أن تولد صحراوياً وتعيش مطارداً حلم دولة

"الإنسان لا يختار بلده أو جنسيته أو أبويه. هذه أمور تولد معه. لو كان الأمر بيدي لاخترت أن أكون سويدياً أو أستراليا أو كندياً لأعيش حياة رغدة دون عراقيل. ولكن قدري هو أن أولد صحراوياً ومن شعب ما زال يكافح من أجل الحرية والاستقلال".

هكذا لخص الصحافي والباحث الصحراوي البشير محمد لحسن (33 سنة) علاقته بالقضية الصحراوية، مضيفاً: "أنا جزء من هذا الشعب، ولا يمكنني التنكر لها الواقع الذي أتأثر به، وأحاول التأثير فيه وتغييره قدر ما استطعت".

حديث لحسن لرصيف22 أتى على هامش مؤتمر الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليساريو) الـ15، الذي عقد في تفاريتي، شمال الصحراء الغربية، بين 19 و23 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وناقش مستقبل القضية الصحراوية وجددت فيه الجبهة التي تأسست سنة 1973 وتطالب باستقلال الصحراء الغربية، هيئاتها القيادية.

 

القضية ترسم شخصية الإنسان

 

يعتبر الصحراويون أن دولتهم ليست مجرد حلم بل نواتها قائمة ولكن في المخيمات، وأن قضيتهم تشكل شخصياتهم، سواء أكانوا في المخيمات أو المناطق الخاضعة للسيطرة المغربية.

يقول لحسن: "حلم الدولة هو مسؤولية كل صحراوي وصحرواية. عليه الدفاع عنه بقدر ما يستطيع. هو حلم منشود وهو أيضاً واقع وحقيقة، فالدولة مجسدة في أماكن اللجوء ولكن يجب أن تكون مجسدة على أرض الصحراء الغربية"، ويتابع: "لا يهم إنْ لم أتمتّع بها أنا أو أبنائي أو أحفادي. سأعمل على زراعة القضية فيهم وفي كل مَن هم حولي وسأعمل على فرضها بكل الوسائل".

 

تنقسم الصحراء الغربية إلى منطقتين هما الساقية الحمراء شمالاً، ووادي الذهب جنوباً، وتبلغ مساحتها 266 ألف كيلومتر مربع. ويفرض المغرب اليوم سيطرته على 80% من مساحتها، أما جبهة البوليساريو فتسيطر على ما تبقى، ومنه ناحية تفاريتي.

الفصل الحديث من تاريخ الصحراء يعود إلى مرحلة تصفية الاستعمار، هي التي كانت حتى عام 1975 خاضعة للاستعمار الإسباني. رغم إصدار محكمة العدل الدولية حينذاك رأياً استشارياً يدعو إلى منح سكانها حق تقرير المصير، سيّر ملك المغرب الحسن الثاني "المسيرة الخضراء"، في السادس من تشرين الثاني/ نوفمبر 1975، وهي تظاهرة شعبية شارك فيها حوالي 350 ألف مغربي، وعنوانها العلني كان حث إسبانيا على الانسحاب، ولكن غايتها كانت استلام السيطرة على المنطقة منهم.

بعد ذلك بأيام، عقدت إسبانيا والمغرب وموريتانيا "اتفاقية مدريد الثلاثية" التي قضت بانسحاب القوات الإسبانية وتسليم الأرض للمغرب وموريتانيا. رفض الصحراويون هذه الترتيبات وأعلنوا "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية"، وشكلوا حكومة أدارت من المنفى جيش التحرير الشعبي، وخاضوا، بمؤازرة الجزائر، معركة ضد المغرب وموريتانيا أدت إلى انسحاب الجيش الموريتاني، عام 1978، وحلول الجيش المغربي مكانه.

الآن، يقدّر عدد الصحراويين بنصف مليون نسمة، يقطن أكثر من ربعهم في خمس مخيمات للاجئين تأسست أواخر سنة 1975، وتحمل أسماء مدن صحراوية هي الداخلة، السمارة، العيون، أوسرد، وبوجدور، ولكنها مقامة في منطقة تندوف الجزائرية.

يشير لحسن إلى أن للإنسان الصحراوي خصوصية ناتجة عن قضيته الشائكة. يشرح: "حين تولد لاجئاً ابن قضية مثل القضية الصحراوية، سيؤثر ذلك على حياتك، وقد أثّرت على حياتي لأنني ولدت لاجئاً في مخيمات اللاجئين الصحراويين في الجزائر. درست المرحلة الابتدائية في مخيمات اللاجئين، وكان عليّ الانتقال إلى الجزائر في مرحلة التعليم المتوسط والثانوي وثم الجامعي، والتعوّد على البعد عن العائلة منذ الصغر".

"درست في الجزائر وكان عمري لا يتجاوز 12 سنة. كنت أقضي تسعة أشهر بعيداً عن أهلي وأعود إليهم في العطلة الصيفية فقط"، يروي، ويضيف: "أثّرت القضية على حياتي المهنية أيضاً، ففي مخيمات اللاجئين لا توجد الكثير من فرص العمل، فمهما درس الإنسان عليه امتهان مهنة أخرى خارج تخصصه. ذلك ما يفرضه واقع المخيم. فلو درست هندسة الاتصالات أو الهندسة المعمارية أو هندسة الطيران مثلاً، عليك الخروج من المخيم إنْ كنت تريد ممارسة هذه المهن، وهو ما حدث معي".

وتؤثر القضية الصحراوية على الصحراويين من الناحية الاجتماعية، برأي لحسن. "هناك التأثير العائلي، فالعائلات الصحراوية يفصل بينها الجدار المغربي الذي بناه المغرب لتقسيم الصحراء الغربية. ففي حالتي مثلاً، لم أرَ أعمامي في حياتي، وأجدادي لم أرَ أي منهم، سواء من جهة الأب أو الأم وأخوالي وخالاتي لا يزالون يعيشون في الجزء المحتل من الصحراء، وبضعهم لديه قناعات تختلف عن قناعاتي، وهذا من التأثيرات المباشرة لاختلاف ظروف الصحراويين. نحترم بعضنا وبيننا ود لكن لكل منا قناعاته."

 

لمتابعة القراءة

اثنين, 13/01/2020 - 18:40