ثقافة واحدة وأوطان متعددة
في مقابلة إذاعية تم إجراؤها وبثها يوم 8 سبتمبر 1960، أي قبل إعلان استقلال الجمهورية الإسلامية الموريتانية بنحو ثلاثة أشهر، رد الرئيس المختار ولد داداه على سؤال للصحفي جان لاكوتور حول المطالبة المغربية بموريتانيا وأساسها التاريخي واللغوي، قائلا إن الحجج التاريخية في هذا المجال لا تساوي شيئًا على الإطلاق، إذ لا يمكن في عالم العلاقات الدولية المعاصر بناء ادعاء على أساس مبررات من التاريخ. وتساءل: ماذا سيقول الفرنسيون والألمان إذا ما احتج الإسبان بالماضي وأشاروا إلى فترة معينة من التاريخ وقالوا إن شارلمان (المعروف أيضاً باسم شارلكان أو شارل الكبير)، وكذلك شارل الخامس، قد بسط سيطرته على معظم أوروبا ذات يوم، مما يجعل فرنسا أو ألمانيا الحالية جزءاً من إسبانيا أو تابعاً لها؟ إن الأساس التاريخي لحجج المطالبة المغربية أساس خاطئ، يقول المختار، قبل أن يضيف: لم تفهم الإمبراطورية الشريفية طبيعة علاقتها بموريتانيا؛ وأنه إذا كانت منابر تينمبكتو قد عرفت الخطبة أو الدعوة للسلطان المغربي لبعض الوقت، وهي حقيقة تاريخية لا ينكرها أحد، فإن ذلك لم يحدث في موريتانيا قط، لا في وادان ولا في شنقيط ولا في أطار ولا في تججكة ولا في تيشيت ولا حتى في ولاتة.. وهي المدن التاريخية الموريتانية التي كانت في ذلك الوقت مأهولة وتشكل مجال حياة حضرية. وإذا كان للحجة التاريخية أن تكون مفيدة في عالمنا الحالي فإنها بالأحرى ستكون لصالح موريتانيا، حيث لا يوجد أي مهتم بالتاريخ يجهل ملحمة المرابطين أو حقيقة كونهم موريتانيين غادروا محيط نهر السنغال، وخاصة المنطقة القريبة من عاصمتنا الجديدة نواكشوط، ليعبروا الصحراء ويؤسسوا مدينة مراكش. ثم يوضح: إن أشرنا إلى التاريخ وانطلقنا منه، فإن موريتانيا هي التي ينبغي أن تكون لها مطالبات حيال المغرب، لكنها ليست إمبريالية ولا تريد مطلقاً التصرف على هذا النحو.
وفيما يتعلق بالحجة اللغوية يوضح المختار أنها أيضاً لا قيمة لها على الإطلاق، ويقول: أنا أتحدث إليكم بالفرنسية وثقافتي فرنسية، لكني لست فرنسياً لأن اللغة لا تجعلني فرنسياً، وكذلك البلجيكيون يتحدثون الفرنسية والسويسريون يتحدثونها، ومع ذلك فالسويسريين سويسريون والبلجيكيون بلجيكيون. كما أن الأميركيين يتحدثون الإنجليزية لكنهم ليسوا إنجليزا. ثم يتساءل: في الإطار العربي نفسه، لماذا تكون حجة اللغة كأساس للمطالبة بالضم والإلحاق صالحة ضد موريتانيا فقط، وليس الجزائر أو تونس أو الجمهورية العربية المتحدة أو العراق؟ ويقول: إن جميع الدول العربية تتحدث نفس اللغة، وتنتمي إلى نفس الحضارة، وغالباً ما تكون نفس المجموعة العرقية، لكن كل دولة عربية تحرس استقلالها وتحرص عليه بغيرة كبيرة. بالتأكيد لدينا ثقافة عربية هي فخرنا وسمعتنا في جميع أنحاء العالم. ولطالما عرف المشرق العربي أهل شنقيط وعرف أنهم يختلفون عن أهل مراكش. عندما يذهب أحدنا إلى مكة المكرمة أو المدينة المنورة، ويسأل عن الشناقطة فسيظهر له الموريتانيون وليس المغاربة. وعندما يسأل عن المغاربة أو أهل مراكش فلن يظهر له الموريتانيون. اختلاف المدينتين، شنقيط ومراكش، يحدد تباين السكان واختلافهم في الهوية. وعلى الرغم من الانتماء إلى نفس العرق، ونفس الدين، ونفس الثقافة.. فإننا مختلفون تماماً عن المغاربة.