان المسلمون ) في إحداث تغيير يذكر وظل دورها في التعريف بموريتانيا _ عربيا_ يتسم بالضعف خاصة إبان الفترة التي ازدهرت فيها هذه الإديولوجيات ، وقد شاءت الأقدار -أيضا - أن لا يمثل موريتانيا في قمم الجامعة العربية رئيس يتقن العربية باستثناء الأول وهذا الأخير ( المختار و غزواني ) ماعدا ذلك كلهم كان ضعيف الخطاب ركيك اللغة وهو ما لا حظه أغلب المتابعين خاصة مع السالفين معاوية وعزيز وهو ما ساهم في هذه العقدة التي تبدو عصيّة على الحل !

 

هذه العقدة ينبغي أن تزول فلا محل لها هنا ، وينبغي أن نقتنع بثقافتنا وهويتنا الأصيلة ؛ كخليط من العرب والأمازيغ والأفارقة جمعته إرادة الجغرافيا وصهره التاريخ بين أرض الحوض وشواطي الأطلسي وجبال تيرس ونهر صنهاجة، ونال حظه من الإسلام والاستعمار ومنحته فرنسا استقلاله كشعوب المنطقة مع ستينيات القرن الماضي ، له أدب جميل وموسيقى أخّاذة وثقافة متنوعة و أرض شاسعة مِعْطاء وشعب طيب كريم ... لماذا كل ذلك ؟ هذه العقدة ينبغي أن تزول وخاصة تُجاه العرب.

 

التجاني ولد أمغر / أستاذ  وباحث في التاريخ الثقافي 

اثنين, 20/04/2020 - 15:39