من اجل ناصرية جديدة

ظل التيار العروبي الناصري رائدا في تحديث وفرض الهوية الوطنية والعربية الإسلامية في الدولة الموريتانية المستقلة، التي انتهزت فرنسا خلوها من الأطر والكفاءات والتجربة... لتفرض بواسطتها ما عجزت عن فرضه قبلها من هوية ممسوخة، رهينة للغتها الغريبة وثقافتها الخبيثة.
وتعرض التيار الناصري الواسع القاعدة لتفاعلات سياسية داخلية، تمثلت في محاولة بعض نخبه احتكار إدارته وتوجيهه، من جهة، وتعرضه للمضايقة والقمع والاقصاء من الأنظمة السياسية المتعاقبة، من جهة أخرى.
ولعل ما تعرض له إبان حكم ولد هيدالة، قد اكتسى أهمية خاصة بسبب ما تميز به ذلك الحكم من قمع وشراسة، وما أصاب الناصريين منه خاصة من حرب وتعذيب أودى بحياة اثنين من أبنائه المدنيين في مخافر الشرطة.
ومما لا ريب فيه أن انتكاسات التيارات القومية العروبية عموما، بسبب مخادعة وفشل الأنظمة التي حكمت باسمها، قد أصاب التيار الناصري بنصيب من الخيبة والحيرة، أدى الى انحسار كبير للمد العروبي الناصري ونشاطه في الأقطار العربية وفي موريتانيا أيضا.

**
هذه السنة شمّر بعض الناصريين وخاصة من الشباب عن سواعد الجد، واستطاعوا تنظيم أول حشد سياسي وإعلامي مشهود لهم منذ أزمن، فكان الجمع الكبير الذي غصت به دار الشباب القديمة مساء السبت.
وتميز البيان السياسي القوي لهذا التجمع بأمرين، يقدحان الأمل في انبعاث قطب سياسي عروبي ناصري جديد:
أولا: خلو هذا البيان كلية من أي ذكر أو إشارة للزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر، الذي تسمى به هذا التيار وارتبط بشخصه لعقود طويلة.
ففك الارتباط "التاريخي" بين الناصرية وشخص عبد الناصر، كحاكم مستبد لنظام قطري مركزي فشلت تجربته في تحقيق أي من شعاراته القومية، هو الشرط الأول لانطلاقة جديدة تبدأ بالإصلاح الذاتي وتجريد الفِكَر من كل المؤثرات الإقليمية، والقيود الماضيوية. فالأفكار العروبية والأهداف القومية (من وحدة عربية وتحرر وتحرير ولغة ودين وعدالة اجتماعية...) واضحة وقائمة منذ قيام الدولة الإسلامية، ولا يمكن لربطها بشخص معين أو نظام محدد إلا أن ينحرف بها ويشوه ألقها ويمزقها ويحيطها باليأس والنفور...
ثانيا: تبنى البيان بوضوح مطالب وطنية جامعة؛ وخاصة تلك التي تتعلق بتطبيق الشريعة وحماية الهوية الوطنية وصون مقتضياتها اللغوية والثقافية، والمطالبة بالإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الضرورية لحماية الوحدة الوطنية، والحد من غلواء الرأسمالية المتوحشة التي تنشر الفساد وتطحن الطبقات الفقيرة طحنا...
ثم ـ وهذا حل عقدة كريهة ـ أكد حق الشعوب العربية في الديمقراطية والنضال المشروع ضد أنظمة الاستبداد.
لعلنا نشفى من لعنة عبادة الفرد التي ظلت عبر التاريخ العربي معول الهدم وثغرة الهزائم وذنب الخلود في التخلف، رغم تضافر وسائل النصر والعزة والتقدم...

**
إنه بيان ناضج ينم عن شعور وطني ومسؤولية وتطلع نحو المستقبل، وتخلص من سلبيات الماضي وعراقيله.
فإلى المزيد... 

والله معكم ولن يتركم أعمالكم.

أحد, 11/04/2021 - 23:34