ماذا قال سينغور عن المختار؟

(...) وبالنسبة لنشاطات الجمهورية الإسلامية الموريتانية الديبلوماسية خلال سنة 1964، فقد أشرت إلى مشاركتنا في القمة الثانية لمنظمة الوحدة الإفريقية التي عقدت بالقاهرة، ومشاركتنا في القمة الثانية لدول عدم الانحياز التي التأمت بالعاصمة المصرية كذلك.

ونشير هنا إلى أن التطور الذي عرفه "الاتحاد الإفريقي الملغاشي" ليصبح "الاتحاد الإفريقي الملغاشي للتعاون الاقتصادي"، شغلنا خلال سنتي 1964 و1965. ومن هنا فلن نتعرض لعلاقاتنا الثنائية مع مختلف البلدان الإفريقية العربية ولا العلاقات الأخرى التي سيتم الحديث عنها في موضع آخر.

لقد ناقشت قمة الاتحاد الإفريقي الملغاشي الملتئمة في كوتونو خلال شهر يوليو 1963 مطولا مشكلةَ الثنائية بين الاتحاد وبين منظمة الوحدة الإفريقية التي لم يمض على تأسيسها آنذاك أزيد من شهرين. وكان من ضمن قراراتنا أن هياكل الاتحاد الإفريقي الملغاشي مدعوة بالضرورة إلى أن تتطور نحو الانسجام مع هياكل منظمة الوحدة الإفريقية أو تندمج معها بشكل تدريجي. وقد عقد الاتحاد الإفريقي الملغاشي اجتماعاً بدكار في بداية شهر مارس 1964، تغيب عنه عدد من رؤساء الدول من بينهم الرئيس فليكس هوفوت بونيى. لكننا مع ذلك قررنا تحويل الاتحاد الإفريقي الملغاشي إلى اتحاد إفريقي ملغاشي للتعاون الاقتصادي، وانتخبتُ أول رئيس له. وكان من المقرر أن تعقد القمة اللاحقة في تناناريف (Tananarive).

وبعد مضي وقت قصير على قمة دكار، أبلغني عدد من رؤساء الدول، بمن فيهم أولئك الذين حضروها، بتحفظهم على نزع الصفة السياسية عن الاتحاد الإفريقي الملغاشي؛ فإنشاء منظمة ذات صبغة اقتصادية محض يعتبر في نظرهم سابقاً لأوانه. وبلداننا الفقيرة المتخلفة لا تستطيع أن تتعاون بشكل مثمر؛ "فتكاتف فقرنا لن يطور تنميتنا"، كما قال أحدنا، في حين أجاب آخرون بـ"أن تعاوننا الذى برهن على نجاعته في المجال السياسي والديبلوماسية من خلال قبول الجمهورية الإسلامية الموريتانية في الأمم المتحدة، يظل أمرا ًمرغوباً فيه. فقد حققت مجموعتنا في منظمة الأمم المتحدة تأثيرًا حقيقياً في وقت قصير".

ووجدت نفسي في وضع محير؛ ففي الوقت الذى كنت فيه رئيساً للاتحاد الإفريقي الملغاشي للتعاون الاقتصادي، لم أعد أعرف أي منظمة أترأس! وهكذا فإن الاتحاد الإفريقي الملغاشي لم يعد قائماً من وجهة نظر البعض، وكنت من بينهم، في حين اعتبر زملاء آخرون أن الاتحاد الإفريقي الملغاشي للتعاون الاقتصادي لم يوجد بعد؛ فوجدنا أنفسنا في طريق مسدود. ولأجل الخروج من المأزق كان من الضروري عقد القمة المقررة في تناناريف، والتي يلزم -لو التأمت- أن تتبنى واحداً من القرارات الثلاثة الممكنة، وهي:

- إقرار الاتحاد الإفريقي الملغاشي للتعاون الاقتصادي، ويتطلب ذلك أن تنخرط فيه الدول المتحفظة عليه، إن لم نقل المعارضة له.

- الرجوع إلى الاتحاد الإفريقي الملغاشي، وهو رأي الأغلبية، ولكنه يعتبر مجازفة قد تؤدى إلى انسحاب الكاميرون والجمهورية الإسلامية الموريتانية منه.

- إنشاء منظمة جديدة تكون حلا وسطاً بين المنظمتين السابقتين وتحظى بالإجماع.

وكان من اللازم إقناع الرئيس هوفوت بونيي لفك العقدة، وهو ما حاولتُ القيام به. فقد كنت في آبدجان مع بداية شهر أغسطس للمشاركة في التظاهرات المخلدة للذكرى الرابعة لاستقلال ساحل العاج بدعوة من "العميد". وانتهزت تلك الفرصة لأبحث مع مضيفي المرموق مستقبلَ لاتحاد الإفريقي الملغاشي للتعاون الاقتصادي. وقد اقترح علي "أن أزوره في القرية عند نهاية اكتوبر لنتمكن من مناقشة هذه القضية بهدوء".

وكنت في الموعد يوم 30 أكتوبر في ياموسوكرو (Yamoussoukro) التي بقيت بها إلى غاية 4 من نوفمبر مع "العميد" كما أدعوه أو "العجوز" كما يسميه البعض. وسمحت لي تلك الإقامة التي لا تُنسى، بمعرفة أعمق بهذا الرجل النادر بكل ما للكلمة من معنى.

لقد تعرفت على العميد، كما كنت أدعوه دائماً منذ لقائنا الأول في باريس عام 1957، بعد وقت وجيز من انتخابي لنيابة رئيس مجلس الحكومة المنبثق عن القانون الإطاري، وكان إذ ذاك عضوًا في الحكومة الفرنسية. وتم اللقاء في منزله بباريس حيث استقبلني ببساطة وحفاوة وعانقني قائلا: "أخي العزيز الشاب". وتولد عن هذا اللقاء ود عطوف متبادل ألهمني احتراماً عفوياً عميقاً لهذا الرجل ظل معي إلى الأبد.

وكنت ألقى الرئيس فليكس هوفوت بونيي بانتظام منذ عام 1957، إما في اجتماعات المجلس التنفيذي للمجموعة، أو في اجتماعات الاتحاد الإفريقي الملغاشي أو أثناء زياراتي المتعددة لساحل العاج بدعوة كريمة منه على الدوام. فقد حضرت تدشين جسر هوفوت بونيي بآبدجان عام 1958، كما شاركت في مؤتمر رؤساء الدول والحكومات في البلدان الإفريقية الناطقة بالفرنسية المنعقد في أكتوبر 1960. وحضرتُ التظاهرات المخلدة لذكرى استقلال ساحل العاج. وقد شرفنا العميد بحضوره في نواكشوط حفل إعلان استقلال الجمهورية الإسلامية الموريتانية، كما سبقت الإشارة إلى ذلك.

غير أنني لم أتحدث إطلاقاً مع الرئيس العاجي بصورة مطولة وجهاً لوجه قبل أكتوبر 1964 عند ما كنا في ياموسكرو. وأعترف أنني كنت أحمل آراء مسبقة ضد أفكاره الخاصة بإفريقيا والعالم الثالث، فهي مغايرة لما لدي من أفكار أو على الأقل مخالفة لها في أسلوب التعبير. وقد كنت أقرب في هذا المجال إلى كوامى نكروما وجمال عبد الناصر وأحمد شيخو توري مني إلى هوفوت بنيي ومن حذا حذوَه، رغم ما أكن له من احترام وود. وقد بقينا طيلة خمسة أيام لا نفترق إلا نادراً، نظرًا لأني أقمت معه في منزله العائلي. وكنا في غالب الأحيان على انفراد. وقضينا أوقاتاً طويلة في النزهة مشياً على الأقدام وفي السيارة، وزرنا مزارع وحقولا تقع في ميدان حيازته الواسع حيث كان بحق في بيئته، ينعم براحة البال والاستعداد الكامل. فقد شرح لي كل شيء عن حياة المزارعين.

وهكذا حظيت بالاستماع إلى تلك النجوى الطويلة التي يملك ناصيتها ولا يمل سامعها. إنها درس عن أشياء لا تقدر بثمن ولا غنى عنها للإفريقي الذي يرغب في التضلع من الحكمة والأصالة الإفريقية الخالصة. وكانت تلك الدروس عن تاريخ ساحل العاج القديم والحديث وتاريخ إفريقيا الغربية وكل إفريقيا قبل الاستعمار وأثناءه. إنها إعادة تاريخية للأحداث والإساءات الاستعمارية، وما قام به المستعمر من اضطهاد الشعوب الإفريقية واستغلالها، وخير مثال على ذلك حالة الشعب العاجي. ويأتي في الأخير سرد مراحل النضال متعدد الأشكال ضد الاستعمار. ومن أمثلته ما قام به هوفوت بونيي داخل صفوف رابطة الزراع في ساحل العاج، وهي أول منظمة وطنية عاجية مناهضة للاستعمار.

لقد كانت ذاكرة الرئيس خارقة! فهو يتذكر يومئذ المرضى الأوائل الذين عالجهم في منزله عام 1925 وهو إذ ذاك طبيب إفريقي شاب في بلدة آبدجان الصغيرة! كما كان يتذكر بكل تفصيل خطواته الأولى وهو شاب نائب يهبط في باريس غداة التحرير، حيث ترعرع في وسط التيارات السياسية المختلفة التى تقاسمت الجمعية الفرنسية.

كان العميد خلال هذه الأيام المشهودة يتحدث إلي بكل صراحة وصداقة وثقة ومحبة. لقد تعلمتُ منه الكثير عن نفسه وعن منطقتنا وعن العالم. واكتشفت فيه الوطني والقومي الإفريقي الأصيل الذي يتحلى بروح عالية من الكرامة والشرف الإفريقي. وظهر أمامي في صورة مغايرة لما كنت أعتقده عن حسن نية. فقد كنت أراه محباً لفرنسا طيعاً لها تُصرِّفه كما تشاء! وكان ذلك خطأ جسيماً خامرني وشاركني فيه كثيرون ممن لم يحظوا بمعرفة العميد عن قرب كما حظيت بها، ولم يتعرفوا على وجهه الحقيقي.

وقد تعززت أواصر المودة المشتركة بيننا كثيراً عند نهاية فترة إقامتي في ياموسكرو. أما بالنسبة للمهمة التي جاءت الزيارة في سياقها، فقد أعطاني الرئيس هوفوت بونيي موافقته على المشاركة في قمة الاتحاد الإفريقي الملغاشي للتعاون الاقتصادي، واقترح أن تعقد في نواكشوط بدل تناناريف التي كانت مقررة في الأصل. وعرضتُ الاقتراح على رؤساء الدول الأعضاء فقبلوه بالإجماع.

وفي تلك الأثناء كانت الحكومة الفرنسية وكافة حكومات الاتحاد الإفريقي الملغاشي للتعاون الاقتصادي تقريباً تبحث عن استعادة ما كان يعرف بالكونغو البلجيكية وانتسابها إلى منظمتنا، وهي يومئذ تحت قيادة موسى تشومبي. وقد تحفظت الكاميرون على هذا الانضمام وعارضته الجمهورية الإسلامية الموريتانية. وحاولت الأغلبية المؤيدة لموسى تشومبي استغلال القمة لإجباري والرئيس آهيدجو على قبول رأيها.

وكان الرئيس سينغور مندفعاً في هذه العملية بشكل خاص. وقد كتب إلي في فاتح شهر فبراير ليؤكد لي أنه "أصيب بالإحباط حيال موقف موريتانيا في الأمم المتحدة بشأن الكونغو.. وإذا كنا نريد تعزيز التعاون الموريتاني السينغالي، فمن الضروري أن تكون سياساتنا الخارجية قائمة على مبادئ موحدة".

وفى 22 من الشهر نفسه، وجهت إليه الإجابة التالية: "إن السياسات الوطنية لكل منا لا تعنى بالضرورة تبعية روابط دولة أي منا للآخر. ففي مجال السياسة الخارجية تحديداً، لا يمكن إلزام السينغال وموريتانيا باتباع منهج موحد".

إنه مظهر آخر من مظاهر الأبوة السينغالية التي لا يسعنا قبولها وقد رفضناها على الدوام بطرق شبه ديبلوماسية، وتغلبنا دوما على التوترات العديدة بين البلدين مراعاةً لمصلحة شعبينا اللذين تتضافر أواصر الصلات الدقيقة بينهما.

وقبيل انعقاد قمة نواكشوط التي جرت أعمالها في الفترة من 10 إلى 12 فبراير 1965 وحضرها كل رؤساء دول المنظمة، أطلعني وزير الداخلية على أن مبعوثين خاصين من قبل تشومبي قد وصلا إلى المطار بصفتهما مراقبين عن حكومتهما في قمة الاتحاد الإفريقي الملغاشي للتعاون الاقتصادي. وقد أمرت بتسفيرهما على متن الطائرة التي أقلتهما إلى نواكشوط ليتجها إلى مكان آخر.

وفى الغد أطلعت نظرائي خلال الجلسة المغلقة على الحادث الذى تلقاه بعضهم بعدم الارتياح وبالانتقاد. وكانت تعليقات هؤلاء "أننا لسنا في القاهرة، وأن الاتحاد الإفريقي الملغاشي للتعاون الاقتصادي يختلف عن منظمة الوحدة الإفريقية". وفى ذلك تلميح إلى ما حدث في القاهرة في شهر يوليو 1964 عندما جاء موسى تشومبي "ليقتحم أبواب منظمة الوحدة الإفريقية". وهو أمر رفضه الرئيس ناصر بوصفه مضيفاً للقمة ورئيساً دورياً لمنظمة الوحدة الإفريقية. فقد خضع موسى تشومبي "للرقابة" في إقامة مريحة بضاحية القاهرة إلى وقت رحيله.

وقد دارت اجتماعات قمة نواكشوط بشكل جيد في نهاية الأمر، وفتحت السبيلَ لميلاد المنظمة المشتركة الإفريقية الملغاشية. وكان ذلك بالتراضي بين أنصار الاتحاد الإفريقي الملغاشي، وهم الأغلبية الساحقة، وبين أنصار الاتحاد الإفريقي الملغاشي للتعاون الاقتصادي الذين لا يتجاوز عددهم الاثنين، هما الرئيس آهيدجو وأنا. أما "ياميغو" فقد تخلى عنا والتحق بالأغلبية.

وأذكر من باب الطرفة أن الوقت الذى استغرقه اختيار الشعار المتضمن حرف الميم "M" رمز الملغاشي، الذى أصر عليه الرئيس فلبير تسيرانانا (Philbert Tsiranana) كان أطول من الوقت الذى خصص لمناقشة المشكلات الجوهرية. وكانت هذه الحالة مشابهة لما حدث في آديس آبابا، عندما كادت صعوبة الاتفاق على شعار، تعصف بالمؤتمر التأسيسي لمنظمة الوحدة الإفريقية!

وقد طرح كثير من الزملاء، قبل اختتام أعمالنا، مشكلة ترشح " الكونغو-ليوبولد فيل " (Congo-Léopold Ville) واتفقنا على أن أتولى الدعوةَ إلى قمة طارئة، أحددُ تاريخها ومكانَها بوصفي رئيساً دورياً، وأن تخصص تلك القمة لمناقشة هذه القضية.

وبعد فترة وجيزة، تلقيتُ برقيات ورسائل من عديد الزملاء تحثني على الإسراع في عقد تلك القمة. وقد شرعت في اتصالاتي من أجل تحديد تاريخها ومكانها، رغم تحفظاتي الشخصية تجاه موسى تشومبي الذى يمثل حضوره في نظري مجازفة بالنسبة لمصداقية المنظمة المشتركة الإفريقية الملغاشية، وإن كان يعتبر إفريقياً.

واقترحتُ على نظرائي، بعد هذه المشاورات، أن تعقد القمة في آبيدجان يوم 17 يونيو وأبلغتهم ذلك يوم 8 من مايو. وفي اليوم التالي لاقتراحي، أبلغني الرئيس هفوت بونيي أن "عدداً هاماً من رؤساء الدول الأعضاء في المنظمة المشتركة الإفريقية الملغاشية أعطوا موافقتَهم للتو على عقد المؤتمر في 25 من مايو بأبيدجان". وفى 14 أضاف الرئيس السينغالي "ألا شيء يمنعنا من الاجتماع يوم 25 مايو من أجل قبول دولة ناطقة بالفرنسية داخل صفوفنا لمناقشة ميثاق المنظمة المشتركة الإفريقية الملغاشية تحديداً". وقد استنتجت من فحوى هذين الخطابين أن زملائي قاموا بمشاورات موازية لمشاوراتي دون علمي. وأقل ما يقال عن هذا التصرف إنه عار من اللباقة. وقد بعثت ببرقية تعميم إلى نظرائي أطلعتهم من خلالها على أن الرئيس آهيدجو لا يستطيع مغادرة الكاميرون قبل 15 من يونيو، وعليه فإنني أتمسك باقتراحي القاضي بأن يكون الاجتماع يوم 17 يونيو. ولم أتطرق معهم إلى مدى تأثري. ثم أضفت أننا "ما دمنا لا نتفق على رأي موحد تجاه النقطة الرئيسة من جدول أعمال اجتماعنا الطارئ، فمن الضرري أن يحضر جميع رؤساء الدول في المنظمة المشتركة الإفريقية الملغاشية من أجل الوصول إلى حل يمكِّن من الحفاظ على تماسك منظمتنا". وقد تم تجاهل الحجج التي قدمتُها، وعُقدت القمة الطارئة يوم 26 مايو في غيابي وغياب ثلاثة رؤساء آخرين من بينهم رئيس الكاميرون. وقُبلت جمهورية الكونغو الديمقراطي في هذه القمة التي حضرها موسى تشومبي! وفى 29 مايو استقبلتُ آندرى غيابير (André Guillabert) المبعوث الخاص للرئيس سينغور. وقد كلف باسم رؤساء الدول المجتمعين في آبدجان بإطلاعي على نتائج مؤتمرهم. وأطلعته في النهاية على قرار انسحاب الجمهورية الإسلامية الموريتانية من المنظمة المشتركة الإفريقية الملغاشية، نظراً إلى أن كرامتنا الوطنية أُهينت وأن المرونة الديبلوماسية لها حدود.

وأكدتُ في رسالة شخصية وجهتُها في 23 يونيو، إلى كل رئيس دولة معني انسحابَ الجمهورية الإسلامية الموريتانية من المنظمة المشتركة الإفريقية الملغاشية. وفى الوقت نفسه أطلعتُ نظرائي على إرادة بلدي في الحفاظ على أفضل روابط الصداقة والتضامن مع كل دولة عضو في المنظمة. وعبَّرتُ لهم عن رغبتنا في البقاء عضوًا في أجهزتها الفنية، خاصة منها الخطوط الجوية الإفريقية.

وأغضب قرارُنا بشكل خاص الفرنسيين والرئيس سينغور الذى تحدث عن الموضوع في لقائه مع الرئيس موديبو كيتا في "خاي" بمناسبة توأمة تلك المدينة مع مدينة سان لويس السنغالية، وهي خطوة يتوقع أن تساهم في توطيد المصالحة بين البلدين. وحسب ما ذكره الرئيس المالي فإن ضيفه صرح له بما يلي: "يريد المختار أن يلعب على وتر القومية العربية، وأن يسرب عروبة ناصر إلى منطقتنا، وينسى أن عضوية موريتانيا في الأمم المتحدة وعدم إلحاقها بالمغرب إنما يعود الفضل فيه لفرنسا والاتحاد الإفريقي الملغاشي. إنه جَحُودٌ. لقد نسي المختار على وجه الخصوص هشاشةَ موريتانيا، حيث أن الزنوج في الجنوب، وهم سينغاليون، لا يريدون البقاء تحت سيطرة البيضان العنصريين. وإذا كان المختار يود تعريب الزنوج الموريتانيين، فإنهم لن يقبلوا ذلك، وسيتحركون ليذكِّروه بأنهم يرفضون القطيعة مع إفريقيا السوداء، وسيزعجونه. وقد يفقد منصبه نتيجة ذلك: فهناك بيضان آخرون غير ناصريين ولا دعاة وحدة عربية، أكثر إنصافاً منه، يمكن أن يحل أحدهم محله في تولى رئاسة موريتانيا".

واقترح علي موديبو لدى عودته إلى باماكو لقاءً عاجلا في موريتانيا أو في مالي حسب اختياري، فاقترحت أن يتم لقاؤنا في النعمة، واتفقنا على أن يكون يوم 19 يونيو. وقد أوضح لي موديبو أنه طلب هذا الاتصال لمجرد تنبيهي وتحذيري مما يحيكه الفرنسيون والرئيس سينغور ضدي، ولإطلاعي على أقاويل الرئيس سينغور السابقة والتي علَّق عليها بقوله: "لقد أوهم سينغور العالم، والفرنسيين على وجه الخصوص، أن موريتانيا تتبع السنغالَ مثلما يتبع الظلُّ صاحبَه، فهي تابعة لها في كل القطاعات، وعليه لا يمكن أن تسير ضد الإرادة السنغالية. وهو يدرك أن عهد الهيمنة السنغالية على منطقتنا قد ولى إلى غير رجعة كما ولَّت إفريقيا الغربية الفرنسية والاستعمار الفرنسي. لكن عزاءَه أن يقول إن موريتانيا على الأقل ستظل مخلصةً له بدون شرط، وتتبع السنغال في عزلته في إفريقياً. وها أنت استطعت أن تبرهن على العكس! إنني أعرف سينغور حق المعرفة، وأعرف شعوره تجاه موريتانيا التي كنت وإياه قد تحدثنا عنها كثيراً عندما كنا معا في الاتحاد الفدرالي المالي وأردنا إرغامكم أنتم الموريتانيين على الانضمام إلى فدراليتنا. ولن يغفر لك سينغور انسحابَك من المنظمة المشتركة الإفريقية الملغاشية، الانسحاب الذي يعتبره إهانةً شخصيةً لَه. ولا يقل حنق الفرنسيين عنه، فكل هؤلاء يسعون للتخلص منك، فخذ حذرك".

المختار ولد داداه/ «موريتانيا على درب التحديات»

ثلاثاء, 18/01/2022 - 08:46