ستشهد مناطق عدة من العالم من بينها منطقة الجزيرة العربية ومصر غدا الخميس ظاهرة فلكية فريدة هي الكسوف الحلقي حيث سيحجب القمر الشمس عن الأرض فيما عدا الحواف ، إذ ستبدو الشمس في بعض الأماكن التي سُيشاهد الكسوف الحلقي فيها كاملا وكأنها حلقة مضيئة الاطار فقط ، حيث سيحجبها القمر بشكلي كلي تقريبا ، وبالرغم من أن الشمس أكبر من القمر أربعمائة مرة الا أنها أيضا أبعد منه اربعمائة مرة قياسا بمسافته هو من الأرض ..لهذا يظهر حجمه قريبا من حجمها ، وعندما يحدث التوازي عموديا يحدث الكسوف الحلقي ، وبالنسبة للجزيرة العربية فقد كانت أخر مرة حدث فيها كسوف حلقي هي سنة 1922 ، وسيكون الكسوف الحلقي القادم كما بين الفلكيون بعد 30 سنة من اليوم أي سنة 2049..
غير أن السؤال الذي أود إثارته حول هذا الموضوع هو، لماذا يجمع الناس على تصديق أخبار الظواهر الفلكية ؟ لماذا في حوادث الكسوف لا نسمع مكذبين ولا مشككين ، بل أن الجميع حتى بمن فيهم ولائك الذين لا يزالون يكذبون كروية الأرض، كلهم يصدقون أن الكسوف سيحدث غدا .. مع ان الامر لا يزال مجرد خبر او نبوءة .. إنما يثير الاستغراب هنا هو ان مصدر الحقائق العلمية واحد ، سواء كانت فلكية أو مناخية أو طبية ، وهو العلم ، الحساب والهندسة ، الفيزياء والرياضيات ، فلماذا نصدق بعضا منه ونكذب بعضا آخر؟ ..لماذا يشكك الناس في ظاهرة تغير المناخ وارتفاع حرارة الأرض ويصدقون ان كسوفا حلقيا سيحدث غدا ، وانه لن يتكرر بعد ذلك الا بعد ثلاثين سنة ؟ اليست أدوات الخبرين واحدة ؟ ..
إن البحث عن تفسير لهذا التناقض بين التصديق التلقائي في جانب والتشكيك والإعراض في جانب آخر يمكن أن يعزى إلى أن الظواهر الفلكية هي ظواهر لا يمكن التقول فيها بالكذب لسطوعها وعلنيتها ، فمن يقول إن أمرا بهذه الجسامة سيحدث غدا او حتى بعد أعوام ، فلابد أنه واثق مما يقول ، والا فإنه يعرض نفسه ومكانته وحتى ذكراه للسخرية والاحتقار ..
أما الظواهر الأخرى فهي في الغالب لا تكون ساطعة إلا حين يكون الأوان قد فات على البحث عن من كذب بشأنها ومن صدق .
والواقع أن الامر أيضا يمكن أن يعزى ، وهذا أقرب الى منطق العصر اليوم أن ظواهر الكسوف والخسوف لا ترتبط بها مصالح أحد ولا أجنداته ، فهي لا تؤثر على اقتصاد أحد ولا على وضعه ولا على صحته ، ولا تؤثر على سياسات الدول أو أطماعها ولا علاقة لها بالشركات الناهبة ولا باللوبيات أو دوائر التاثير .. فهي ظواهر لا تثير أي حساسيات أو صراعات أو جدل .. ولا علاقة لها بأجندات أحد، ولا بمصالحه أو مكانته ، فلهذا لا يكذبها أحد ولا ينشغل بالتشكيك فيها أحد ..
أما تغير المناخ فإن التصديق به مثلا يعني انهيار اقتصادات دول وتهاوي شركات جبارة تعتمد من عشرات السنين على الطاقة الاحفورية وماضية في الحفر في كل شبر من الأرض بل وحتى في أعماق البحار، وتتبع لها امبراطوريات إعلامية واندية وجامعات ومراكز دراسات وابحاث ..وعالم متكامل يسند بعضه .. ولا يهتم للشمس إن قال أحد إنها كسفت او ستكسف .. فهذا لا يؤثر على أجنداته ولا يرف له جفنه عكسا لأمور أخرى .
إسماعيل محمد خيرات
