بيان مجموعة "التسعة عشر" الزنجية

في 4 يناير 1966 أعلن التلاميذ السود في ثانوية نواكشوط الدخول في إضراب مفتوح يهدف إلى إلغاء القرار المتعلق بإلزامية اللغة العربية في التعليم الثانوي.

وقد جاء هذا العمل الاحتجاجي ليكشف عن معاناة عميقة ظلت كامنة، حيث من الجلي أن الدراسة الإلزامية للغة العربية هي بالنسبة للسود اضطهاد ثقافي. كما أنها تمثل عائقا أمام النجاح في جميع الامتحانات للتلاميذ السود الذين، وبشكل واع، كانوا دائما يرفضون دراسة اللغة العربية لمعرفتهم أنها تكبح تطورهم الثقافي والعلمي وأنها ليست في مصلحتهم. ففي ثانوية روصو -مثلا- حصل تلاميذ سود علي المعدل في مجموع المواد غير أنهم في النهاية رسبوا لأنهم لم يحصلوا علي المعدل في العربية.

قد يبدو من المستغرب أن لا يصدر أي صوت من بين النخبة والمسؤولين السود احتجاجا علي قرار قضي بالفعل علي المساواة بين المواطنين وذلك في مجال حيوي كالتعليم. ولذلك، فنحن المواطنون الموريتانيون الموقعون أدناه، وأصالة عن أنفسنا، نعلن مساندتنا القوية ودون تحفظ لما قام به التلاميذ. وننظر إلى هذه اللحظة باعتبارها بداية إعادة النظر في بعض أسس التعايش بين المجموعة السوداء والمجموعة البيضاء، حيث نشهد في الوقت الحاضر الاحتكار الكلي لجميع قطاعات الحياة الوطنية من طرف البيظان.

وهذه بعض الحقائق الواضحة التي تكشف خطورة الوضع القائم: فمنذ حصول موريتانيا علي الحكم الذاتي، سارع النظام إلى خلق أسطورة تفترض وجود أغلبية 80% من البيظان، وولدت تبعا لذلك أسطورة الربع التي ستصبح القاعدة المطبقة في التوازنات علي مستوي كافة الهيئات السياسية والإدارية. وعليه كان في الحكومة وزيران أسودان من أصل تسعة، وفي المكتب السياسي الوطني ثلاثة سود من بين 13 عضوا، في الجمعية الوطنية 10 نواب سود من أصل أربعين. وبالتالي فالمشهد السياسي الإداري لا يمكن إلا أن يكون انعكاسا صادقا للوضع في القمة.

ومن اللافت أن مناصب رئيس الجمهورية، رئيس الحكومة، وزير الدفاع الوطني، الشؤون الخارجية، الأمين العام للشؤون الخارجية، وزير العدل، الداخلية، مدير الأمن وقوات الشرطة، مدير الإعلام، مدير التعليم، المدير العام للتخطيط، والوظيفة العمومية، ورئيس المحكمة العليا...الخ، هي كلها مناصب ممركزة وفقا لقاعدة غير معلنة لكنها ممنهجة في أيدي البيظان.

ويلاحظ من ناحية أخري أيضا أنه من بين 12 دائرة في البلاد واحدة فقط هي التي تحت مسؤولية إداري أسود، ومن بين حوالي ثلاثين قسما فرعيا فقط هي تحت مسؤولية موظفين سود.

  كم من أطر سود مرميين في وظائف هامشية، بينما يتقلب خونة للأمة ومدانون في الوظائف العمومية التي يختارونها.

  أليست موريتانيا الجنوبية -السوداء حصرا- موضوعة تحت سلطة البيظان حيث جميع قادة الدوائر، رؤساء الأقسام، رؤساء المراكز الإدارية، المفوضون -باستثناء روصو- القضاة، رؤساء فرق الدرك، وحتى العمد المنتدبون كلهم بيظان.

  ألا يترجم حضور من يمتلكون السلطة في هذا الجزء من البلد بأفعال فظيعة من الاستغلال والإذلال والظلم ترتكب في حق السكان السود، الصادقين، المخلصين، الشجعان والمنتجين.

  ألا تعمل إجراءاتهم –التي يطبعها غياب احترام تقاليد الملكية العقارية، القيم الروحية- على إشاعة الذعر والآسي والمرارة بين السكان السود الساخطين والذين هم علي حافة التمرد؟ إن مثال الساس ولد اكيك في نظر "إفلان" كيهيدي صارخ، فهذا المسؤول سمح لنفسه باعتقال وضرب وتعذيب وإذلال وسجن إفلان المسالمين، جريمتهم الوحيدة هي رغبتهم في إنشاء تعاونية وفقا لمتطلبات التنمية.

  ألم يجري في روصو تقطيع إداري غادر عزل وألحق كانتون الركيز المأهول فقط بالبيظان؟

  ألم يتعرض 15 دركيا من السود للإحالة إلي التقاعد المسبق بدون معاش؟

  ألم يكن السود أغلبية في صفوف "كوميات" الحرس الوطني والدرك والجيش والشرطة التي حين كانت القيمة والأهلية هي المعايير الوحيدة، حيث كان السود يمثلون نسبة 90% وهي تتراجع اليوم لحدود 25%؟

  ألا يتوقف اكتتاب السود الناطقين بالعربية عند عتبة 10% من بين المعلمين الموريتانيين المستعربين، لأن النظام يغلق الأبواب أمام الأكثر موهبة منهم للفوز في الامتحان، ولأن لجان التصحيح التي تم اكتتابها من البيظان تسهر من أجل أن يتحقق ذلك؟

  ألا يخصص معهد الدراسات الإسلامية في بوتلميت للتلاميذ السود نسبة 5% من المقاعد فقط؟

  أليس غريبا أنه لا يوجد من بين السود المستعربين مفتش ابتدائي واحد مع أنهم يتوفرون علي أطر مكونة ومثقفة ومؤهلة أكثر من الأطر البيض المستعربين؟

  ألم توزع المنح الخمسون التي وضعتها الكويت تحت تصرف موريتانيا من دون أخذ رأي أية لجنة، ولم تعط منها سوى سبع منح لمترشحين سود؟

  ألا يعمل النظام دائما، في الداخل كما الخارج، علي إظهار موريتانيا كبلد بيظاني بالأساس؟ ووفق هذه الرؤية يحرص علي الدوام رئيس الدولة شخصيا علي الإشارة في الخارج إلى "أن موريتانيا، بأغلبية عربية، تحوي أقلية من أصول افريقية" (خطاب بيزرت)، كما لو أن وجود الأقلية المزعومة كان بسبب حادث في التاريخ بينما حادث التاريخ هي الغزوات البربرية.

  ألا يضم المجلس البلدي في نواكشوط -حيث المواطنون السود أكثر من البيظان- أربعة سود فقط من أصل اثنان وعشرون عضوا؟

من جهة أخري نشير إلي أنه وبالتزامن مع الرغبة التي عبر عنها البيظان في ترسيم اللغة العربية، طالبت المجموعة السوداء بمنحها ضمانات ملموسة ومطلقة ضد أي احتواء وبأن يتم توزيع المسؤوليات الوطنية وأن يراجع الدستور في منحي فدرالي (مؤتمر 1961 و1963).

لكن النظام السياسي، بعد وقت قصير من تكميمه أفواه المتحدثين باسم السود، قام بترسيم اللغة العربية وكانت الخطوة الأولي هي هذا الإجراء بإلزامية العربية في المرحلتين الإعدادية والثانوية، وقام في نفس الوقت بخنق المطالب الأساسية للمجموعة السوداء. يعرف البيظان أن التعريب القسري سيقود البلد إلي الفشل، لكنهم مصرون على المضي في ذلك الاتجاه، تدفعهم عقدة النقص أمام التفوق النوعي للأطر السود، كما تدفعهم الرغبة الجامحة في اجتثاث المجموعة السوداء من محيطها الإفريقي وبالتالي احتوائها وإخضاعها لنمط حياتهم وتفكيرهم. وهكذا فإن الازدواجية ليست سوي خيانة للسود لأنها تهدف إلي إقصاءهم من جميع شؤون الدولة.

تلقي كل هذه الوضعية بثقلها على العلاقات بين المواطنين البيظان والسود، ليجد شباب البلد – الذين هم عماد المستقبل- أنفسهم منقسمين بشكل خطير. ففي دكار وباريس والقاهرة وفي المراكز الجامعية الأخرى تتناحر مجموعات الطلاب السود ومجموعات الطلاب البيض، وفي كافة مؤسسات التعليم الثانوي أصبح الانقسام واقعا يعيشه التلاميذ السود والتلاميذ البيض.

واعتبارا لأن المجموعة السوداء ملتزمة -بصفة لا رجعة فيها- باستعادة حريتها وكرامتها كاملتين، وباختيارها الحر لثقافة ونمط حياة منسجمين مع الحضارة الزنجية الإفريقية، وبالتطلع إلي المستقبل والتنمية المنسجمة للإنسان، وفي نفس الوقت مقتنعة بأن استمرار النظام في سياسته سيقود حتما إلي الفوضى والحرب الأهلية، فإننا نحن الموقعون أدناه:

  نعلن رفضنا للإجراء القاضي بإلزامية العربية في التعليم الأساسي والثانوي؛

  نتعهد بالكفاح لإفشال أية محاولة للاضطهاد الثقافي ولقطع الطريق أمام التعريب القسري.

  نطالب بإلغاء ترتيبات القانونين رقم: 65-025 و65-026 بتاريخ 30 يناير 1965 القاضية بإلزامية العربية في المستويين الأول والثاني والتي لا تأخذ في الاعتبار حقيقة الواقع الموريتاني؛

  نرفض ازدواجية اللغة التي ليست سوي خدعة وخيانة تسعى إلى إقصاء المواطنين السود من جميع مرافق الدولة؛

  نشجب التمييز العنصري، واللامساواة، والظلم والتعسف الممارس من طرف النظام القائم؛

  نشجب كل محاولة انتهازية تهدف لطرح مشكلة ذات طابع سياسي (العربية) تحت ستار ديني (الإسلام)؛

  ننكر وجود أغلبية بيضاء، لأن المقترحات المقدمة ملفقة لأجل دعم النظام في التطبيق الشامل لسياسته التي تطبعها الرداءة والتي بدأت تطال المجموعة السوداء؛

  نفرض الاستبدال الفوري لجميع قادة الدوائر ومساعديهم، رؤساء الأقسام، رؤساء المراكز الإدارية، مفوضو الشرطة، قادة الدرك، القضاة والعمد المنتدبون، وأي أبيض يوجد في الجنوب، بإداريين وموظفين من السود الذين هم وحدهم الحريصون علي تنمية هذا الجزء من البلد وعلى احترام السكان وقيمهم؛

  نفرض التصحيح الفوري لوضعية جميع الأطر السود الموجودين في وظائف لا تناسبهم ليشغلوا وظائف تتناسب مع مؤهلاتهم وشهاداتهم؛

  مستعدون للقاء رئيس الجمهورية ورئيس الجمعية الوطنية ورئيس الفريق البرلماني؛

  نحذر كل المسؤولين السود من اتخاذ أي موقف يضر بمصالح المجموعة (السود)؛

  نقسم بشرفنا أن لا نتخلى أبدا لا عن واجبنا، ولا عن ضمائرنا، وأن لا نحيد عن مواقفنا العادلة والنزيهة، وأن نثبت عليها لغاية الاختفاء التام لكل أشكال الطغيان والهيمنة والاضطهاد التي تمارس علي مجموعة السود وحتى يعيش كل مواطن أسود حرا، كريما وسعيدا في موريتانيا.

الموقعون:

  اكويتا فوديا

  اترتاوري جدو

  سي عمار ساتيغي

  صو عبدولاي

  كن بونا

  با عبدول إسماعيلا

  كوليبالي باكاري مانصو

  كن نالا

  دافا باكاري

  با ابراهيما

  جوب ممادو آمادو

  اترواري جبريل

  سك دمبا

  بال محمد البشير

  با ممادو نالا

  صال عبدولاي

  با عبدو العزيز

  سي ابراهيما

  با عالي كاليدو

فبراير 1966

للاطلاع على المنشور الأصلي باللغة الفرنسية:

LE MANIFESTE DES 19

 

اثنين, 10/02/2020 - 09:04