الفرنسية... التحكم بدون قوة!

من المؤسف; بل المؤلم أن يكون لك أخ عزيز وزميل كريم من البولار, تحبه ويحبك; سكنتما معا وسافرتما معا وعملتما معا وتصليان في نفس الصف من المسجد, وتوطدت علاقاتكما, واشترك في المودة والألفة بينكما أصدقاؤكما وعائلاتكما...
ولكن لا يعرف أحدكما لغة الآخر فضلا عن جهله المطبق لما في ثناياها من الثقافة والمآثر الأدبية والاجتماعية والتاريخية... 

لماذا؟!
لأن اللغة الأجنبية, التي لا يتقنها أي منكما,ولا يعرفها ولا يحبها أحد من عائلتيكما, توسطتكما وأغرت كل واحد منكما بعدم التفكير - أحرى العمل - بتعلم لغة الآخر...!!
هذه وضعية عامة شاذة, كنا نحسبها مؤقتة ستنتهي بخروج المستعمر واندراس آثاره السلبية... فإذا هي باقية بحماقتنا...!
بالطبع فلا أنت ولا أخوك البولاري تعلمتما ما ترطنان من الفرنسية حبا لها ولا رغبة فيها لذاتها, ولا حتى من أجل التواصل بينكما... وإنما تعلمتما ذلك تحت إكراه الاقصاء والغبن والظلم الذي تمارسه سلطة الدولة وما يدور في فلكها من مؤسسات عمومية وخصوصية بفرض الفرنسة, عسى أن تدركا بعض حقوقكما وكرامتكما اللتان تهدرهما هذه اللغة الأجنبية المتجبرة! 

أيها السادة, المشكلة اللغوية ليست في العربية ولا اللغات الوطنية... المشكلة هي الفرنسية! والمأساة الأكبر أننا جعلناها هي "الحل" لما بات يسمى مشكل اللغة الذي رسخته هي ولغمته!!
الفرنسية وإن كانت متكلمة في هذه البلاد وجوارها, فإن المتكلمين بها والراسمين هم السلطات وأتباعهم, وقلة ممن يريدون الحظوة والقبول والحضور لدى تلك السلطات من أجل الحصول على المزايا المادية والمعنوية أو حتى على حقوقهم, على الأقل! لأن الفرنسية طالما استخدمت في هذه البلاد, عمدا أو عرضا, للغبن والإقصاء والحرمان...! ومع ذلك فهي ليست لغة أحد من الموريتانيين على الإطلاق!
إن الغالبية من الوولف والسوننكي والبولار والبيضان لا يعرفون الفرنسية ولا علاقة لهم بها, ومن يعرفها منهم لا يتكلمها في بيته ولا في أسرته ولاحتى في الشارع...!
ورغم ذلك تتربع الفرنسية على الواجهات وتتحكم في مقاليد الأمور, لتجعل العربي لا يحتاج تعلم لغات مواطنيه الوطنية, والبولاري والسوننكي والولفي كذلك لا يتعلم لغات مواطنيه... لأن الجميع يتفاهمون, أو يحاولون التخاطب, بالفرنسية. ويهحر, وربما يحقر, كل منهما لغة الآخر... 
وجاءت فوضى التعليم وخصخصته ل"لتُصَنّع" هذه القطيعة وتجعل لها سدا لا يُسطاع نقبُه! 
وبهذا تضمن الفرنسية بقاءها للأبد... ما دمنا - أيضا - لا نقبل, أو لا يقبل الشيطان, أن نتخذ إحدى لغاتنا الوطنية لغة تفاهم عامة بيننا, كما في العالم كله.
وإنما نتشبث بلغة غريبة علينا جميعا, كريهة المصدر; نتخذها وليجة من دون أخُوتنا ولغاتنا الوطنية كلها...!!
-----
حاشية:
لم أذكر أقوال الدستور والقانون, ولا جامعة لغة القرآن كتاب جميع المسلمين, ولاحتى انحدار درجة الفرنسية في العالم وفي فرنسا ذاتها...!!

سبت, 04/02/2023 - 11:47