غياب الإعلام البيئي

مع أن الإعلام البيئي يعود في نشأته إلى أكثر من 100 سنة , إلا أنه مازال غائبا تماما عن وسائل الإعلام الوطنية , سواء تعلق الأمر بالمؤسسات العمومية كالإذاعة الوطنية و قنوات الموريتانية , أو تعلق الأمر بالمؤسسات الخاصة التلفزيونية و الإذاعية , رغم وجود بعض المحاولات المتعثرة .

و قد أكد المؤتمر الدولي للبيئة المنعقد في ستوكهولم سنة 1972 م على الحق في الإعلام البيئي باعتباره حق كل انسان دون تمييز أو تفرقة في أن يعرف الأنباء و المعلومات المتعلقة بالحقائق البيئية . 

 فما هو الإعلام البيئي ؟ و هل يمكن تفسير تدنى مستوى الوعي البيئي في بلادنا بغياب هذا الصنف من الإعلام ؟

تعريف الإعلام البيئي :

يمكننا أن نعرف الإعلام البيئي بطرق مختلفة , ربما يكون أفضلها ما ذهبت إليه الباحثة : بن مهرة نسيمة في رسالة لنيل الماجستير من جامعة الجزائر عنوانها ( الإعلام البيئي ودوره في المحافظة على البيئة ) حيث تعرفه بأنه :

أداة تعمل على توضيح المفاهيم البيئية و نشر الثقافة البيئية , و الرقي بالوعي البيئي , و بناء أو فهم الظروف المحيطة , و إحداث تأثير في المستقبل من خلال التخطيط الإعلامي المسبق للأهداف المرجوة من الطرح الإعلامي البيئي .

كما تضيف الباحثة أن المادة الثانية من اتفاقية أروس عرفت الإعلام البيئي بأنه :

كل معلومة متوفرة في شكل مكتوب أو بصري أو شفهي أو ألكتروني أو أي شكل آخر يتضمن حالة عناصر البيئة كالهواء ومكوناته , المياه , الأرض , التربة , المناظر و المساحات الطبيعية , والتفاعل بين هذه العناصر , التنوع البيولوجي , الطاقة , الضجيج , الأشعة , الإجراءات الإدارية , الإتفاقيات المعنية بالبيئة ...إلخ 

 

محاولات متعثرة :

اختار المؤسسون الأوائل إنشاء عاصمة فتية على شاطئ جميل من المناطق البكر النظيفة التي لم تلوثها أيادي الإنسان , إلا أن هذه البيئة الجاذبة سرعان ما بدأت تتغير مع موجات النازحين من داخل البلد , الذي تأثر بشدة من موجات الجفاف و زحف التصحر من الشمال إلى الجنوب , و بدأت الموارد تتأثر , واستنزاف الثروات السمكية و المعدنية و غيرها على مر العقود الماضية ... 

كل ذلك فيما يبدو لم يثر انتباه الإعلام الوطني كي يتناول المواضيع البيئية سواء من خلال التحقيقات و التقارير الصحفية أو من خلال برامج متخصصة في البيئة , كما هو الحال في مختلف دول العالم , وخاصة الجوار الذي نشأت فيه صحافة بيئية متخصصة , و إن كانت مازالت تعاني من الكثير من المشاكل مقارنة بالإعلام الغربي , إلا أننا لاحظنا وجود محاولات متعثرة في هذا الشأن ؟

-        كتبت مقالات متفرقة في بعض الصحف تناولت بعض القضايا البيئية , و لا يمكن الحديث عن صحافة بيئية مستمرة , و إن كانت يومية الشعب عرفت تجربة مختلفة , تمثلت في وجود صفحة ( البيئة و الحياة ) في الفترة بين 2012 – 2018 م .

-        يوجد برنامج يحمل عنوان البيئة في الإذاعة الوطنية , إلا أنه سطحي ولم يتناول أي قضية بيئية مثل القضايا التي يتناولها الإعلام البيئي عادة من خلال متابعتي له بعض الوقت , و ربما يكون امتدادا للبرامج الريفية الأخرى التي تقدمها الإذاعة , كما سمعت بوجود حلقات من برنامج في احدى الإذاعات المستقلة توقف طبعا كما علمت .

-        قدمت التلفزة الموريتانية – قبل سنوات حلقات قليلة , 3 أو أكثر قليلا , لبرنامج عنوانه بيئتنا , وتابعته , كانت مواضيع الحلقات عن قضية واحدة ( محمية اجاولينغ ) , و لا يمكن اعتبار ذلك صحافة بيئية متخصصة , ومؤخرا أعلنت التلفزة الموريتانية عن برنامج ( جديد ) سيتم بثه مساء كل سبت , لكنني بشوق كبير انتظرت الحلقة الأولى لهذا البرنامج الذي يحمل نفس الإسم : بيئتنا , و كان موضوعها محمية آوليكات , بعد ذلك لم أجد أي أثر له في نفس التوقيت , و ربما يكون قد توقف , كما توقف سلفه ,   أتمنى أن يكون هذا التوقف مؤقتا .

 

تجارب عربية :

عرفت وسائل الإعلام العربية حضورا بيئيا يختلف من بلد إلى آخر , ونشرت دراسات عديدة عن البيئة في الإعلام العربي , و ربما تكون تونس و عمان و الكويت و فلسطين أكثر البلدان اهتماما بالصحافة البيئية , و لا يعني ذلك غياب البيئة عن الصحافة في البلدان الأخرى , فقد تابعت شخصيا برامج بيئية في قنوات عربية من تلك البلدان , وتجدر الإشارة إلى تجربة مميزة للتعاون الثنائي بين مصر و المملكة العربية السعودية نتج عنه ظهور قناة تلفزيونية رائعة متخصصة في البيئة قبل سنوات ( بيئتي ) توقفت للأسف .

كما تجدر الإشارة إلى قناة البوادي التي بثت برامج بيئية عديدة , و الطابع العام لهذه القناة التلفزيونية هو طابع بيئي .

و إذا تحدثنا عن النموذج التونسي , فقد أورد بعض الباحثين تعدادا للبرامج البيئية على النحو التالي :

في الصحافة المكتوبة , نجد جريدة الصحافة اليومية تخصص صفحة دورية للبيئة , أما الصباح و الحرية الصادرتان باللغة العربية و لوتان , وبرس , بالفرنسية فتنشر مواضيع متواصلة عن شؤون البيئة .

وتعرض الإذاعة الوطنية و إذاعة الشباب برنامجين بيئيين كل أسبوع , وتعرض قناة تونس 7 التلفزيونية برنامجا علميا بعنوان ( أسرار الطبيعة ) , وتعرض القناة 21 برنامجا أسبوعيا تحت عنوان ( دائما خضراء ) , و قناة هنبعل برنامجا وثائقيا أسبوعيا ...

أما عن التجربة الفلسطينية في هذا الشأن فيطلعنا عليها مدير دائرة الرقابة و المعلومات في وزارة الإعلام الفلسطينية , من خلال ورقة بحثية قدمها للمؤتمر الفلسطيني الأول حول الصحافة البيئية الذي عقد في 8 أكتوبر 2019 م , نشرتها مجلة (آفاق البيئة و التنمية ) , فمن أصل 140 برنامجا يقدمها تلفزيون فلسطين هناك 3 يمكن تصنيفها كبيئية , وثمة 16 برنامجا تحمل أبعادا بيئية , كما يقول الباحث أن البيئة لا تأخذ حقها في برامج صوت فلسطين حيث يوجد برنامج بيئي واحد , و أن موقع وكالة (وفا) يمنح حيزا مستقلا للبيئة .

وأشارت الورقة إلى وجود العديد من المواد التأسيسية للوعي البيئي في المركز الإعلامي لسلطة جودة البيئة الفلسطيني ...

 

خاتمة :

أشرنا في بداية هذا المقال إلى نشأة الإعلام البيئي التي تعود إلى أكثر من قرن من الزمن , في حين مازلنا نطالب بتخصيص جزء بسيط لهذا الصنف من الإعلام في وسائل إعلامنا المحلية تمشيا مع الإهتام الدولي و الوطني الرسمي بالقضايا البيئية و التنمية المستديمة , إلا أننا نلاحظ بعد تتبعنا لبعض الدراسات أن الإعلام البيئي لم ينشأ إلا بعد قيام حركات جماهيرية مهتمة بقضايا البيئة مما جعل الإعلام يهتم بتلك القضايا , ومع غياب نشاط المجتمع المدني في هذا الشأن على الرغم من وجود جمعيات كثيرة تتخذ من البيئة شعارا لها , و لا تجد لمعظمها أي أثر , فإن على قادة وسائل إعلامنا الإهتمام بهذا الموضوع للمساهمة في نشر الوعي البيئي , وتعريف المواطنين بالمخاطر البيئية , و المنافع أيضا , ولمساعدة البرامج الوطنية في تحقيق أهدافها , التي لا يمكن أن تتحقق في ظل غياب الوعي البيئي و الثقافة البيئية في صفوف المجتمع .

 

 محمد بن مولود

 

سبت, 12/12/2020 - 18:50