ردود على أسئلة مدون هادئ مجهول

 كتب أحدهم حول مقابلة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز الأخيرة مع موقع " تقدمي " تحت عنوان " أسئلة مدون هادئ حول مقابلة زميله الغاضب " ولم يُعرف هذا المدون الهادئ نفسه مستغربين لماذا ما دام هادئا ولديه ما يعتقد أنه حجج دامغة وتوكيلا من الرئيس محمد ولد الغزواني لطرح الأسئلة باسمه! ونشرت مواقع إخبارية هذه الأسئلة لم نعهد بعضها ينشر لكتاب أو مدونين مجهولين، ووقعت في ختام كلام هذا " المدون الهادئ " نيابة عنه بعبارة  " منقول " حيث يتعارض ذلك مع أدبيات وأخلاقيات المهنة التي يتشدق بها الكل ومن بديهياتها عدم نشر المقالات غير الموقعة باسماء اصحابها!  

يسأل " المدون الهادئ " الرئيس لماذا تحتفظ برصاصة أطويله كذكرى في صالونك، وتنسى من حافظ لك على حكمك وقتها حين كنت بين الحياة والموت في المستشفيات الفرنسية، وكان المناخ العام مُشجعا على التخلص منك؟ وما يهمنا هنا هو " نسيان " الرئيس محمد ولد عبد العزيز لمن يشير إليه " المدون الهادئ "، فالذي نعرفه ويعرفه الجميع هو أن الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني رفيق وصديق للرئيس محمد ولد عبد العزيز، وهو وحده من بين كافة الضباط الذين ظهرت أسماؤهم معهما في انقلابي 2005 و2008 من بقي متربعا على قيادة الأركان، ثم الأركان العامة للجيوش بعد أن عرفت تلك الهيكلة وعلى مدى عشر سنين، وهو أول من حصل منهم على رتبة فريق، وقد وصل سن التقاعد وتم التمديد له، ثم تم تعيينه وزيرا للدفاع لكي يظل قريبا وتهيئة له لخلافة الرئيس محمد ولد عبد العزيز في قيادة البلاد.

 وتم إعلان ترشيحه وتوجيه كل الفاعلين والسياسيين من طرف الرئيس ولد عبد العزيز لدعمه، وخاض حملته الرئاسية بنفسه، وهو ما انتقده عليه كثيرا كل من التحقوا اليوم بالرئيس محمد ولد الغزواني ومن هم في طريقهم للإلتحاق به من أطراف المعارضة، معتبرين أنه لا يحق له خوض الحملة للرئيس ولد الغزواني، فالسؤال المطروح إذن هو من نسي من؟! أما لماذا " حافظ " الرئيس محمد ولد الغزواني للرئيس ولد عبد العزيز على حكمه وهو في المستشفيات الفرنسية، فذلك السؤال يُطرح على الرئيس غزواني نفسه، وهل كان المناخ العام فعلا مشجعا على التخلص من ولد عبد العزيز بالطريقة التي يلمح إليها " المدون الهادئ "، وهو المناخ الذي يغيب عنه الكثير من حقيقته وتفاصيله.

يسأل " المدون الهادئ " الرئيس ولد عبد العزيز لماذا تجاهل الإجابة على السؤال المتعلق بمحاولته البقاء في السلطة وإرغام قادة الجيش له على التخلي عنها، وكيف يُفسر إشرافه من خلال مستشاره الخاص أحميده ولد اباه، وصهره محمد ولد امصبوع على حراك المأمورية الثالثة؟ وقد أجاب الرئيس ولد عبد العزيز على المقولة أو الفرضية بإرغام الجيش له على التخلي عن السلطة حيث قال بالحرف كنت من ألقى القبض على جميع القادة سنة 2005، وإذا كان " المدون الهادئ " لا يكفيه ذلك كجواب فلعل " الهدوء " المفتعل منعه، فمن القى القبض على القادة العسكريين فجر الثالث من أغسطس 2005 وأحالهم إلى التقاعد وهو مجرد قائد أركان خاصة لرئيس، وأعاد الكرة مع قادة عسكريين آخرين فجر السادس من أغسطس 2008 وهو في نفس المركز، فلن يعجزه إلقاء القبض على من واجهوه ب " الإرغام " على التخلي عن السلطة وإحالتهم للتقاعد وهو رئيس وقائد أعلى للقوات المسلحة، وما كانت شاة ستنطح أخرى في حالة اتخاذ ذلك القرار! لكن لماذا يستغرب تجاهل الرئيس محمد ولد عبد العزيز الحديث عن المشرفين على حراك المأمورية الثالثة، ويتجاهل أن الرئيس محمد ولد الغزواني نفسه كان مشرفا على هذا الحراك! نصدق مائة في المائة ما نقله عنه بيجل ولد هميد في هذا الصدد، ودعوته له في مكتبه للتوقيع مع النواب على مطلبهم بالمأمورية الثالثة. 

يسأل " المدون الهادئ " الرئيس ولد عبد العزيز عن حججه بالندية مع فرنسا، ولم يجد مما يفند به تلك الندية سوى منحه مقاطع تنقيب لشركة توتال في الحوض الساحلي، ويتجاهل منحه حقول الغاز الأهم والأكبر تنقيبا واستغلالا لشركات " كوسموس " الأمريكية و " بريتش بتروليوم " البريطانية، والأكيد أن منح هذه الحقول لتلك الشركات لم يأت بعد عرضها على " توتال " ورفضها لها، وإنما لحرية قيادة البلد ساعتها في من تمنحه من هذه الشركات ومن تمنعه.. ثم إن الندية أصلا تكون في الجوانب العسكرية والدبلوماسية، أما الجوانب الإقتصدية فالندية فيها تحكمها المصالح والمردويات.. والندية التي يتحدث عنها الرئيس محمد ولد عبد العزيز مع فرنسا في هذا الجانب كان عليها أكثر من دلائل وشهود أكبرها طلب الرئيس الفرنسي هولاند منه، وهو على أسرة المستشفى في فرنسا مشاركة موريتانيا في حرب " بارخان " في مالي فرفض، ومغادرته السلطة وهو يرفض الدخول في تلك الحرب، أو الإذعان للمقاربة " التوريطية " التي تريد بها فرنسا تشكيل وتدخل قوات مجموعة الساحل في تلك الحرب رغم تجاوب أغلب قادة المجموعة مع المقاربة الفرنسية!

يُذكر " المدون الهادئ " الرئيس ولد عبد العزيز بقوله إنه حين كان يقود البلد لم يتحدث أحد عن غزواني بسوء، ويجهل أو يتجاهل أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز هو من أطلق الحريات وألغى عقوبة الحبس والمتابعة في حق المعبرين، ونال هو نفسه ما نال من تبعات ذلك شتائم وإهانات وتلفيقات، فلم يستفزه ذلك أو يجعله يتراجع عن حماية تلك الحريات، والسوء الذي يقصد هنا بأن ولد الغزواني لم يتعرض له خلال فترة حكمه هو ذلك السوء الصادر من النمامين بين الرؤساء وأعوانهم وإعراضه عن نميمتهم، وليس ما ينشره الإعلام عن مسؤولين في دولة تنتهج حرية الصحافة والتعبير، أما مقالات الكنتي الشهيرة، أو لنقل مقاله الشهير الوحيد " رجل الظل " فقد بين ما يقصده به ولا يعنيه أن فسره من فسره على هواه، وعبر عن تلك التفسيرات لكلامه بوصف من فسروها ب " نحارة النص " و بأنه " لا يهمه أن ابتلاه الله  بقراء من الدرجة صفر ".

ينتقل " المدون الهاد " إلى مقارنة الرئيس ولد عبد العزيز وضعه الحالي كرئيس سابق، مع وضع الرئيس الحالي عندما كان قائدا للجيوش، ويسأل الرئيس محمد ولد عبد العزيز هل يشعر اليوم بمضايقة كرئيس سابق؟ ولا نعرف أين كان هذا " المدون الهدائ " ليلة رابط الصحفيون من صلاة المغرب إلى آذان الفجر في انتظار بث لقاء صحفي للرئيس محمد ولد عبد العزيز لم يمنع بثه انتقطاع في الكهرباء، ولا عدم استعداد أو جاهزية منه هو شخصيا وإنما الحصار والمضايقات، ومعروف من بيده القدرة على تلك المضايقات، ومعروف كذلك أن تنظيم لقاء صحفي هو من أبسط حقوق مواطن عادي أحرى رئيس سابق!

 أما كل ما ورد في فقرات أسئلة " المدون الهادئ " وغيره حول ثروة الرئيس محمد ولد عبد العزيز وممتلكاته ومصادرها، فسوف نجمعه ونحيله للتحدي الذي وضعه الرئيس نفسه أمام الجميع ممن هم مستعدون للبحث في مصادر تلك الثورة والتقدم بما لديهم أمام قضاء أبوابه مفتوحة.. فالكرة إذن في مرماهم الآن، وما لم يردوها لمرمى من مررها إلى مرماهم فالحديث فيها سيظل حديثا معادا عديم الفائدة والمصداقية حتى ولو تعاملوا معه بمنطق " عنز ولو طارات "! 

يورد " المدون الهادئ " قول الرئيس ولد عبد العزيز بأنه هو من شيد موريتانيا ويفسر ذلك من عنده، بأن موريتانيا لم تكن موجودة قبل ولد عبد العزيز، وهذا ما لم يقل به قائل حتى ولد عبد العزيز نفسه، لأن موريتانيا لو لم تكن موجودة لما وجد الرئيس ولد عبد العزيز ما يترأس عليه ويحكمه، لكنه حكمها وهي في ظروف من النقص والغياب لكل الأساسيات والمقومات التي لم يكن من المقبول أو المعقول أن بلدا بعمر 50 سنة من الاستقلال ما زال يحتاجها وفي جميع المجالات الخدمية والأساسية، تعليما وصحة ومياه وكهرباء وطرقا وموانئ ومطارات وزراعة وجيشا وأمنا.. وأنجز في هذه المجالات ما لا يستطيع اليوم من يحاولون طي صفحته طمسه بمن في ذلك النظام الذي خلَّفه وحكومته، وعُد لخطابات رئيس الجمهورية محمد ولد الغزواني نفسه، بل وعُد لكل المشروعات التنموية القائمة اليوم والتي تستغلها الحكومة الحالية وتنفذ برامجها على أساسها، وتلك المشروعات التي يتم وضع حجرها الأساس اليوم وتلك التي سيتم وضع حجرها غدا، فكله على أساسات وركائز ما جسدته هذه العشرية خلفها، وما كان لوزير صحة ولا وزير تعليم، أو مياه، أو طاقة، أو تجهيز ونقل، أو مالية، أو دفاع، أو تشغيل، أو إسكان تنفيذ أي من برامجه في قطاعه اليوم لولا تلك الأسس والمقومات التى وجدها أمامه، ومن أنجز كل ذلك في ظرف عشر سنوات ليس وصفه بالمؤسس بالشيئ الكثير في حقه، خصوصا أنه لم يؤسس لذلك وحده، بل أسس أيضا لحريات واسعة ونظام ديمقراطي وتبادل للسلطة بشكل هادئ مشهود، ولإدماج موريتانيا في المنظومة الدولية وفرضها كدولة ذات دور وشأن في قضايا جوارها وإقليمها وما يفتحه ذلك اليوم من آفاق.

وما كان ليحقق ذلك لولا حضوره ومتابعته لكل التفاصيل ولكل كبيرة وصغيرة، ذلك أن المسؤولية والغيرة الوطنية والهم العام بين المسؤولين والموظفين في هذه البلاد يقترب كله من الصفر، فلا أحد منهم يؤدي عمله بالحد الأدنى مما هو مطلوب إلا ما دمت عليه قائما، وأحيانا تكون عليه قائما ولا يؤديه، والرقيب منهم على أي مهمة أو عمل يحتاج لرقيب عليه، والرقيب عليه يحتاج بدوره لرقيب عليه، والرقيب على رقيب الرقيب يحتاج هو الآخر إلى رقيب، وهكذا متتالية من أصغر موظف إلى أكبر مسؤول، لأن الوازع الذاتي دينيا أو أخلاقيا أو وطنيا منعدم بينهم أو في أحسن أحواله جد ضعيف، فكهلم يتمالؤون ويتحايلون، وحديثهم اليومي في مكاتبهم وتسييرهم هو ما سيدر عليهم دخلا من تحايل في ميزانية، أو غش في عمل، أو تطفيف في مخصصات، فذلك هو مُحفزهم الوحيد الذي بدافعه يرتدي كل واحد منهم ملابس عمله ويتوجه إلى مكتبه كل يوم دوام!    

أما حزب الاتحاد من أجل الجمهورية وما آل إليه حاله اليوم، فمن عليهم الخجل والاستحياء من الخوض فيه هم المشرفون عليه اليوم بدء برئيسه الجديد مرورا بمجلسه الوطني ومكتبه التنفيذي، وليس الرئيس ولد عبد العزيز الذي كان هو من أسس هذا الحزب في ظروف معروفة وفي مجتمع معلوم الخصوصيات، وليس عيبا أن تبدأ الأحزاب بطرق تأسيس وتسيير وقيادة معينة قد لا تكون مرضية أو ديمقراطية تماما، لكنها تتأسس وتتطور وتترسخ، وأكثر من يدرك الظروف التي تأسس فيها حزب الاتحاد من أجل الجمهورية هو الرئيس محمد ولد عبد العزيز، ولا أحد أدرى منه بما كان يدور فيه ولا بالطريقة التي كان يُسير ويُدار بها لكي يذكره البعض اليوم بذلك، لكنه وبعد عشر سنوات من تأسيس هذا الحزب خط له خطة للإصلاح هو نفسه يدرك أنها لن تستطيع التملص أو الاستقلال عن طبيعة وخصوصية المجتمع والفاعلين المشكلين لهذا الحزب بشكل ثوري، غير أن تلك الخطة كانت ستكون، على الأقل، محطة أخرى على طريق التقدم بهذا الحزب وبالعمل السياسي خطوة إلى الأمام، وبدأ ذلك بعملية انتساب ثم انتخاب فروع وأقسام واتحاديات بالطريقة التي يتحيها الواقع وخصوصية المجتمع والتي لا يمكن القفز عليها لكن مع مراعاة آراء كل المنتسبين واختيارهم للمثلين عنهم، ثم تم انتخاب لجنتيه للشاب والنساء بطريقة مقبولة روعي فيها ما أمكن من الشفافية والديمقراطية، وكانت الترتيبات لعملية انتخاب قيادته وبقية هيئاته تجري على نفس المنوال.

لكن ما شهدناه يوم 28 ديسمبر قبل أيام، خلال مؤتمر الحزب، أو مؤتمر " الإجراءات الخصوصية " كما وصفه بعض مؤتمريه أنفسهم، فلا نعرف ما إذا كان وصفه بالإنتكاسة يوفيه حقه، اختصار لأيام المؤتمر على يوم واحد لأن لكل شيء كان جاهزا ولا داعي للمداولات، وهرج ومرج واختلاط حابل المنتسبين والمناديب بنابل الغرباء وغير المنتسبين، وتجاوز والضرب عرض الحائط بكل النصوص، والمناديب أنفسهم الذين يرجع إليهم الأمر في انتخاب هيئات الحزب يتهامسون متسائلين دقائق قبل  إعلان إسم رئيس الحزب عن المرشحين لقيادته، فينزل عليهم إسم رئيسه من السماء ويُقال لهم هذا هو الرئيس فصوتوا عليه، ليرفع من لم ينسحبوا منهم مللا أيديهم ولا أحد يهتم أو ينظر إلي الموافق منهم من المعترض، مما جعل بعضهم يعلق قائلا ما الحاجة لاستدعائنا أصلا! ثم يتوالى اختيار بقية الهيئات بنفس الأسبلوب! وإذا كان البعض يصف حزب الاتحاد من أجل الجمهورية بأنه ليس سوى نسخة من حزب " عادل " و الحزب الجمهوري، وهياكل تهذيب الجماهير، وحزب الشعب، فإنه أصبح اليوم نسخة من أبعد هذه الهيئات عن المأسسة وعن الديمقراطية والشفافية ألا وهي هياكل تهذيب الجماهير، أو هياكل ( تهذي ـ بالجماهير ) و تتلاعب بهم وبخياراتهم!

فكان هذا اليوم، وبكل المقاييس والمعايير، يوما أسود في صفحة الديمقراطية الموريتانية، وعار على جبين كل من سكتوا عليه، خصوصا من منتسبي الحزب الذين كان من مآخذهم عليه ما كانوا يتحدثون عنه من أحاديته أو تهميشه لآرائهم، وكانوا يتطلعون لأساليب وممارسات جديدة خلال مؤتمره اليوم الذي لم يُبق على تلك الأحادية والتهميش فحسب، بل أبقى عليها بكل ما يمكن تصوره من التجاوزات والتجاهل والإهمال البين لصلاحيات وخيارات وتوجهات المؤتمرين، أما المستفيدون من هذه الانتكاسة فلا يُتوقع منهم غير الإشادة بما جرى لأنه كان هو الضامن الوحيد لبقائهم في الواجهة. فهنيئا لموريتانيا وهنيئا ل " مدونها الهادئ " وعباقرتها  السياسيين الذين نقضوا غزلها الديمقراطي المكتسب بشق الأنفس وعديد المحاولات، وإفراغه من جوهره ومحتواه بهذا التقهقر والنكوص.    

محمدو ولد البخاري عابدين             

سبت, 04/01/2020 - 15:24