ما  الفرق بين الوعي السياسي للتعبير عن الرؤى الفكرية وبين نشاط سياسي متقطع  لحراك اجتماعي ناشئ؟

في مقال الدكتور أمم ولد عبد الله عن " نهاية  السياسة في موريتانيا" المنشور في موقع" اقلام حرة".

قراءة  واعية، وشخيص مطلوب للتأريخ للظاهرة  السياسية، في  نظام الحكم، واتباعه من النشطاء السياسيين ،،وحصر  مجالها في  نشأة حراك اجتماعي،  قد يصف بعض الدارسين، تلك النشأة بالولادة القيصرية التي انتجت  مولودا ناقصا، وكل ما طال عمره، كلما ظهرت عوائقه العضوية، وماكان يحتاج اليه من عوامل للاكتمال في فترة المخاض، كالفترة الزمنية المختزلة في فترة  المخاض، و غياب القابلة الوطنية في المراكز الحضرية،  وهو ما اضطر إلى وضعه على شاطئ اليابسة، والتخلي  عنه، حتى دون  أن يستغل  بشجرة يقطين،،، 

 وكان لغياب تراكم الوعي، وعدم توجيه الناشئ منه  برؤى  يتوقع  ان تمكن قادته من تحشيد الراي الوطني، غير ان ضعف حركة التواصل بين المراكز الداخلية على خريطة الوطن، ومن جهة اخرى انعدام التواصل مع حركات المقاومة  في المغرب العربي حينئذ، وكذلك في اقطار افريقيا المستقلة، كغينيا، وغانا  ...

بينما حضر الرهاب الفكري  للحراك السياسي التابع لفرنسا التي تسابق الزمن لإعطاء استقلالات لمستعمراتها  في فترة مزامنة في نهاية سنة ١٩٦٠م.

وكان دافع فرنسا، هو استباقها المحموم لتفويت الفرص على المجتمعات الواقعة تحت الاستعمار التي ستتطلع الى نجاح  ثورات  حركات التحرر  العربية، والافريقية.

وللاسف  استبقت دول الاخيرة باخرى (مستقلة)، وهي  تلك المسوخ" الدولتية "التي وصفها " جان بول سارتر"، ب "دول الاستعمار الجديد".

 

والسؤال الذي يطرح نفسه على الدارس، هو:

هل يجوز التصنيف وفق المعايير القائمة في الفكر السياسي،  للنظر في  النشاط السياسي  للحراك الناشئ تزامنا مع قيام نظام حكم مستقل في بلادنا على أساس روح  الوعي  السياسي، اذا كانت روح الوعي محكومة  بمحددات في الفكر السياسي المعاصر   بمقولة "روح السياسة"،  وهي" روح وعي الافراد، وروح وعي الجماعة، وروح وعي المجتمع، والدروس الاستفادة من  التاريخ ".؟

 فاين من هذه المحددات التوجيهية ، ذلك النشاط الذي قام به الحراك السياسي لقيادات  حكمت بالاستناد إلى التبعية للمحتل  الامبريالي الفرنسي.. وصارت تلعب معه لعبة القط، والفأر، تارة ينال منها حين تظهر نشاطا زائدا في معاهد التعليم  من اجل التعريب، فيطوقها بذنبه من اتباعه الرافضين، وفق تعليماته  في إطار الصراع العرقي الناشئ، ليتراجع الفأر  السياسي للحراك  إلى جحره  خلف مؤسسات التعليم..

وقل الشيء نفسه، فلما ظهر التأميم، وسك العملة الوطنية،، كان الرد الحاسم، و القاضي، هو تحريك  " فرانكو" في اسبانيا للقيام  بتنازلات، ومقايضات لمستعمرات اسبانيا في الصحراء بمدن في الشمال المغربي. ودفع  اعوان فرنسا في الاقطار المجاورة  لاقناع قادة موريتانيا للدخول  في حرب الصحراء..!

 

ولو سلمنا بموت القادة، و الحراك السياسي الوطني بسقوط رؤساء الانظمة من فترة لأخرى،، فإن الثابت الوحيد، هو استناد القيادة الجدد للحراك السياسي الوطني في الرئاسة  إلى دافعة " هرشميدس " الفرنسية للدفع بسفينة السياسة في وحل العاصمة انواكشوط .

اما توابع الحراك السياسي من موظفين اداريين، تحولوا الى وسطاء  حلوا محل "كميات" في استنزاع "العشر" سابقا،  والولاء القبلي لاحقا خلال الفترة المعاوية وما قبلها، وما بعدها الى اجل غير مسمى، وتحول لفيف  المستخدمين  إلى  عناوين"تمويهية"  لحركات سياسية، لا  يتورع بعض رموزها  عن أن يتبجحوا  بوصف  انفسهم ب(لقوميين)، وبانههم  ابناء رؤساء، القبائل إن في مراكز الشمال الاكثر وعيا سياسيا افتراضا، او الجنوب ..!

 

ومن هنا، فإن  حكم  الواقع، والتاريخ، ليس في صالح  المرحلة التاريخية السابقة، و من كانوا رموزها للسياسيين، سواء اكانوا رؤساء، أم  نشطاء حراك هامشيين دفعهم الجشع، وسوء الاوضاع المعيشية، وتنافس النخبة المتعلمة الفاسدة إلى الانخراط  ضمن الإجراءات التي " شيأتهم"  بتأثيرها على تخلف الحكم السياسي جراء التبعية، والاستنفاع، والتخلف  الثقافي،  وتراجع الوعي، واحتماء  رموز النخبة بالمجتمع الفئوي، والقبلي، والجهوي..

وهذه كلها مثبطات  ليس للوعي السياسي فحسب، بل  مهددة لوحدة المجتمع، و ما يعانيه  نظام الحكم من تهديد من جهات عديدة  اخطرها المفروضات القسرية على نظام الحكم  من اجل الدخول في  اطار تحالف  بين الضعفاء  من قادة "دول الساحل"، وهو التحالف المرفوض من شعوب المنطقة، لأنه تحالف الاضعفين، مع الأقوى منهم،  وغياب اهدافه الحقيقة التي جعلت قوى الامبريالية تفرضه ترغيبا وترهيبا..وهي فرنسا، والغرب بقوة عسكرية تابعة لحلف" الناتو"، الأمر الذي سهل احتواء ظاهرا للعيان، لدرجة املاء الشروط التي أدت إلى انقلابات قادتها عناصر وطنية في جمهورية مالي، بوركينا فاسو.. 

ولعل هذا يشير الى ضرورة تجديد الوعي السياسي، وحراكاته السياسية، وإعادة طرح السؤال، اذا كانت السياسة،  ماتت كجسم اجتماعي، ونشاط سياسي انهزم اصحابه،، ولكن  اين روح السياسة التي لا تموت لدى الافرد، والجماعات، والمجتمع، والمداميك  في فاعلية التجارب التاريخية؟

اثنين, 31/10/2022 - 12:28