فرص عزيز الضائعة!

بدءا لابد من القول بأنه لا مبرر إطلاقا لحرمان الرئيس السابق من عقد مؤتمر صحفي إن هو أراد ذلك، هذا إن تأكد للجهات المعنية بأنه ليست هناك أي محاولة لزعزعة الأمن من خلال ذلك المؤتمر الصحفي. إن منع الرئيس السابق من تنظيم مؤتمر صحفي سيكون دعاية له، وإن السماح له بتنظيمه سيضرُّه أكثر مما سينفعه.

صحيحٌ أن الرئيس السابق كان قد استخدم حجة مشابهة لمنع معارضيه من تنظيم نشاط سياسي، وأن تلك الحجة يمكن أن تستخدم اليوم ضده، ولكن أن يكون الرئيس السابق قد استخدم تلك الحجة المشابهة فإن ذلك لا يبرر إطلاقا  استخدامها اليوم ضده. 

أذكر بأنه قد تمت دعوتي ذات مرة يتيمة ـ وبصفتي مدونا ـ للمؤتمر الصحفي الذي نظمه الرئيس السابق في قصر المؤتمرات بمناسبة انتهاء حملة الانتخابات التشريعية 2018. وكالعادة فقد حاولتُ أن استغل تلك المناسبة لطرح أسئلة تتعلق بالموضوع الذي يشغلني كثيرا، ألا وهو موضوع حوادث السير.
لقد ركزت في أسئلتي خلال ذلك المؤتمر الصحفي على موضوع حوادث السير، ومع ذلك فقد طرحتُ على الرئيس السابق سؤالا يتعلق بمنع المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة من تنظيم مهرجان في ساحة المطار القديم، وذلك في الوقت الذي سُمِح فيه لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية بتنظيم مهرجان في نفس الساحة.
الحجة التي تقدم بها الرئيس السابق لتبرير حرمان المنتدى من تنظيم مهرجان في ساحة المطار القديم هي أن ساحة المطار تعتبر ملكية خصوصية، ولصاحبها الحق ـ كامل الحق ـ في أن يمنحها لهذه الجهة، وأن يمنعها عن تلك. هذه الحجة يمكن أن يتم استخدامها الآن لتبرير رفض بعض الفنادق للمؤتمر الصحفي الذي يفكر الرئيس السابق في تنظيمه. تزداد حجة أصحاب الفنادق وجاهة إذا ما برروا ذلك الرفض بأن هناك ضحايا كثر للرئيس السابق ( ضحايا ديون الشيخ الرضا مثلا) قد يستغلون ذلك المؤتمر لتنظيم احتجاجات قد تتسبب في أضرار للفندق الذي سينظم بإحدى قاعاته المؤتمر الصحفي للرئيس السابق.

رغم كل تلك المبررات الوجيهة فسيبقى السماح للرئيس السابق بتنظيم مؤتمر صحفي هو الأسلم، ومن الراجح بأن هذا المؤتمر الصحفي سيضر الرئيس السابق أكثر مما سينفعه، وسيجعله يضيع فرصة ثمينة تنضاف إلى فرص ثمينة كان قد ضيعها من قبل.

هناك ثلاث فرص ثمينة ضيعها الرئيس السابق، سنحاول في هذا المقال أن نتوقف معها.
الفرصة الأولى : لقد ضيع الرئيس السابق فرصة ثمينة بعد إسقاط التعديلات الدستورية من طرف الشيوخ، كان بإمكان الرئيس السابق أن يظهر بمظهر الرئيس الديمقراطي فيقبل برفض التعديلات الدستورية، ويكسب بذلك مكانة كبيرة، وكان عليه في ذلك الوقت أن يفهم رسالة الشيوخ التي وضعوها في صندوق بريده يوم الجمعة الموافق 17 مارس 2017، وكان عليه أن يبدأ منذ ذلك التاريخ  في إرساء جو مصالحة وتهدئة يستفيد منه الجميع وبمن في ذلك من يوجد في الخارج من  خصومه السياسيين. وكان عليه أن يفعل كل ذلك في إطار خطة متكاملة يتصالح فيها مع الجميع، ويمهد من خلالها لخروج مشرف وآمن من الرئاسة، وذلك من خلال تنظيم انتخابات رئاسية شفافة لا ينحاز فيها لأي طرف، ولو أنه فعل ذلك لخرج من السلطة خروج الأبطال العظام.. هنا لم يقبل الرئيس السابق أن يخرج من السلطة خروج الأبطال العظام الذين يتم الاحتفاء بهم كثيرا على المستويين المحلي والدولي.
الفرصة الثانية : بعد أن ضيع الرئيس السابق الفرصة الأولى كان عليه أن لا يضيع الفرصة الثانية، وذلك بعد أن أجبر ـ بشكل أو بآخرـ  على التخلي عن فكرة المأمورية الثالثة، ومع أننا لا نملك ـ حتى الآن ـ تفاصيل ما حدث حينها، إلا أن البيان الرئاسي الموقف لمسار التمديد والذي تم إصداره والرئيس في الخارج ليؤكد بأن هناك جهة ما أرغمت الرئيس السابق على أن يوقف مسار التمديد. كان يمكن للرئيس السابق أن يمثل دور الخارج من السلطة طواعية، وأن يجني ثمار تمثيل ذلك الدور. وكان عليه لنجاح التمثيلية أن يحافظ على علاقته مع صديقه الرئيس الحالي، وأن لا يظهر أي منافسة له في السلطة من بعد خروجه منها، فذلك هو ما كان سيجعل الناس يصدقون التمثيلية. هذه الفرصة ضيعها الرئيس السابق أيضا من بعد عودته إلى أرض الوطن، ومن بعد محاولته الفاشلة للاستحواذ على حزب الاتحاد من أجل الجمهورية (حزب الحاكم). إن هذا الحزب هو (حزب الحاكم)، ومن ينافس عليه إنما ينافس على الحكم، ولأنه لا يمكن لأي دولة أن تقاد برأسين، فكان لابد أن يخسر أحد المتنافسين معركة ملكية "حزب الحاكم"، وبطبيعة الحال فقد كان من الواضح جدا بأن الرئيس السابق سيخسر تلك المعركة لأنه لا يملك أي نقطة قوة تمكنه من كسبها، ولقد خسرها بالفعل، وقد خسرها بشكل فظيع لابد وأنه قد صدمه.

هنا ضيع الرئيس السابق فرصة ثمينه وهي أن يعيش بقية حياته وهو يمثل على المستوى المحلي والدولي  دور الرئيس البطل الذي تخلى عن السلطة طواعية.

الفرصة الثالثة: هذه الفرصة الثمينة والتي قد تكون هي آخر فرصة يعمل الرئيس السابق على تضييعها الآن، وتتمثل هذه الفرصة في الابتعاد تماما عن الأضواء والعمل على أن ينساه الجميع كما حصل مع الرؤساء السابقين : معاوية؛ هيدالة؛ سيدي ولد الشيخ عبد الله، وذلك حتى يعيش في أمان مثلما عاشوا هم في أمان. يبدو أن الرئيس السابق قد قرر أن يضيع هذه الفرصة الأخيرة، وذلك من خلال فكرة عقد مؤتمر صحفي والتي وضعته من جديد تحت دائرة الضوء، وأظهرته مكشوف الظهر وبلا نصير .لقد كان الرئيس السابق في غنى عما يحدث له الآن : الفنادق ترفض استقباله، والكل يتبرأ منه، ومناديب مؤتمر حزب الحاكم يتسابقون للإعلان عن براءتهم من نهجه.
لقد قرر الرئيس السابق من خلال الإصرار على البقاء داخل دائرة الضوء أن يدخل معركة غير متكافئة سيكون فيها مكشوف الظهر أمام الجميع، وهو لا يملك من نصير غير مدون واحد مازال يقبل بأن يلتقط صورة معه. 

خلاصة القول هي أن الرئيس السابق قد ضيع فرصة الخروج من السلطة بوصفه بطلا حقيقيا، وقد ضيع الخروج منها بوصفه ممثلا لدور البطل، وها هو الآن يضيع فرصة الخروج منها بوصفه رئيسا سابقا يلقى الاحترام والحماية من خلفه. 

فلماذا يرتكب الرئيس السابق كل هذه الأخطاء القاتلة؟ لكم أتمنى أن يتوقف الرئيس السابق عن ارتكاب المزيد من الأخطاء القاتلة، فأنا من الذين لا يتمنون له ـ رغم معارضتي له خلال فترة حكمه ـ  إلا الخير والعيش بأمان في وطنه. 

 

حفظ الله موريتانيا..

محمد الأمين ولد الفاضل

أربعاء, 18/12/2019 - 10:32